نعمة شهود رمضان بين قوم يوقرون رمضان

إحسان الفقيه

نعمةٌ من نعم الله لا يستحضرها كثير من الناس، وإن استحضروها فغالبا لا يدركون قيمتها، إنها نعمة أن يأتي رمضان عليك وأنت بين أناسٍ يبجّلون هذا الشهر الفضيل، ويعرفون له قدره، ويبتهجون بطلائعه، ويستعدون لاستقباله كحبيب طال به الغياب، فترى وجه الحياة بكامله قد تغير وتزين في هذا الشهر.

ربما أثير الحديث عن هذه النعمة، لأنني أدركت قيمتها، بعد أن أمضيت 11 عامًا في تركيا التي أحبها وأدين لها بالكثير، فعلى الرغم من الجهود التي تُبذل لإعادة مظاهر الحياة التركية إلى الصبغة الإسلامية التي عاشت بها عدة قرون، وعلى الرغم من الخطوات التي قطعتها الحكومة ذات الجذور الإسلامية في تعزيز الشعائر الإسلامية، إلا أن بعض الناس لا يزال حاملا لمظاهر العلمانية التي تجذرت في شريحة واسعة منه من بعد سقوط الخلافة العثمانية.

عندما تعيش كمسلم عربي في تركيا سترى كثيرا ممن حولك لا يبالون بالجهر بالفطر في نهار رمضان، لا تلحظ تغيرات واضحة في حياة الناس، وكأنهم يعيشون أياما عادية، وأعني هنا خارج جدران المساجد، كما لا أقصد هنا التعميم، ولكنني أتحدث من واقع المقارنة التي ارتكزت على كوني عربية شهدت في موطنها شهر رمضان مرارًا وتكرارًا، فليس هناك وجه للمقارنة بين الواقعيْن.

إنها حقًا نعمة عظيمة أن تشهد هذا الشهر وأنت بين قومٍ ترى في أحاديثهم قبل رمضان الشوق إلى مجيئه، والدعوات الحارة بأن يبلغهم هذا الشهر، والاستعدادات التي تجري على قدم وساق لاستقباله، سواء كانت استعدادات إيمانية تعبدية أو مادية.

أن تشهد الجموع تتدفق إلى صلاة التراويح كأنها تطلب السقيا، أن ترى التنافس في فعل الخيرات، والحرص على إطعام الفقراء ونيل ثواب إفطار الصائمين.

أن ترى الناس من حولك يقبلون على كتاب الله، ويتبارى الأقران في عدد الختمات التي ينجزونها في هذا الشهر.

أن ترى كل ميقات كل شيء في البلد متكيفا مع شعائر رمضان من صلوات وإفطار وتراويح، وأن ترى التهانئ لا ينقطع بثّها بين الناس، فتلك والله نعمة عظيمة، يشعر بالحرمان منها خاصة أولئك الذين يعيشون كأقليات في بلدان غير إسلامية، ولا أعني هنا غياب هذه المظاهر بصورة مطلقة، لكن مهما بدا منها شيء فلن تكون بذات القدر في البلدان العربية الإسلامية.

إن من شأن هذه النعمة، أن يجد المرء خلالها على فعل الخير أعوانا، يشدون أزره على فعل الخير، وتدفعه هذه الأجواء إلى أن يعيد صياغة شخصيته في ذلك الشهر الفضيل، وتجعله يستحضر حقيقة أن رمضان ضيف حبيب يأتي على فاقة، سرعان ما تمضي أيامه ويرتحل، فيكون الوداع الذي لا يعرف المرء هل سيشهده مرة أخرى أم تعاجله المنيّة.

إن المجتمع الذي يغلب عليه توقير شهر رمضان، يستشعر المرء فيه جماعية الطاعة، ومن ثم يُحدث تأثيرا قويا في تهذيب النفوس وتصفية القلوب، فهذا الإظهار لشعائر الإسلام في رمضان يقرب الناس من الامتثال للتوجيه القرآني: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان)، والإنسان قد جُبل على التأثر بمن حوله كما جاء في الحديث النبوي: «الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل».

فإن تشهد رمضان فتلك نعمة عظيمة، وإن تشهده بين من يُجلّه فتلك نعمة عظيمة أخرى، فاشكروا الله عليها، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.


إحسان الفقيه | كاتبة أردنية، باحثة في التاريخ والعقائد.
اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

عاجل