كاينابريس – وكالات
نشر روني كاسريلس، وزير المخابرات السابق في جنوب إفريقيا، ومن قدامى المحاربين ضد نظام الفصل العنصري، مقالا في موقع “فلسطين كرونيكل”، بعنوان “ما وراء منطق التجريد من الإنسانية.. أولئك الذين نبكي عليهم سينتصرون في الحرب”.
وأكد كاسريلس وهو يهودي تعود أصول عائلته من لاتفيا، أن “الصهيونية لم تمت، ولكنها بكل تأكيد في النزع الأخير، وسوف يكون الثمن باهظا جدا، باهظا فوق كل اعتبار، ولكن الذين نبكيهم اليوم، هم من سيكسبون الحرب”، في إشارة إلى المقاومة الفلسطينية.
وأدان الكاتب حرب الإبادة الجماعية التي ترتكبها دولة الاحتلال في غزة، و”الصهاينة وحلفاءهم الذين يبررون هذا القتل المهول، باعتباره ردا مشروعا على عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر من العام الماضي”.
وشدد على أن “هناك اعترافا دوليّا بالحق في ممارسة المقاومة المسلحة ضد الاحتلال. ولكن لا يوجد اعتراف دولي بحق قوة الاحتلال في الدفاع عن النفس”.
وبدأ كاسريلس مقاله بالإشارة إلى أنه “في غزة يُقتل ستة أطفال كل ساعة. وأنه تم حتى الآن ذبح ما يزيد عن سبعة عشر ألف طفل. وشدد على انه لا أحد منا، ولا حتى الشعراء، بإمكانه استدعاء كلمات كافية لتصف التعطش الفاشي للدماء لدى النظام الإسرائيلي والمجتمع الذي يسانده”.
واعتبر أنه “بعد عام من بدء الهجوم على غزة، ما يزيد عن اثنين وأربعين ألف إنسان قتلوا. لا يشمل هذا الرقم المفقودين. ما يزيد عن عشرة آلاف شخص ممن يحسبون في عداد الأموات، ما زالت أجسادهم تحت الأنقاض. أصيب أكثر من مائة ألف شخص، عدد كبير منهم إصاباتهم خطيرة”.
وذكر أنه “في شهر يوليو (تموز) الماضي، قدرت دراسة نشرت في المجلة الطبية المحترمة، “ذي لانسيت”، بأن العدد الإجمالي للموتى، لأسباب مباشرة أو غير مباشرة، قد يتجاوز 186 ألف إنسان بحلول التاسع عشر من يونيو (حزيران) 2024. أكثر من سبعين بالمائة من الأموات هم من النساء والأطفال. ما يزيد عن ألف طفل فقدوا أطرافا لهم، وهو أعلى رقم لأي فترة مشابهة في التاريخ”.
وشدد على أن هناك اعتراف دولي بالحق في ممارسة المقاومة المسلحة ضد الاحتلال. ولكن لا يوجد اعتراف دولي بحق قوة الاحتلال في الدفاع عن النفس.
واستدرك أنه “صحيح أن حق ممارسة المقاومة المسلحة ضد الاحتلال لا تشمل اتخاذ المدنيين رهائن أو شن هجمات متعمدة على المدنيين. ولكن، علينا مع ذلك “أن نكون واضحين إزاء ثلاثة أمور، أما الأول، فهو أن الإسرائيليين، المدعومين من قبل حلفائهم في الولايات المتحدة وفي غيرها من الأماكن، شنوا حملة دعاية وقحة بعد عملية طوفان الأقصى، ولقد ثبت دون أدنى شك كذب الادعاءات بقطع رؤوس أربعين رضيعا، وبارتكاب اغتصاب جماعي”.
وأما الثاني، فهو أن ما يزيد عن ثلاثمائة شخص ممن قتلوا في إسرائيل في أثناء العملية، كانوا جنودا على رأس عملهم، وكانوا بذلك أهدافا عسكرية مشروعة. كثير من المدنيين الذين قتلوا كانوا جزءا من الاحتياط العسكري الإسرائيلي، وبذلك فهم جنود خارج دوام العمل. بالإضافة إلى ذلك، بات موثقا وبشكل جيد، أن كثيرا من هؤلاء المدنيين قتلوا بنيران أطلقها الجيش الإسرائيلي.
وأما النقطة الثالثة، فهي أنه في مثل هذه الأمور، يكون من الضروري دائما أن نأخذ السياق في الحسبان. والسياق هنا هو خمسة وسبعون سنة من الاحتلال والتشريد الاستعماري والتطهير العرقي الإجرامي في كل أنحاء فلسطين. ما يقرب من ثمانين بالمائة من أهل غزة هم أصلا من اللاجئين الذين قدموا إلى القطاع، بسبب التطهير العرقي الذي مارسه الإسرائيليون ضد الفلسطينيين في عام 1948 وفي عام 1967.
وأضاف: كما عانى قطاع غزة من حصار دموي استمر سبعة عشر عاما، والمدنيون الذين أخذوا رهائن إنما أخذوا من أجل استبدالهم بالآلاف من الرهائن الفلسطينيين القابعين داخل السجون الإسرائيلية.
وشدد على أنه “ما كان الرد الاستئصالي للاحتلال الاستعماري الإسرائيلي على المقاومة ليحصل دون مساندة الولايات المتحدة”.
وخلال العام الذي تلا عملية طوفان الأقصى، “أنفقت الولايات المتحدة 22.76 مليار دولار على المساعدات العسكرية لإسرائيل، وعلى العمليات الأمريكية ذات العلاقة في المنطقة. ولكن داخل الجامعات في أرجاء الولايات المتحدة، وقف الشباب، وكثيرون منهم يهود، بشجاعة في صف العدالة”.
وذكر أنه “تشير الإحصائيات إلى أن أربعين بالمائة من اليهود في الولايات المتحدة دون سن الخامسة والثلاثين، يعارضون الصهيونية ويدعمون الفلسطينيين. ويفهم هؤلاء أن اليهودية موجودة منذ آلاف السنين، قبل قيام دولة إسرائيل، وأنها سوف تظل موجودة لفترة طويلة بعد زوال إسرائيل بالشكل الذي هي عليه الآن”.
وأضاف أنه “ها هي الحركة الدولية للمقاطعة وفرض العقوبات وسحب الاستثمارات، تنمو بسرعة وتزداد قوة، كما تحقق تطورا بارزا باتجاه تمكين الأمم المتحدة ومحاكمها العليا، المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية، حتى تمارس صلاحياتها وتتخذ الإجراءات الضرورية في الحال”.
وشدد الكاتب على أن الأوضاع مأساوية في غزة، وبشكل لا يمكن تصوره، وكذلك الوضع هو في الأحياء المحاصرة في الضفة الغربية، حيث بلغ عدد المحتجزين في السجون أحد عشر ألفا وخمسمائة. ومع ذلك، ما تزال المقاومة حية، وقد تجسدت بسالتها ورصانتها في التحدي الذي أظهره السنوار حتى لفظ آخر أنفاسه، كما تجسد في صرير الفتاة الصغيرة التي حملت شقيقتها الطفلة على ظهرها، وسارت بها بين تلال من الركام والموت.
وخلص للقول لم تمت الصهيونية، ولكنها بكل تأكيد في النزع الأخير. سوف يكون الثمن باهظا جدا؛ باهظا فوق كل اعتبار، ولكن الذين نبكيهم اليوم، هم من سيكسبون الحرب.