أسبوع الثلاث ضربات في تونس

محمد كريشانمنذ ساعتين
محمد كريشان

ضربتان على الرأس تؤلم… فما بالك لو كانت ثلاثا!! ففي أسبوع واحد تابع التونسيون ثلاثة مشاهد مصوّرة، مختلفة الشخصيات والسياقات والمناسبات، لكنها تصبّ جميعها في غير مصلحة السلطة السياسية وسياساتها المختلفة، بل وتصبّ ضدها بشكل مفتوح وحاد أحيانا.

الضربة الأولى برنامج تلفزيوني حول قضية التآمر المزعومة على أمن الدولة الداخلي والخارجي والتي اعتقل فيها عدد كبير من القيادات السياسية من مشارب مختلفة منذ عامين دون أن يعرضوا بعد على المحاكمة، التي تقررت أخيرا أن تكون في الرابع من الشهر المقبل. قناة تلفزيونية خاصة تسمى «قرطاج بلاس» عرضت حلقة من برنامجها الجديد «رؤى حرة» الذي يقدّمه الصحافي زياد الهاني استضافت المحامية دليلة مصدّق التي تدافع عن عدد منهم. البرنامج الذي استمر لزهاء الساعتين يعتبر عمليا تشريحا كاملا لملابسات هذه القضية، وكيف أنها بنيت على أسس واهية بالكامل من قبل حاكم تحقيق هو نفسه الآن خارج تونس وملاحق قضائيا بتهمة التآمر!!

طوال هاتين الساعتين تم استعراض أبرز ما جاء في قرار ختم بحث القضية، وكيف استند إلى شهادات أناس هلاميين أو غير ثقاة بالمرة، وكيف كانت رواياتهم للمؤامرة المزعومة سريالية بدرجة مبكية ومضحكة في آن واحد. لم يكتف البرنامج بذلك بل عرض أغاني حماسية تضامنية مع المعتقلين، وفي نهايته توجّه مقدمه إلى الرئيس التونسي محمّلا إياه المسؤولية المباشرة عن كل هذه القضية المفبركة. النتيجة أن هذه القناة أبلغت مقدّمه قرارها بوقف البرنامج، وقد يكون محظوظا أنه لم يعتقل هو نفسه، كما اعتقل في السابق على مجرد كلمة في برنامج إذاعي، علما أن إدارة السجن الذي يقبع فيه المتهمون في القضية قطعت عنه الكهرباء ليلة البرنامج حتى لا يتابعه هؤلاء!!

الرئيس الحالي «لا منجزات له سوى ترميم مسبح بلدي وهو لا يفعل شيئا سوى التجوّل بملف أحمر في يده مقبّلا الأطفال هنا وهناك»

الضربة الثانية، مداخلة في جلسة لمجلس نواب الشعب الموالي للرئيس من قبل نائب شاب في الواحدة والثلاثين من العمر هو أحمد سعيداني شنّ فيها هجوما لاذعا وغير مسبوق على قيس سعيّد متهما إياه بالعجز عن تحقيق أي منجز هام طوال الخمس سنوات التي قضّاها في سدة الحكم حتى الآن، واصفا المرحلة الحالية بأنها «مرحلة الكذب على الشعب» ومرحلة «بلا بوصلة واضحة». وأضاف هذا النائب في مداخلة جريئة للغاية جرى تداولها على نطاق واسع، أن لرؤساء تونس السابقين لاسيما الرئيس المؤسس الحبيب بورقيبة منجزات تنسب له، ولوزرائه، إلى الآن، بينما الرئيس الحالي «لا منجزات له سوى ترميم مسبح بلدي وهو لا يفعل شيئا سوى التجوّل بملف أحمر في يده مقبّلا الأطفال هنا وهناك» مع خمسة رؤساء حكومات في خمس سنوات، متسائلا عما إذا كان يوجد حول الرئيس من يقول له «إلى أين أنت ذاهب بنا» ذلك أن «السفينة ستغرق بنا جميعا» كما قال.

تزداد قيمة هذه المداخلة أن هذا النائب نفسه هو من كان وصف في نوفمبر/ تشرين الثاني 2023 الرئيس قيس سعيّد بعقبة ابن نافع، فاتح بلاد إفريقية، والقائد القرطاجنّي الكبير حنّبعل، كما أنه هو نفسه الذي قال في يوليو/ تموز العام الماضي إلى أنه كان يفترض شنق راشد الغنوشي قبل أربعين عاما، وأن المعارضين مكانهم المقابر، فما الذي غيّره هكذا يا ترى؟!!

أما الضربة الثالثة فكانت الجدل الذي أثارته زيارة وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي إلى تونس إذ لم تكن هذه المناسبة الأولى التي يخرج بشأنها بيان رئاسي يختلف تماما عما يصدر من جهة أجنبية التقت الرئيس أو أجرت معه مكالمة هاتفية أو حتى زارت البلاد. هذه المرة تحدث البيان الرئاسي عن استقبال الرئيس للامي فخاض في مسائل شتى مع سطر وحيد أشار إلى أن من بين ما تم التطرق إليه في اللقاء «الهجرة غير الإنسانية التي تديرها شبكات إجرامية عابرة للحدود».

هذا السطر اليتيم تحوّل في فيديو نشره وزير الخارجية البريطاني إلى القضية الأساسية التي جاء من أجلها لامي إلى تونس وذلك حين أشاد بجهود تونس في منع تدفق المهاجرين غير النظاميين عبر أراضيها نحو أوروبا مما ساهم في تخفيض أعدادهم بنسبة 80 في المئة، مع بث لقطات له وهو يتابع جهود حرس الحدود التونسيين في هذا الشأن مع مشاهد لطائرات بلا طيّار تساعدهم في رصد هؤلاء المهاجرين وأغلبهم من إفريقيا جنوب الصحراء. أما أكثر ما أثار حفيظة الكثيرين في تونس فهو ما أعلنه لامي من تخصيص لندن مبلغ 5 ملايين جنيه إسترليني لمساعدة تونس على تمويل مشاريع تحول دون رغبة هؤلاء في المخاطرة بحياتهم للهجرة إلى أوروبا عبر «قوارب الموت». لقد كان المبلغ زهيدا للغاية، بل ومهينا، إلى درجة دفعت أحد المدوّنين إلى السخرية منه بالقول إن الإنكليز أعطوا تونس 5 ملايين لحراسة سواحلها وطولها 2290 كيلومترا لمنع تدفق المهاجرين نحو أوروبا، وهم أنفسهم من أعطوا حارس مرمى نادي «مانشستر يونايتد» لكرة القدم، الكامروني أندريه أونانا، 55 مليون لحراسة مرمى طوله فوق 7 أمتار بقليل!!

شر البليّة ما يضحك.


محمد كريشان | كاتب وإعلامي تونسي
اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

عاجل