كاينابريس – عبد الحميد حليم
مرت عقود عجاف على المرأة وتعرضت لشتى أنواع الاضطهاد والحرمان، وخضعت لسلطة جعلت منها شيئا ماديا يقدر ويقوّم بما تقوّم به المنقولات والمبيعات!
وحرمت المرأة من جميع حقوقها، ولم يكن لها أدنى مشاركة في بناء الاسرة، والمجتمع، والدولة؛ وذلك باعتبارها جنسا آخرا بلا قيمة!
بل إن الأنثى أقصيت من كل المجالات باسم الدين وجعلت معاناتها محتومة على جنسها وأن شقاءها مقدور بأمر الإله؟!
جعلت الكنيسة الأنثى عارا لا يمكنها أن تبلغ مرتبة الذكر، ولا أن تدخل حضرة القدس وتتصل بالإله، فجعلت القداسة حقا للرجل وحده فهو الذي يتصل بالإله فقط.
يقول القديس جريجوري: (لو لم تكن هناك خطيئة ماكان هناك تفاوت ولا عدم مساواة؛ ولهذا كان من الطبيعي أن تكون المراة أقل قوة وأدنى كرامة من الرجل) وقد جاء عن كتبة الأسفار المقدسة أبشع الأوصاف عن المرأة من بينها ما جاء في سفر “اللاويين” أن المرأة في حال حيضها تنجس كلها وينجس كل ما مسته، يقول: (مجرد مسها ينجس الماس إلى السماء، كما ينجس كل من مس فراشها أو شيئا من متاعها).
أما ‘القديس يوحنا ذهبي الفم’ بلغ به الأمر إلى إنزال المراة إلى رتبة الحيوان فقال: (من بين وحوش البرية المفترسة؛ يستحيل عليك أن تجد حيوانا أشد أذى من المرأة).
لم تكن الكنيسة أول من رآى الأنثى بمنظار الانتقاص، وشبهتها بأوصاف منافية للذوق السليم قبل منافاتها لقواطع الوحي والعقل، بل هي نظرة ممتدة من قبل الميلاد عن كثير من فلاسفة اليونان؛ حيث إنهم كانوا يرون الانثى عيبا، وشؤما على الكون، وأقل قيمة من الذكر، يقول فيتاغورس: (هناك مبدأ جيد خلق النظام والنور والرجل، ومبدأ سيء خلق الفوضى والظلمات والمرأة).
ويقول جون جاك روسو في كتابه “تربية الطفل من المهد إلى الرشد”: (المرأة لم تخلق للعلم ولا للحكمة، وإنما لإشباع غرائز الرجل، وإقناعه بحسنها وجمالها).
ويقول أرسطو: (جنس الذكر أصلح للرئاسة من جنس الأنثى، ومن ثم فتسلط الرجال على النساء مسألة طبيعية جدا… والصمت تاج المرأة وزينتها، لكنه ليس كذلك بالنسبة للرجل).
فهذه أمثلة قليلة من بين عشرات النصوص لنظرة فلاسفة اليونان إلى المرأة بنظرة عوراء، ثم تناقلها الفلاسفة مثل هيجل، وهيوم، وفرويد، وديكارت، وهوبز وغيرهم.
فكان الفلاسفة يمثلون عمقا ذكوريا متطرفا اتجاه الأنثى جعلوا منه صراعا ثابتا في الخلق والتكوين. لذلك امتدت آثار هذه الافكار إلى الكنيسة وتبنتها وزادت من حدتها ونسبتها إلى الله؟! فكان ظلم الكنيسة للأنثى واحتقارها مصبوغا بصبغة القداسة وحكم الإله؟!
لم يعانِ المسلمون مما عانى منه المجتمع الفلسفي، أو الروماني، أو المسيحي، أو غيرهم من المجتمعات بل إن الدين الإسلامي كرّم الأنثى وجعلها تتربع على عرش الأسرة، وجعل حقوقها قرآنا يتلى، وفصل في أحكامها تفصيلا لا اجتهاد بعده في سورة النساء وسورة الطلاق: فتحدث عن أحكام خطبتها، ونكاحها، وطلاقها، وحقوقها في النفقة والسكنى، والرضاع وجعل منها نصوصا دستورية عليا.
وألغى الإسلام ذلك الصراع المرير الذي كان يمارسه الرجل على الأنثى من إقصائها من إرثها، أو معاملتها معاملة العبيد…
إن الإسلام جعل بين الجنسين مودة ورحمة لا فرق بينهما عند الله إلا بالتقوى، وجعل لكل منهما فضائل ومميزات، وحقوقا وواجبات ولا يجوز أن يتمنى بعضهم ما عند البعض الآخر، قال تعالى: [ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض].
إن الصراع المحتدم الذي صنعه الغرب بين الرجال والنساء جعل النساء تبحث عن طرق الخلاص؛ فوجدت الفرصة سانحة في الحروب العالمية حينما اضطر المجتمع إلى إشراك النساء في احتياجات المجتمع، فبدأت بوادر النضال النسوي.
وعبّد الطريق للنضال النسوي النظام الرأسمالي؛ حيث إن هذا الاخير أشرك المرأة في خططه لاستغلالها وبناء نجاحه على حسابها؛ فبلغت عدد المنظمات النسائية إلى اليوم: 600 منظمة قديمة وحديثة، منها 60 منظمة عالمية، وأكثر من 150 منظمة أوروبية، وحوالي 100 منظمة أمريكية، و70 منظمة أفريقية، و120 منظمة في آسيا وتحت هذه المنظمات عشرات الالاف من الفروع والمكاتب التابعة لها في دول العلم، وتنفق على أنشطتها وبرامجها وخططها عشرات المليارات من الدولارات سنويا.
ومن وراء تلك المنظمات آلاف المؤسسات، والجامعات الأكاديمية، والفكرية، والفنية، والثقافية، والاجتماعية، والخيرية التي تدعم أنشطة الحركة النسوية محليا وعالميا.
بدأ النضال النسوي من تحرير المرأة من الظلم والعدوان، وضمان حقوقها في العيش الكريم، ورد القيمة المفقودة لها؛ لكن ما لبثت النسوية أن تحولت الى تيار جارف تختلف أهدافه عن أهداف نشأته، بل أصبحت النسوية الان بلا هوية بله هدف؟!
الظلم الذي تعرضت إليه المرأة الغربية، والنضال الذي رفعته النسوية ضد مغتصبي حقوقها خاص بالدول الغربية ولا يمكن إسقاطه على الدول الإسلامية لفروق عدة من بينها أنه لم تتعرض النساء المسلمات الى ما تعرضت اليه النساء في الغرب من حيث العنف، أو الاقصاء، أو الاحتقار، أو الاهانة. لذا فلا يمكن من استنساخ النسوية الغربية إلى نسوية متأسلمة ! وذلك لاختلاف الظروف والأهداف والعقيدة.
إن الدولة التي تؤمن بالله وبيوم الحساب ولها حسيب ورقيب ليس هي الدولة التي أعلنت عن موت الإله! فلا حسيب عليها ولا رقيب.
إن التيار النسوي حقق أكثر مما يرجو في الغرب بل إن مكتسباته تجاوزت كل نطاق. وجعلوا الأنثى مركز الكون، وتلقت دعما من الحداثة، والليبرالية، والعالمانية، والرأسمالية، والتيار الإلحادي بل إن التيار النسوي انبثق عنه الشذوذ الجنسي؛ وهو الان في محاولة دمج مفهوم الذكورة والأنوثة وصهره في مفهوم أعلى وهو الجندر.
والجندر مفهوم حادث يقصد به نوع بشري لا هو انثى ولا هو ذكر وانما هو نوع أعلى. والغاية منه إزالة كل الفروق بين الجنسين، وتحقيق المساواة الكاملة بينهما حتى في اختيار نوع الجسد؟!
إن الله خلق الذكر والانثى وكرمهما في أحسن تقويم، وجعل لكل منهما خصائص ومميزات، وأعطى لكل جنس صفات لا يمكن أن يتصف بها الجنس الآخر؛ فإذا اختلطت صفاتهما كان المختلط معرضا لللّعن وغضب الخالق جل في علاه، فقد جاء في صحيح الإمام البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال.
والنسوية تحاول جاهدة محو الخصائص التي خلق الله في الرجال والنساء ولا يتأتى لهم ذلك إلا بتحقيق أهداف أهمها:
▪️ الاستعلاء على الدين بحيث لا قيمة للدين في شؤون الناس، ولا اعتبار بمبادئه وقيمه. وإنفاق الأموال الطائلة لاستئصال الدين من الحياة أو على الأقل حصر الدين في الكنائس والمساجد..!
▪️ المساواة بين الجنسين ومحو كل الفروق الفيزيولوجية وغيرها بين الذكر والأنثى بل يجب انصهار الجنسين في مفهوم الجندر واختيار الشخص نوعه الجنسي.
▪️ الحرية الجنسية ودمغ الغيرة بين الجنسين واختيار الجنسين الحرية المطلقة في جسدهما دون تدخل أي قوة في ذلك سواء عليا أو فطرية أو أخلاقية.
▪️ الإجهاض واحتقار الأمومة، والاشمئزاز من الحضانة والرضاع. بحيث يسهل على الانثى ممارسة الرذيلة بغير قيود، وقتل جنينها في أي مراحل إنشائه دون أدنى حساب أو عقاب.
▪️ تشنيع القيم، وذم المبادئ والأخلاق، ومقت الحياء، واتهام العفة أنها اضطهاد وجاهلية، وعدم اعتبار أي أساس أخلاقي يضبط تصرفات الناس؛ فالقيم عند النسوية هو التجرد من الإنسانية.
▪️ انتقاص مكانة الأسرة وتفكيكها للوصول الى أهدافها وعدم اعتبار أي مكانة للزوج بل إن النسوية ترى الزواج قيدا للمرأة ولحرياتها، وعبودية تنافي أصل خلقتها وأهدافها، .
إن أول زرع للنسوية في المجتمعات المسلمة؛ تفكيك الأسرة، واحتقار الزواج والأمومة؛ واعتبارهما سجنا للنساء يمنع من حريتها وإظهار قوتها ومكانتها في المجتمع.
فقد كرست النسوية جهودها منذ سنين من خلال القنوات الإعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي، والمجلات العالمية، وإنتاج الأفلام والمسلسلات، وإعداد البرامج في تكليب النساء على الرجال، وتشجيع النساء على التمرد على الأسرة.
وذلك لتربية النشء على الهوى النسوي، وترسيخ اللا معنى في المجتمع.
إننا نلاحظ هذا المد الجائر في المجتمعات الإسلامية قويا لم يترك بيتا إلا ولطخه، ولم يهدأ له بال إلا برؤية أعداد الطلاق تتزايد، وعزوف الشباب عن الزواج، وكثرة انتشار الفواحش.
تنويه:
إن من بين أفضل الكتب المؤلفة في فضح خبايا النسوية، ومراحل تطورها، وبيان أهدافها، والمنظرين لها، وبيان حقائق المجتمعات المتبنية للنسوية؛ كتاب “النسوية الخارقة والذكوري المقنع” للدكتور صهيب السقار.
فقد أتى فيه بما لا يترك التباسا على المغترين بالنسوية، وبين فيه كيف انتشر الفكر النسوي في بيوت المسلمين حتى بدأت معالمه تظهر عيانا للمتبصرين.