مالكوم إكس أو الحاج مالك الشاباز، داعية مسلم أمريكي من أصل إفريقي عاش ما بين 1925 إلى 1965، من ذوي البشرة السوداء، قُتل أبوه وستة من أعمامه وأحرقت بيوتهم بسبب لونهم. وبسبب اللون أيضا، طُردت والدته من العمل كخادمة، ورفضت الهيئات الاجتماعية تقديم المعونة لها، فدخلت إحدى المصحات النفسية، فصار ثمانية أبناء من بينهم مالكوم إكس، وحيدين بلا أب أو أم.
وعلى الرغم من أن مالكوم إكس كان تلميذا متفوقا، إلا أنه لم يسلم من العنصرية داخل المدرسة، حتى أن معلمه قد نصحه بالتنازل عن حلمه بأن يكون محاميًا لأنه زنجي، ووجهه إلى العمل كنجار أو إسكافي لأن هذه الأعمال تناسب الزنوج.
وبسبب بعض الأعمال الإجرامية المخالفة للقانون، دخل مالكوم إكس السجن، وخلف القضبان أرسل إليه إخوته بأنهم قد أسلموا على يد رجل يسمى إليجاه محمد، زعيم حركة سميت بحركة أمة الإسلام، هذا الرجل اعتنق أفكارا غريبة لا تمت للإسلام بصلة، فدعوته كانت عبارة عن دين للسود وحدهم، وأن الله هو إله السود وحدهم، ويعتبر أن البيض شياطين.
ولأن مالكوم إكس قد عاش حياته مكتويا بنيران العنصرية، فقد لاقت هذه الأفكار قبولا لديه، فاعتنق الإسلام على هذه الأفكار الغريبة، وأصبح من أشهر دعاتها.
لكن رحلة الحج التي قطعها مالكوم إكس، قد نسفت كل هذه المفاهيم لديه، حيث تعرف على الإسلام الصحيح والعقيدة الصحيحة التي تضبط تصورات الإنسان عن الكون والحياة والبشر، فكانت ولادة جديدة لأفكار مالكوم إكس، فعاش بقية حياته مدافعا مناضلا عن صحيح الاعتقاد.
يقودنا هذا السرد المختصر لحياة مالكوم إكس، إلى أن التطرف دائما ينجم عنه تطرف مضاد، ما لم ينضبط بالمنهج الصحيح للإسلام، فالرجل قد واجه تطرفا متمثلا في العنصرية، بتطرف آخر وهو اعتناق فكرة لقيطة منسوبة للإسلام ولا تمت له بصلة، فكان مدفوعا في تطرفه بالحالة النفسية، وهذا نفسه ما حدث في نشأة جماعة التكفير والهجرة في السجون المصرية إبان فترة جمال عبد الناصر، ففي ظل التطرف الذي مورس ضد المعتقلين من قبل النظام متمثلا في التعذيب الشديد، تحول بعض أبناء التيار الإسلامي إلى اعتناق فكرة تكفير النظام وجنوده والمجتمع الساكت على بطشه، فكان التطرف الذي أعقبه تطرف مضاد.
لذلك لا بد في مواجهة أشكال التطرف بالاعتدال والانضباط بضوابط الشريعة، ففي قضية اللون مثلا، حسم الإسلام الأمر، فجعل الأفضلية للناس بتقواهم لله لا شيئا آخر، فلا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأعجمي على عربي، ولا لأبيض على أسود، ولا لأسود على أبيض إلا بتقوى الله، وعلى هذا الأساس قام المجتمع الأول في المدينة، وعندما خرج أحد الصحابة يوما عن هذا المسار، وعيّر صاحبه بأن أمه سوداء، أوقفه النبي صلى الله عليه وسلم على المسار الصحيح ورهّبه لهذه الفكرة الجاهلية، فقال له (إنك امرؤ فيك جاهلية)، فاستقام الرجل واعتذر وأبدى ندمه.
فلذلك يجب الحذر في مواجهة الأفكار المتطرفة من الانزلاق نحو أفكار مضادة متطرفة، فالفكر الإرجائي المتطرف الذي يقول بأنه لا يضر مع الإيمان ذنب، جاء كردة فعل لتطرف آخر وهو تطرف الخوارج الذين كانوا يكفرون الناس بالذنب.
بل ينبغي أن نواجه التطرف بإشاعة الفكر الوسطي المعتدل، والذي نعتمد فيه على التقيد بتعاليم الشريعة الغراء، التي لم تترك المعاملات للأهواء والأمزجة، وإلا زدنا التطرف تطرفًا، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.