لا لتهجير الفلسطينيين.. ولكن ماذا عن القتل قصفا وتجويعا؟

إحسان الفقيه8 أبريل 2025
إحسان الفقيه

السياسات العدائية التي اتبعها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منذ توليه منصبه للمرة الثانية خلفا لسلفه جو بايدن، فجّرت، وما تزال، المخاوف من تهجير فعلي لسكان قطاع غزة، وهو المقترح الذي أعلن عنه ترامب بشكل واضح، وتلقفه نتنياهو للعمل عليه بدعم حكومته اليمينية المتطرفة.

كان الموقف العربي الرافض للتهجير يستحق الإشادة، وربما من المرات القليلة التي تلاحمت فيها تطلعات الشعوب العربية مع أنظمتها، إلى درجة أن اصطف معارضون مع حكوماتهم في هذا الشأن، واعتُبِر ذلك إفشالا لخطة ترامب نتنياهو، التي تقضي بتهجير سكان القطاع.

ولكن يبدو أننا اختبأنا داخل شعار «لا للتهجير»، واعتبرناه غاية نقف عندها ونتغنى بهذا الإنجاز العظيم، الذي تحدينا به سيد البيت الأبيض، ونسجله كأحد البطولات العظيمة التي حافظنا بها على حق الشعب الفلسطيني في أرضه والبقاء فيها. ولكن ماذا عن آلة القتل الإسرائيلية الوحشية، التي تعمل ليلا ونهارا على إحراق أرض غزة بمن عليها؟ وماذا عن تحول القطاع إلى ميدان لتجربة أشد القنابل الأمريكية فتكا؟ وماذا عن المجاعة التي زحفت تأكل أهل غزة الذين جوّعهم وعطّشهم الصهاينة؟

كل هذه الأسئلة اختبأنا من الإجابة عليها، في جوف شعار «لا للتهجير». وبهذه المسكنات وبهذا التخدير للضمائر، اخترنا طريقا آخر لتهجير الفلسطينيين، فبدلا من تنفيذ رغبة نتنياهو وترامب في رحيل سكان القطاع من أرض إلى أرض، رأينا نحن ترحيلهم من الأرض إلى السماء، مع وافر الشكر والتحايا، لكل من أسهم في الإنجاز العظيم «لا للتهجير».

الانكفاء على هذا الإنجاز والاختباء من مواجهة ما يحدث بأهل غزة، والدوران في تلك الحلقة المفرغة من مباحثات ودعوات إلى وقف الحرب، واستنكار للمجازر، التي ينفذها جيش الاحتلال بحق المدنيين، وتوجيه النداء للمجتمع الدولي والمنظمات الدولية المهترئة، بضرورة التدخل لمنع هذه الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، كلها إجراءات عقيمة ليست عند نتنياهو إلا كذبابة وقعت على أنفه فأبعدها بحركة عفوية من يده.

الملك نتنياهو الذي لم يعد يهمه بقية أسراه، واختار أن يمضي في طريق إنهاء القضية الفلسطينية حتى النهاية وبلا رجعة، يريد غزة خالية، وترَك الاختيار للدول العربية: إما أن تقوموا بإخلاء غزة من سكانها على أقدامهم، أو نقوم نحن بإخلائها من سكانها أشلاء تحت الأنقاض. تحضرني مقولة للدكتور عبد الوهاب المسيري عن قوة الكيان الإسرائيلي، أنها قوة ليست ذاتية، ولكن قوتها مستمدة من رافدين: الدعم الأمريكي، والضعف العربي.

وهي عبارة يصدقها الواقع بشكل لا يحتمل التشكيك، فطالما استمرت الولايات المتحدة القوية في تبني ورعاية ودعم هذا الكيان اللقيط، وطالما أن الدول العربية مبعثرة مفككة ضعيفة، فسوف يبقى نتنياهو يعيث في الأرض يمينا وشمالا بلا رادع، ولن تقف أطماعه الصهيونية على حدود فلسطين كما هو معلوم، الجميع يحفظ عن ظهر قلب حقيقة الحلم الإسرائيلي بدولة من النيل إلى الفرات. وبناء على هذا التصنيف، لن نشطح في طموحاتنا حيال الموقف العربي، ولا تستبد بنا الأحلام، لأن تعلن الدول العربية الحرب على الكيان الإسرائيلي وتحرر فلسطين، ولكن كل ما نرجوه أن نتحول إلى إجراءات عملية فاعلة حقيقية، بعيدا عن الشجب والاستنكار واستجداء المعتدي، وغيرها من الإجراءات التي ثبت فشلها بامتياز.

هل سنكون مفرطين في أحلامنا، إن قامت الدول العربية والإسلامية بقطع العلاقات الدبلوماسية مع الكيان الإسرائيلي بشكل كامل، وتعليق عودتها على وقف إطلاق النار واستئناف العمل بالاتفاقية التي خرقها الصهيوني؟
هل سنكون مفرطين في أحلامنا لو قامت الحكومات العربية بتبني مقترح بعض الناشطين بأن تدخل قوافل الإغاثة إلى غزة رفقة شخصيات رسمية بارزة من كل دولة، بما يضع الاحتلال أمام أمر واقع يجبره على عدم التعرض لها؟ هل سنكون مفرطين في أحلامنا، لو قامت الدول العربية بتقليص -ولا أقول قطع- حجم الاستثمارات واستيراد البضائع الأمريكية إلى نسبة خمسين في المئة، كنوع من أنواع الضغط والإعراب عن الاعتراض على سياسة الولايات المتحدة تجاه القضية الفلسطينية؟

لا أزعم أنني أتيت بصلب الحل، ولكن هو نموذج لبعض الإجراءات العملية التي نخرج بها عن نطاق الشجب والاستنكار، فهناك ضرورة ملحة لأن تتفق النخب السياسية والثقافية وقادة الرأي على صيغة موحدة لمطالب تتضمن إجراءات عملية فاعلة، تخاطب بها الحكومات العربية والإسلامية.

كل ساعة تمر دون أن يتخللها عمل حقيقي لإنهاء الحرب على غزة بما يحقق المصالح الفلسطينية، يدفع ثمنها أهل غزة من دمائهم. كل ساعة تمر دون إجراءات فاعلة مؤثرة حيال القضية الفلسطينية، تنذر بابتلاع الصهاينة لكامل فلسطين، وهذا بدوره سيجعل دول المنطقة بأسرها في صف الاستهداف الصهيوني، كلٌ ينتظر دوره بعد أن تجاهل حكمة الثور الأبيض، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.


إحسان الفقيه | كاتبة أردنية، باحثة في التاريخ والعقائد.
اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

عاجل