نجاح الولايات المتحدة في فرض وقف لإطلاق النار في لبنان على إسرائيل وحزب الله كان في صالح إسرائيل بالدرجة الأولى، لأن الولايات المتحدة ببساطة لا تتحرك قط في أي اتجاه فيما يتعلق بالصراع مع إسرائيل إلا الاتجاه الذي فيه مصلحة إسرائيل وأمنها، ولو كان من مصلحة إسرائيل استمرار القتال حتى تكمل خطتها للقضاء الكامل على حزب الله لكانت قد أقنعت أمريكا وفعلت، لاسيّما بعدما نجحت في القضاء على قيادات الحزب السياسية والعسكرية خلال أيام، كمحصلة لما قامت به على مدى سنوات من جمع معلومات استخباراتية كافية مكنتها من القضاء خلال أيام على كثير مما بناه الحزب خلال عقود، من قيادات وقوة عسكرية واقتصادية، وأهم شيئ نجحت إسرائيل في القضاء عليه هو القيادات التي يصعب على الحزب أن يعوضها.
تصريح بايدن الشهير “لو لم تكن إسرائيل موجودة لأوجدناها” يؤكد على حقيقة مهمة هي أنه كما تستعمل إسرائيل واللوبي الصهيوني الولايات المتحدة، فإن الولايات المتحدة كذلك تستخدم إسرائيل لتحقيق نفوذها وسيطرتها على أهم وأغني منطقة في العالم
كما أن إعلان الرئيس الأمريكي جو بايدن عن وقف إطلاق النار جاء ليؤكد للجميع أن الولايات المتحدة هي التي تدير المعارك وإسرائيل هي الوسيط لتحقيق أهداف أمريكا، لذلك فإن تصريح بايدن الشهير “لو لم تكن إسرائيل موجودة لأوجدناها” يؤكد على حقيقة مهمة هي أنه كما تستعمل إسرائيل واللوبي الصهيوني الولايات المتحدة، فإن الولايات المتحدة كذلك تستخدم إسرائيل لتحقيق نفوذها وسيطرتها على أهم وأغني منطقة في العالم سواء بالموارد الطبيعية أو الموقع الاستراتيجي أو السكان أو الثروات، وكما ذكر الدكتور عبد الوهاب المسيري في أكثر من حوار أجريته معه أن الولايات المتحدة بحاجة إلي إنفاق عسكري يزيد على خمسين مليار دولار سنويا حتى تحقق نفوذها في المنطقة، لكن إسرائيل تحقق ذلك لها بدعم لا يزيد -في كثير من الأحيان- عن 20٪ من إجمالي هذا المبلغ…
وقد شجعت الولايات المتحدة إسرائيل أو أجبرتها على القبول بوقف إطلاق النار من خلال الضمانات السرية التي قدمتها لها والتي كشفت عنها القناة 12 الإسرائيلية في تقرير نشرته بعد سريان وقف إطلاق النار في 27 نوفمبر 2024، جاء فيه أن الولايات المتحدة تعهدت لإسرائيل بالتعاون الكامل معها فيما يتعلق بالصراع مع إيران، كما أنها سوف تتولى إدارة كل ما يتعلق بالهيمنة على حزب الله في لبنان وكبح جماحه من خلال تقوية نفوذ الجيش اللبناني وتمكينه عبر حلفائها من أن يٌشكل منطقة عازلة بين مواقع حزب الله وإسرائيل، وأنها سوف تحُول بين الحزب وإعادة تسليح نفسه من جديد.
من ناحية أخري فقد كشفت صحيفة معاريف الإسرائيلية في تقرير نشرته في 27 نوفمبر أن من أسباب قبول إسرائيل بوقف إطلاق النار هو تآكل مخزونات جيش الاحتلال من الطائرات المقاتلة والدبابات الحديثة وناقلات الجند بعد تدمير أو إصابة كثير منها خلال خمسة عشر شهرا من الحرب، ولذلك فإن إسرائيل بحاجة لتجديد أسلحتها ومخزوناتها من الذخائر، كما أن المقاتلات الإسرائيلية -التي هي سلاح إسرائيل الضارب- قد أصابتها الشيخوخة بسبب حجم الطلعات الجوية التي تقوم بها.
لقد ملأت إسرائيل مخازنها من الأسلحة والذخائر وفرغتها أكثر من مرة خلال حربها على غزة، ولأن مصانع السلاح في الغرب تمول عدة حروب وليست إسرائيل وحدها فإن قدرتها على إنتاج الذخائر لا تلبي حاجة إسرائيل، كما أن شركات إنتاج الدبابات والأسلحة في إسرائيل باتت غير قادرة علي تعويض ما تم إصابته أو تدميره.
وتشير مصادر عديدة إلى أن أقوى الضغوط التي تعرض لها حزب الله كانت من إيران صاحبة القرار الحقيقي في كل ما يقوم به، لذلك قررت إيران بسبب الضغوط الأمريكية عليها أن تترك غزة وحدها حتى تنجو وتٌبقي علي ما تبقي من قوة الحزب
أما حزب الله فقد قبل بوقف إطلاق النار؛ بسبب ما لحق به من خسائر بشرية ومادية غير مسبوقة، علاوة على أن حاضنته الشعبية قد تضررت وهاجرت، كما أنه تعرض لضغوط داخلية وخارجية هائلة، وتشير مصادر عديدة إلى أن أقوى الضغوط التي تعرض لها الحزب كانت من إيران صاحبة القرار الحقيقي في كل ما يقوم به، لذلك قررت إيران بسبب الضغوط الأمريكية عليها أن تترك غزة وحدها حتى تنجو وتٌبقي علي ما تبقي من قوة الحزب.
لكن هل فعلت إيران الصواب؟ كثير من المراقبين يقولون عكس ذلك ويؤكدون أن سلوك إيران لن يجر لها السلام كما تعتقد، فالغرب لا يقبل بالسلام وإنما الاستسلام الكامل ولا يحترم إلا الندية والقوة، وقد كان لدى طهران القدرة لتتعامل بندية لكنها تلكأت وترددت ولم تستخدم الحد الأدنى من قدرتها وإنما الحد الذي تقبله أمريكا والغرب وظل قادتها يهددون ليل نهار دون أي فعل يرقي لمستوي التهديدات الكبيرة التي لازال قادتها يرددوها، ولو سكتوا لكان خيرا لهم.
هذا الاتفاق الهش يمكن ألا يصمد إذا قررت إيران أن تجدد قوة حزب الله، وإلا خسرت نفوذها في جبهة ظلت عقودا تبني وتستثمر فيها وجعلتها أحد موازين القوى الرئيسية التي تساوم بها في علاقتها مع الولايات المتحدة والغرب
هناك عوامل أخري كثيرة أجبرت إسرائيل على القبول بوقف إطلاق النار وإن كانت غير أساسية، منها: قرار المحكمة الجنائية الدولية، وتآكل الدعم الدولي لإسرائيل، ونهاية رئاسة بايدن، والصراع الداخلي، لكن هذا الاتفاق الهش يمكن ألا يصمد إذا قررت إيران أن تجدد قوة حزب الله، وإلا خسرت نفوذها في جبهة ظلت عقودا تبني وتستثمر فيها وجعلتها أحد موازين القوي الرئيسية التي تساوم بها في علاقتها مع الولايات المتحدة والغرب، أو إذا وجد نتنياهو أن تحالفه سوف ينهار إذا لم يعد للحرب مرة أخرى، وهي عوامل آنية جعلت الطرفان يقبلان بوقف إطلاق النار الذي قد ينهار إذا قرر أحدهما أنه ليس في صالحه على المدى البعيد.