المناصب تُجمِّل!

أدهم شرقاوي31 مارس 2025
أدهم شرقاوي

يقول محمد كرد علي في مذكراته: «قال لي رجل اختلطَ بأحد ملوك الشرق، إنه رآه لمَّا ضاع ملكه، أصبحَ كالطفلِ، وضعفَ تفكيره!

فقلتُ له: لقد كان كذلك طيلة عمره، وإنما كان سلطانه يستره»!

المناصب تُجمِّلُ أصحابها، وقد يجلس الصَّغير على الكرسيِّ الكبير، فلا ينتبه أحد إلى حقيقة حجمه، لأنَّ للكرسيِّ رهبة تشغلُ الناسَ عن حقيقة الجالسين عليها، ولكن متى ما غادروها انكشفتْ عورة قدراتهم، وبان عوار إمكاناتهم، وبدت ضآلة مضمونهم!

الأقلام دروع حصينة يختبئُ خلفها الناس! كثير من كلام الزُّهد لم يكتبه زاهد، وكثير من قصائد العشق نظمها لاهٍ، أغلب منشورات اللصوص هي عن الأمانة، وما أكثر كلام الغادرين عن الوفاء، وكثيراً ما يتذمَّر الذين لهم ألف وجه من ارتداء الناس للأقنعة، فلا تنخدعوا، يحدث أن يكون الناسُ في وادٍ وكلامهم في وادٍ، لم تعرف البشرية وسيلة للتخفي أنجح من الكتابة!

يقولُ الجاحظ: الفرزدق زير نساء، وليس له في هذا بيت شعرٍ واحدٍ، وجرير عفيف، لم يعشق امرأةً قط، ولكنه أغزل الناسِ شعراً!

وأزيدكم أنا من الشِّعر بيتاً، وفي المزمار نغمةً: عندما كان عمر بن أبي ربيعة على فراش الموت أخذ يسأل الله المغفرة!

فقيل له: بعد كل الذي كان منك؟

فأمسكَ إزاره وقال: واللهِ ما فككته على حرام!

اللاعب البطل الذي يُحمل على الأكتاف ويعتلي منصات التتويج، ليس بالضرورة بطلاً في الحياة، ثمة أبطال حملهم الناس بينما كان الذين عاشروهم يتمنون لو داسوهم بالأقدام!

كثيرٌ من الذين يُطلوِّن علينا في مواقع التواصل ويعلموننا كيف نعيش، حياتهم مزرية!

ليس الذي يُعطيه منصبه وقلمه وشهرته انطباعاً جيداً هو بالضرورة إنسان جيد! وليس الذي نحكم عليه بالسوء لظاهر أمره هو بهذا السوء فعلاً!

هناك عصاةٌ كُثر يُحبّون الله ورسوله، ولكن الشيطان غلبهم عن أنفسهم، وبذرة الخير فيهم باقية، أساؤوا بحقِّ أنفسهم ولكنهم ما أساؤوا بحقِّ أحد!

في الشَّام أيام الدولة العثمانية، لاحظ إمام مسجد السوق ضيقه على المصلين، فخطب يوم الجمعة، وحثَّ المصلين التجار على بذل المال فلم يتصدق أحد! وعندما خرج من المسجد غاضباً لقيه جار المسجد، تاجر القماش الثري السَّكير، وسأله عن سبب غضبه، فأخبره، فنادى التاجر على مساعده أن يحضر كيس النقود وكان النقد يومذاك ذهباً، فدفعَ كلفة توسعة المسجد وحده، فأخذَ الشيخ النقود ومضى!

فقال له التاجر: ادعُ اللهَ لي بالهداية!

فقال له الشيخ: أخافُ أن تصير مثلهم!


أدهم شرقاوي | كاتب فلسطيني
اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

عاجل