اجعلوا مع الدعاء شيئًا من العمل

إحسان الفقيه13 أبريل 2025
إحسان الفقيه

عندما عُرض على يوسف عليه السلام في سجنه رؤيا الملك لسبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف، وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات، قام بتأويلها كما جاء في القرآن الكريم: {قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ (47) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ (48) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ} [يوسف: 47– 49].

المُلاحَظ في تأويل يوسف عليه السلام لرؤيا الملك، أنه لم يكتف بتفسيرها، بل قدم إليهم حلا عمليا لمواجهة هذه المجاعة، وهو ترك ما يحصدونه في سنابله لئلا يفسد أو يأكله السوس، وهذا أدعى لبقائه فترة طويلة، فلا يأخذون منه إلا القليل بمقدار الحاجة.

هذا المشهد القرآني يمثل منهجية في التعامل مع الأزمات الفردية أو الجماعية، وهي عدم الاقتصار على عرض المشكلة أو تفسيرها أو إفاضة البيان في أبعادها، وإنما الزيادة على ذلك بطرح الحل العملي للخروج من الأزمة أو حل المشكلة.

فرعٌ عن القصور في التعامل مع المشكلات بدون تقديم حل عملي، اعتقاد البعض أن الدعاء وحده كافٍ في رفع الأزمات سواء الخاصة أو العامة.

الدين الذي حثّنا على التمسك بالدعاء والتزامه، هو نفسه الدين الذي أمرنا أن نأخذ بالأسباب المادية، فالنبي صلى الله عليه وسلم الذي أخبر أن هذه الأمة تنتصر بضعفائها وتضرعهم، كان يخوض المعارك بنفسه ولم يكتف بالدعاء. وفي معركة بدر كان على مشارف القتال يُلح على ربه في الدعاء حتى أشفق عليه الصديق أبو بكر، كان ذلك وهو يرتدي ثياب الحرب وعُدّتها، ولم يقتصر على الدعاء بل أخذ بأسباب النصر المادية.

وهذا هو ما استقر في وجدان سلف هذه الأمة من الصحابة والتابعين وتابعيهم وأئمة الدين، فهذا هو الإمام الشعبي من فقهاء التابعين الذين ولدوا في خلافة الفاروق عمر رضي الله عنه، يمر بإبل قد أسرع فيها الجرب، فَقَالَ: يا فتيان: ألا ترون إبلكم هذه؟ قالوا: إن لنا عجوزاً نتكل على دعائها؛ قال: أحب أن تضيفوا إلى دعائها شيئاً من القطران.

والبعض ينسب هذه القصة لعمر بن الخطاب نفسه، لكنني لم أقف عليها، والشاهد أن الشعبي دعاهم مع الاعتماد على الدعاء إلى الأخذ بما يسره الله من أسباب مادية هي بالأساس من نعم الله التي علمها عباده، وهو دهن بدن الإبل بالقطران للقضاء على الجرب.

وقطعًا ليس هذا تقليلا من شأن الدعاء وأهميته، فهو سلاح المؤمن في كل الأوقات، لكن المذموم هنا هو الاقتصار على الدعاء وحده دون الأخذ بالأسباب المادية، فالبعض لا يقدم شيئا عمليا تجاه الأزمة الضارية التي يعاني منها أهل غزة، ويكتفي بالتضرع والدعاء من أجلهم ليريح ضميره، مع أن بإمكانه أن يقوم بخطوات عملية على طريق نصرة أهل غزة، سواء بالعمل الإغاثي، أو بالتفاعل مع القضية عن طريق مواقع التواصل ونقل صورة المعاناة إلى العالم، أو بالمشاركة في أية فاعليات عامة تقوم من أجل معاناة القطاع، أو حتى بالحديث مع من يقعون في دائرة نفوذه أو تأثيره حول هذه القضية لئلا تخفت جمرتها في النفوس.

إن الاكتفاء بالدعاء وحده يصلح فيما إذا كان المرء لا يستطيع أن يقدم شيئا عمليا، وانقطعت به الأسباب، فحينها لا يُلام على هذا المسلك، أما الاكتفاء بالدعاء واعتباره هو كل شيء لمواجهة الأزمات، فهذا من شأن المتواكلين الذين يشبهون أهل البطالة في بطالتهم رغم القدرة على العمل وطلب الرزق من الله، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.


إحسان الفقيه | كاتبة أردنية، باحثة في التاريخ والعقائد.
اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

عاجل