آفة تبرير الأخطاء

إحسان الفقيهمنذ 4 ساعات
إحسان الفقيه

الخطأ طبيعة بشرية، فما من إنسان إلا ويقع في ارتكاب الأخطاء، والنبي صلى الله عليه وسلم يقرر هذه الحقيقة بقوله: «كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون».

لكن أشد من الخطأ، أن يسعى المخطئ لتبرير الخطأ بحجج واهية ومبررات شتى للتغطية عليه وتبرئة نفسه، نعم لا أحد يرغب في الظهور بمظهر المعيب الناقص، لكن تبرير الخطأ بغير وجه حق هو آفة خطيرة تقلب موازين العدل والإنصاف، وغالبا ما يعبر ذلك عن تلبّس صاحبه بداء الكِبر.

لدينا بهذا الصدد مثل لاثنين من خلق الله، كان أحدهما على النقيض من الآخر حيال الخطأ، وهما آدم عليه السلام، وإبليس.

عندما عصى الشيطان ربه برفض السجود لآدم، لم يقر بالخطأ الذي ارتكبه، وإنما شرع في التبرير لهذا الخطأ يحركه في ذلك الكبر، فكانت حجته الواهية هو القياس الفاسد (خلقتني من نار وخلقته من طين)، فقد أعطى لنفسه الحق في تفضيل النار على الطين بدون سند، ولو أنه اعترف بالخطأ واستغفر ربه لعفا عنه، لكنه أصر على التبرير والتمسك برأيه الفاسد.

وأما آدم عليه السلام، فحين وقع في المخالفة وأكل من الشجرة التي نهاه الله عنها، سلمت نفسه من الكبر، وأقر على الفور بالخطأ، ولم يبرر، ولم يسق الحجج، فكان صريحا مع نفسه، وعلم أنه لم يكن هناك داع لهذه المخالفة سوى الفضول والانصياع لتسويل الشيطان، فتاب هو وزوجه: (قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين).

وفقًا لمنطق تبرير الأخطاء بالباطل، يشرعن الكثيرون أخطاءهم، فهذا يسرق ويبرر بالاحتياج، وهذا يضرب زوجته بمبرر طبيعة الغضب فيه، وهذا يشرب الخمر لينسى آلامه، وهذا يرتشي ويبرر ذلك بأن رؤساءه في العمل يرتشون، فهكذا وبهذا المنطق سوف يجد كل مخطئ ما يبرر به الخطأ ويشرعنه.

تبرير الخطأ بالباطل يضيع الحق، فلو أن رجلا يقود سيارته بمنطقة نائية عن الرقابة متجاوزا المسافة القانونية بين السيارات أثناء السير، وصدم سيارة رجل آخر من الخلف، ثم شرع يبرر هذا الخطأ بالباطل، في الوقت الذي يراه الطرف الآخر مخطئًا، فكيف لا يضيع الحق بينهما؟

لا يدع تبرير الخطأ بالباطل إلا صاحب نفس زكية وذو حكمة وحسن إدراك، حيث يعلم أن الخطأ من طبيعة البشر، ولن ينقص من قدره شيء إن اعترف بأخطائه، وفي نفس الوقت يأخذ من الموقف عظة لئلا يتكرر الوقوع فيه، كما أنه امرؤ شجاع يواجه أخطاءه في جرأة، وفوق ذلك يراقب الله عز وجل، فهو يعلم أن الحجج الواهية التي يسوقها لتبرير ما وقع فيه من خطأ، قد يخدع بها الناس، لكنه لن يخدع بها الذي يعلم السر وأخفى.

تحدثنا كتب السيرة النبوية عن أحد هؤلاء الذين واجهوا أخطاءهم في شجاعة، وراقبوا الله، ولم يبرروا لأخطائهم بالباطل رغم قدرتهم عليه.

هو الصحابي كعب بن مالك رضي الله عنه، أحد الذين تخلفوا عن غزوة تبوك مع النبي صلى الله عليه وسلم بغير عذر، فلما رجع صلى الله عليه وسلم جاءه من تخلفوا عن الغزو يسوقون المبررات، فقبل منهم أعذارهم التي أعلنوها لأن الأحكام تجرى على الظاهر.

أما كعب، فما إن علم بعودة النبي صلى الله عليه وسلم حتى جعل يجهز مبررات يقدمها، لكنه بعد أن دخل عليه المسجد وسأله النبي عن سبب تخلفه، قال بكل صراحة: يا رسول الله، والله لو جلست إلى غيرك من أهل الدنيا، لخرجت من سخطه بعذر، ولقد أُعطِيتُ جدلًا، والله ما كان لي عذر حين تخلفت عنك، فقال صلى الله عليه وسلم: أما هذا فقد صدق، فقم حتى يقضي الله فيك.

فالرجل يملك المقدرة على الدفاع عن نفسه بالباطل، لكنه أبى إلا أن يكون صادقا ويعترف بالخطأ، مهيئا نفسه لاحتمال النتائج مهما كانت.

المرء مطالب بالتخلي عن نرجسيته وكبره في التعامل مع الأخطاء، فيقر بها ويترك التبرير بالباطل، لأنه بالضرورة ينشد ذلك في الآخرين، وقديمًا قالوا: “الاعتراف بالحق فضيلة”، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.


إحسان الفقيه | كاتبة أردنية، باحثة في التاريخ والعقائد.
اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

عاجل