زلزال الخوف

يونس مسكين11 فبراير 2025
يونس مسكين

اهتزّت الأرض مجدّدا تحت أقدامنا، أو بالأحرى تحت أسرّتنا منتصف الليلة الماضية، وتهادت بنا البيوت وتمايلت الجدران، وفي ذاكرتنا مأساة قريبة لزلزال الأطلس الكبير، ما زال ضحايا خسائرها المادية يكابدون العيش في العراء. لقد كان الزلزال في ليلتنا هذه قدرا مكتوبا، لكن لطف الله سبق قضاءه، فلم تخلّف الهزة التي شعر بها جلّ سكان الثلث الشمالي من المغرب.

لقد كان الخوف أكبر من الضرر، ومنّا من أيقظ أطفاله (أو أيقظوه)، فحملوا قطعا من الثياب تقيهم البرد وخرجوا إلى الشوارع مخافة انهيار البنايات.

ولم يكن بالإمكان انتظار سلوك مختلف في وقت لم نضمّد فيه بعد جراح زلزال الأطلس الكبير. حيث عادت إلى الأذهان التساؤلات نفسها التي تراودنا كلّما خيّمت علينا بوادر الكوارث الطبيعية، وعلى رأسها سؤال: هل نحن مستعدّون لمواجهة مثل هذه الأحداث بشكل يقلّل الخسائر وينقذ الأرواح؟

بداية لابد من الإقرار بصراحة ودون مواربة، أن عطبا أساسيا كان قد أصاب جهاز تفاعلنا الجماعي مع زلزال الأطلس الكبير تم تجاوزه بشكل واضح، وإن لم يكن الوضع مثاليا بعد. وأقصد هنا التواصل بخصوص الهزة الأرضية، وإعلانها “رسميا”.

لقد كان المعهد الوطني للجيوفيزياء، في شخص مديره ناصر جبور، في مستوى اللحظة وحجم المسؤولية، ولابد من وقفة اعتراف بالجهد التواصلي الجبّار الذي قام به هذا الرجل إلى وقت متأخر من الليلة الماضية.

كما ينبغي تسجيل اختلاف تعاطي الإعلام العمومي مع الهزة الأرضية لليلة أمس، حيث كانت التغطية والمتابعة سريعة، نسبيا، وأفضل بكثير مقارنة بما كان عليه الحال ليلة 8 شتنبر 2023. فقد تفاعلت القنوات والمنصات الرقمية لهذا الإعلام مع الزلزال كمعطى طبيعي وعلمي، واستقت معلوماتها من المعهد الوطني للجيوفيزياء، ولم تنتظر صدور بلاغ إداري يعترف بوقوع هذه الهزة.

لكن، وبما أن بالإمكان دائما أفضل مما كان، تبقى الأسئلة المطروحة كثيرة، وعلى رأسها سبب غياب قناة وطنية للإعلان عن الهزات الأرضية بشكل منتظم وفوري، كما هو الحال مع التطبيقات التي أصبحنا نحتفظ بها في هواتفنا منذ زلزال الأطلس الصغير، والتي تنبئ بكل ما يحصل في القشرة الأرضية وباطنها من هزّات.

لماذا لا نوفّر للمغاربة تطبيقا وطنيا يمكنهم من خلاله تتبّع النشاط الزلزالي بشكل دائم، والتحقق من خلاله من حقيقة أخبار الهزّات الأرضية التي يتم نشر أخبارها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وقطع الطريق بالتالي على كل أنواع الأخبار الزائفة والمضللة، وتمكين الصحافة المغربية من مصدر وطني لمعلومات يفترض أنها مشمولة بمقتضيات القانون الخاص بالحق في الحصول على المعلومات، بما أن الأمر يتعلّق بمعطيات تتوفّر لدى إدارة عمومية وتهم المواطنين بشكل كبير.

ثم ماذا فعلنا في الجانب المتعلّق بالتربية على مواجهة الكوارث الطبيعية، وقواعد السلوك الوقائي الواجب اتّباعه في لحظات مثل هذه؟ لماذا نترك المغاربة لفطرتهم وغريزتهم عندما تحدث تهديدات محتملة، ناجمة عن كوارث طبيعية؟ ومتى سنمكّن المغاربة من تكوين ومعرفة أساسيين في تقنيات الإسعاف والخروج من الأماكن الخطيرة وتقديم المساعدة للآخرين؟

وبما أن النشاط الزلزال بات يتخذ وتيرة متسارعة ومكثفة في السنوات الأخيرة، أين نحن من تقنيات الاستشعار والإنذار المبكّر التي باتت الدول المتقدّمة تعتمدها في مواجهة الزلازل؟

صحيح أن توقّع الزلازل قبل فترة من وقوعها ما زال مستعصيا على العلم والعقل البشريين، لكن التقنيات الحديثة باتت تسمح برصد الزلزال قبل ثوان إلى دقيقة من حدوث أثره المتمثّل في اهتزاز الأرض، وهي فترة تكفي، إما عبر البرمجة المسبقة للأنظمة المعلوماتية أو عبر بروتوكولات دقيقة يتم التدريب عليها، من أجل حماية بعض المنشآت الحيوية ووسائل النقل العمومي…

في اليابان مثلا، حيث يتم تطوير أكثر أنظمة التعامل مع الزلازل فعالية في العالم، يوجد نظام للإنذار المبكر من الزلازل، تديره وكالة الأرصاد الجوية الياباني، ويستخدم شبكة واسعة من أجهزة قياس الزلازل المنتشرة في جميع أنحاء البلاد.

يرسل هذا النظام تنبيهات عبر قنوات التلفزيون، ومحطات الراديو، والهواتف المحمولة، بالإضافة إلى أنظمة النقل العمومي التي تتوقف تلقائيا عند تلقي التحذير. ويمكن أن يوفر هذا النظام إنذارا يتراوح بين بضع ثوان ودقيقة كاملة قبل وقوع الاهتزازات القوية.

وفي الضفة الأخرى من المحيط الهادي، أي في الساحل الغربي للولايات المتحدة الأمريكية، يوجد نظام للإنذار المبكر من الزلازل، يتم تشغيله بواسطة هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية.

يستخدم هذا النظام الذي انطلق العمل به قبل أربع سنوات، شبكة مكوّنة من مئات أجهزة قياس الزلازل المثبّتة على طول الساحل الغربي للولايات المتحدة، ويرسل تحذيرات عبر تطبيقات الهواتف الذكية، إلى محطات القطارات، وشبكات الكهرباء…

وقبل هذا وذاك، هناك نظام الإنذار المبكر للزلازل في المكسيك، والذي يعمل منذ عام 1991 بعد زلزال مكسيكو سيتي المدمر للعام 1985. يعتمد هذا النظام على شبكة من أجهزة الاستشعار المثبتة على طول الساحل الغربي للبلاد، ويُصدر تحذيرات قبل حدوث الزلازل القوية عبر الراديو، والتلفزيون، وصفارات الإنذار العامة.

وعلى غرار هذه الأنظمة، طوّرت دول أخرى مثل الصين وأندونيسيا وتايوان أدوات خاصة بالإنذار المبكّر من الزلازل، والرفع من جاهزية الدولة والمجتمع لمواجهة مثل هذه الكوارث.

تعتمد هذه الأنظمة على مبدأ الكشف عن الموجات الزلزالية الأولية (P-waves)، والتي تنتقل بسرعة كبيرة، لكنها لا تسبب دمارا، مما يمنح وقتا قصيرا للتحذير قبل وصول الموجات الثانوية (S-waves) والتي تعدّ الأكثر تدميرا. فالوقت المتاح للتحذير يتراوح من ثوان قليلة إلى دقيقة، وهو كاف لإيقاف القطارات، وإغلاق شبكات الغاز في الدول التي تتوفّر فيها، وتنبيه السكان لاتخاذ إجراءات السلامة.

وأبانت هذه الأنظمة عن فعالية في تقليل الخسائر البشرية والمادية، وتحسين الاستجابة الطارئة، وحماية البنية التحتية الحساسة مثل المصانع والسدود ومحطات الطاقة الكهربائية والنووية، ومن ثم تقليل الهلع بين السكان من خلال توفير تحذيرات دقيقة.

لا شيء ينقص المغرب، لأن الأمر هنا لا يتعلّق بالإمكانيات والموارد، بل فقط بالإرادة، من أجل الرفع من جاهزيتنا لمواجهة هذا التصاعد المخيف في وتيرة الكوارث الطبيعية.

وكما نبذل الجهود الاستثنائية للحصول على أسلحة متطوّرة وعالية التكنولوجيا وباهظة الثمن، وهذا جهد محمود ومرغوب، علينا أن نبدي الاهتمام نفسه بسياسات الوقاية من الكوارث الطبيعية والحد من آثارها.


يونس مسكين | صحفي وباحث مغربي
اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

عاجل