المسؤولية تجاه تضليل الحاضر وتجهيل الأجيال

أحمد زيدان28 أكتوبر 2024
أحمد زيدان

ليس من عادتي التعليق على ما يكتبه بعض إخواني، ولكن للأسف أمعن بعضهم في الجرأة، فخاضوا في مساحات لم أعتقد أنهم سيقدمون عليها، لاسيما وأن الدم السوري والعراقي واليمني لا يزال ينزف، ولا تزال الضحايا تشخب دماً، ليأتي بعضهم ليغرز سكينه بهيئة قلم أو بهيئة تغريدة أو مقال في أجساد السوريين والعراقيين واليمنيين، وما كان لهؤلاء أن يتجرؤوا إلى هذا الحد الخطير، لو وجدوا من يقف لهم بشكل دائم ومستمر، ومرة أخرى لا أود تسمية من سأرد عليهم، ولكن سأكتب بشكل عام لعلهم يرعوون، ويتوقفون، فإن كان لهم أجندات خاصة فليعلنوها لنا بعيداً عن السم ثم السم فالسم الذي بدؤوا يبثونه وينشرونه، بضاعتهم الكاسدة الفاسدة التي لم تعد تنطلي على أحد، بعد أن دفعت الأمة ثمناً باهظاً للاستماع لأمثال هؤلاء ، فأقول وبالله التوفيق:

1- يظن بعضهم أنه قد اكتشف الزئبق الأحمر، حين يتحدث عن خلاف قديم بين حزب الله والنظام السوري، مستشهداً بحادثة يتيمة قتل فيها النظام السوري بعض أتباع حزب الله، وينسى أن الصراع يقع حتى بين العائلة الواحدة، وقد وقع الخلاف والصراع الدموي بين حافظ أسد واللجنة العسكرية السداسية من قبل، وتوج بقتال وصراع دموي مع رفيق دربه صلاح جديد، بل وحتى كادت أن تقع مواجهة دموية مع شقيقه عام 1984، ولكن هل هذا يعني أن صراع الأسد وصراع حزب الله لم يكن طائفياً الموجه ضدنا، هم قد يتقاتلون مع بعضهم أو يختلفون كما حصل حين كانت أمل الشيعية من حصة الأسد، وحزب الله من حصة الخميني، ولكن هذا لا يعني أبداً أنهم يختلفون علينا، وأنهم ليسوا طائفيين حين نكون نحن الهدف أو الضحية، وقد ظهر ذلك بوضوح في معارك حمص والقصير وريف دمشق وحلب وغيرها من المعارك التي ذبح فيها السوريون.

2- من المعيب المخجل تسطيح وتبسيط الإبادة الشيعية في العراق، وما أعلنه السيستاني من الجهاد الكفائي في سوريا، ومن حشد المليشيات الشيعية كلها في مواجهة داعش وغيرها، يقابل هذا تفتيش بعض النخب السنية عن قصص فردية منعزلة لا تشكل أبداً سياقاً عاماً ونمطاً عاماً، وظاهرة، كترديدهم بأن ما فعله صدام حسين في حلبجة أوحادثة قصر الرحاب ضد الملكية العراقية ونحو ذلك من القصص المعزولة، ليستدلوا من خلالها أن العنف في الشخصية العراقية، في حين كل من عاش السنوات الماضية يعرف تماماً أن المليشيات الطائفية من الحشد الشعبي وفتاوي السيستاني وغيرهم كانت ضد السنة في العراق وسوريا، بل والرايات شيعية والشعارات شيعية، وقتل صدام حسين والدوران حول جثته بهتافات شيعية، فهل ما يبحث عنه هؤلاء المسمين بالباحثين وجدوا هذا عند أهل السنة في العراق وسوريا وغيرهما، وهل وجدوا شيعي واحد من ضمن مائة ألف سجين في سجن يعرف بمادة 4 سنة..

معيب أن يتم تجهيل الأجيال بهذا الشكل، فكل باحث عاقل يعرف أن الشيوعي مع العلماني مع الليبرالي مع حزب الدعوة وما بينهم من ألوان شيعية اجتمعوا تحت البيت الشيعي، والتزموا بفتاوى السيستاني، وبفتاوى الخامنئي، فهل سيقنعنا هؤلاء بعد هذا كله أنها تباينات بسيطة لا يمكن الالتفات إليها، وأن هذا مجرد طبيعة العراقيين، معيب وصف الطبيعة العراقية بهذه القسوة، فهل فعل صدام حسين مع الشيعة ما فعله الحكم الطائفي اليوم بحق السنة؟؟ وهو الذي كانت قيادته أكثر من نصفها شيعية، مطلوبة للأمريكيين، وحين كاد يُقبض على الشيعي أحمد سعيد الصحاف لجأ إلى سفارة الأم الحنون إيران، لكن مثل هذا لا يراه أمثال هؤلاء.

3- العجيب أن يصل الأمر بالبعض إلى أن يقول بأن مشروع إيران ليس إبادة السنة مستدلاً على ذلك بسماحها للسنة في إيران بالعيش، بالطبع لم يحصل ما داموا لا يقومون بأعمال مسلحة، وإلاّ لماذا لم يناقش أمثال هؤلاء حقوق أهل السنة المحرومين في طهران من مجرد مسجد واحد لخمسة عشر مليون، بينما فيها كنيس يهودي وكنيسة مسيحية، ولماذا لا يوجد وزير أو سفير وهم المسالمون، أما قتل ملايين السوريين والعراقيين واليمنيين وتهجير أكثر من 15 مليون سني سوري فهذا من جملة تباينات والقضايا البسيطة التي لا ينبغي التوقف عندها بنظر صاحبنا، ولا تشكل إبادة، فهل قرأ معنى الإبادة وتعريفها في القواميس الدولية؟!

4- أكثر ما استوقفني ترديد سرديات العصابات الطائفية في سوريا وهي أن زوجة بشار أسماء الأسد سنية أو علي مملوك سني وأن هناك ضباط سنة يعملون مع الأسد، وبالتالي فعند أمثال هؤلاء يعين أن النظام ليس طائفياً،في حين كل من يتحدث عن النظام حتى رفاق دربه منذ الستينات حين كتب منيف الرزاز كتابه التجربة المرة وهو يتحدث عن طائفية النظام وينقل عنهم بأنهم يريدون استعادة الدولة الفاطمية، ولكن أصحابنا ينتظرون حتى يُمحى أهل السنة في العراق، فقد حينها يقتنعون أن الحرب طائفية ولإبادة السنة، وربما لا حتى لا يقتنعون، في حين أبسط الدوائر البحثية تتحدث عن طائفيته، ولا أريد التذكير بكتب حنا بطاطو ونيقولاس فان دام، ومئات الكتب التي تتحدث عن طائفيته، وهل يحتاج النهار إلى دليل؟! وهل وجود لواء جولاني والدروز الذين يقاتلون في صف الصهاينة، يعني أن الحرب في غزة وفي فلسطين ليست صهيونية، وهل تواجد أبي رغال وأمثاله مع جيش أبرهة يعني أن الحرب لم تكن من قبل جيش أبرهة، المهم من يملك الشعار ومن يملك القيادة ومن يملك القرار؟!

أما إيران ومليشياتها الطائفية التي أتت تحت الشعارات الطائفية لن تسبى زينب مرتين، والدفاع عن المزارات الشيعية، ومهاجمة قبور معاوية ويزيد والعبث بقبر خالد بن الوليد وعمر بن عبد العزيز، والمراسم العزائية واللطميات التي تجري في دمشق وفي داخل مسجد بني أمية فهذا ليس من الإبادة وليس من تغيير الهوية، وعبارة عن تباينات نحن من لا نفهمها نحتاج عباقرة أن يفهمونا إياها؟! ولا تزال الفيديوهات الموثقة موجودة على اليوتيوب ناضحة بالشعارات الطائفية، وتغيير الهوية السورية، من خلال تغيير الديمغرافيا، وتهجير 15 مليون سني، كل هذا بنظر أصحابنا تباينات بسيطة، لا بد ألا نقف عندها.

5- الشيء الأعجب أن يقارن بعضهم سياسة الإمارات بإيران، وأن الكل يعاني من سياسات هذه الدول، وبالتالي ضحايا سياسة الإمارت والسيسي هم نفس ضحايا سياسة إيران، وموقفي من سياسة الإمارات معروفة، ولكن هل هناك عاقل يقارن هذه بتلك، فكيف تقارن دولة أساس عقيدتها شيعية طائفية تنشر المذهب بدولة تدخل كل صراعاتها في سياق النفوذ أو خدمة الآخرين؟ وهل سياسة إيران التي ابتلعت حواضر الأمة وشيعت الناس، وقتلت الناس على الهوية السنية، وهجرت الناس على الهوية السنية تقارن بأفعال السيسي وابن زايد؟ لا أعتقد باحث غِر يفكر بهذا الشكل.

أخيراً تجهيل الأجيال لم تعد مسألة سهلة، وتبسيط القضايا الكبرى تحت عناوين بحثية وتفكير بارد، بينما الحدث لا يزال يغلي، لن يقنع أحد، فأي واحد اليوم يستطيع أن يلجأ إلى منصات التواصل الاجتماعي ليرى ما فعلته إيران، وما تفعله حتى اليوم، والذي فاق كل ما فعلته الاحتلالات الأجنبية في عالمنا العربي قديماً وحديثاً، وأتمنى على النخب السورية والعراقية واليمنية ألاّ تسمح بتضليل الحاضر الذي نعيشه ولا زلنا نعيشه.


أحمد زيدان | إعلامي وكاتب سوري
اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

عاجل