![وائل قنديل](https://kaynapress.com/wp-content/uploads/2024/03/-قنديل-e1711149084800.jpg)
نزل تصريح عبد الفتاح السيسي إن تهجير الفلسطينيين من غزّة ظلم لن تشارك فيه مصر، برداً وسلاماً على طيفٍ واسع من المصريين الذين وضعوا أيديهم على قبولهم انتظاراً للردّ من المعنيّ الأوّل بالأمر على ادعاءات الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأنه بناءً على اتصاله بالسيسي يعتقد أن الأخير سيوافق على تطهير غزّة من ساكنيها وتوزيعهم على مصر والأردن.
من حيث المبدأ، كلّ تضامن مع الشعب الفلسطيني من أيّ طرفٍ مطلوب، وكلّ موقف رافض للظلم الواقع على هذا الشعب مقبول، سواء كان هذا الموقف نابعاً من إيمان حقيقي بحقّ هذا الشعب في التحرّر من الاحتلال، أو مسايرة لتيار شعبي جارف يشتعل غضباً من الاعتداءات الهمجية على أشقاء، وبالتالي لا غضاضة على الإطلاق في أن يصفّق أيّ طرفٍ لما أعلنه السيسي ويراه عملاً عظيماً، حتى وإن كان المُعلن هو الحدّ الأدنى من الواجب القومي والإنساني تجاه شعب شقيق.
صحيحٌ أنّ السيسي لم ينسَ تجديد حرصه واهتمامه بما أسماه “أمن وسلام المواطن الإسرائيلي” بالقدر نفسه الذي ينشغل به “بأمن وأمان المواطن الفلسطيني” إلا أن ذلك لا ينفي أننا بصدد مقاربة مختلفة وموقف جديد كليّاً من الكفاح الفلسطيني، قيل عنها إنها استجابة للرأي العام المصري المُتضامن والداعم لصمود الشعب المقاوم لهمجية الاحتلال في فلسطين، الذي قيل إن السلطة دعته إلى الخروج في تظاهراتٍ عارمة تصل إلى معبر رفح ضدّ ترامب ومشروعه، وضدّ “العدو الصهيوني” كما تصفه أبواق النظام في مصر، وهو المشهد الذي يطرح مجموعة من الأسئلة، ويضع غابة من علامات التعجّب بين الواقع القائم وهذا الاشتعال المفاجئ لمشاعر الحبّ للصمود والمقاومة.
أوّل سؤال يفرض نفسه هنا: لماذا يواصل النظام “المنحاز جدًا لصمود غزّة” سجن محبّي غزّة وفلسطين الحقيقيين، ليس فقط هؤلاء المائة والثلاثة والسبعون معتقلًا من 20 محافظة مصرية الذين جدّد حبسهم 45 يوماً أخرى على ذمة التحقيقات التي تجري معهم على خلفية خروجهم في تظاهراتٍ داعمةٍ للقضية الفلسطينية ونصرة غزّة في مواجهة عدوان الاحتلال الإسرائيلي، وإنما مئات من الداعمين للمقاومة يقبعون في السجون منذ سنوات بعيدة. ومن هؤلاء، مثلًا لا حصرًا، الدكتور ورئيس البرلمان السابق محمد سعد الكتاتني، الذي كان في قلب غزّة دعماً لصمودها في عدوان 2012، ومحمد البلتاجي، أحد أبطال سفينة كسر الحصار على غزّة 2009 وعصام سلطان والسفير محمد رفاعة الطهطاوي، ومن سجنوا بعدهم وأنهوا فترات عقوبتهم من دون أن يحصلوا على حريتهم، مثل علاء عبد الفتاح، الذي تخوض والدته معركة الأمعاء الخاوية لأكثر من 120 يوماً، نضالاً من أجل حقّه في الحرية، ومحمد عادل، الذي كان من ضمن أحراز اعتقاله أوّل مرّة “أنه ضبط مرتدياً كوفية فلسطينية”، والذي انتهت مدّة حبسه، قانونًا، يوم 26 يناير/ كانون الثاني الجاري في الحكم الصادر بحبسه أربع سنوات تضاف إلى خمس سنوات قضاها محبوساً احتياطيّاً قبلها، وغيرهم كثيرون من المعروفين والمجهولين، منهم من اعتُقل في ملعب كرة قدم بتهمة رفع علم فلسطين، ومنهم من تعرّض للضرب والحبس فتراتٍ، لأنه شارك في وقفات تطالب بدعم الشعب الفلسطيني المحاصر في غزّة.
هؤلاء كان يجب أن يكونوا أوّل المدعوين إلى المشاركة في التظاهر ضدّ ترامب ونتنياهو، انتصاراً لفلسطين لو كان المنطق حاضراً والصدق قائماً في هذا المشهد القومي العظيم، المفاجئ، الذي جعل الذين كانوا يحرّضون على دكّ غزّة فوق عظام أهلها، ويعتبرون “حماس” عدوّاً وإسرائيل صديقاً، ويرقصون احتفالًا بتصنيف المقاومة جماعة إرهابية، جعلهم يتقدّمون صفوف المناضلين ضدّ إسرائيل وأميركا، وينصبون أنفسهم معياراً للوطنية والقومية العربية والتضامن الإنساني.
كنا نتمنى أن نسلّم بصدق هؤلاء ونهتف معهم، لولا أنهم هم أنفسهم أغلقوا أفواههم، ولم ينطقوا بكلمة عزاء واحدة في استشهاد رموز المقاومة في فلسطين ولبنان، إسماعيل هنية وحسن نصر الله ويحيى السنوار، والآن محمد الضيف، فكيف يمكن أن يكون مهتمّاً بدعم الشعب الفلسطيني، من سلخ مقاومته بألسنة حداد منقوعة في كلّ سوائل البذاءة؟
ارفعوا ظلمكم عن أحباء فلسطين في سجونكم، قبل أن تطلبوا الاصطفاف خلفكم رفضًا للظلم الواقع على الشعب الفلسطيني.