![محمد كريشان](https://kaynapress.com/wp-content/uploads/2024/02/-كريشان-e1729357441309.jpeg)
لم يسبق للأمم المتحدة أن اعتبرت رئيس دولة ما في عصرنا الحالي تهديدا للسلم العالمي. لم تفعل ذلك حتى مع من تمت شيطنتهم هذه السنوات إلى أبعد الحدود، من أمثال مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي أو رئيس كوريا الشمالية كيم جونغ أون أو حتى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
حتى زعيما النازية أدولف هتلر أو الفاشية بينيتو موسوليني لم يتم تصنيفهما على هذا النحو لأن المنظمة الدولية لم تكن قد نشأت بعد حيث أنها أسست بعد الحرب العالمية الثانية.
جاء في المادة 39 من ميثاق الأمم المتحدة، الفقرة ألف «قبل أن يكون في وسع مجلس الأمن اتخاذ تدابير إلزامية، عليه أن يقرر وجود أي تهديد للسلم أو إخلال به أو وقوع عدوان». صحيح أن الأمر يتعلّق هنا بالأساس بوقوع عدوان أو نشوب نزاعات ولكن مع ذلك توجد إشارة في ذات الفقرة إلى أنه «علاوة على ذلك» بإمكان مجلس الأمن الدولي أن «يحدد التهديدات المحتملة أو العامة التي تكون خطرا على السلم والأمن الدوليين».
هنا تحديدا، لا يمكن أن تكون هناك إضافة أجدر من أن يتم طرح اسم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كتهديد جدي وحقيقي للسلم والأمن العالميين. وإذا كانت المادة 40 في الفقرة ب تشير إلى التدابير المؤقتة الواجب اتخاذها «لمنع تفاقم حالة ما» فليس هناك ما هو أولى من السعي لمنع مزيد تفاقمه حاليا من تصرفات وتصريحات ترامب المتنمّرة على غزة، بشكل خاص، إلى جانب كندا وغيرها.
وإذا كانت حالة كندا اقتصرت على إعلان الإصرار على ضمها ولاية أمريكية رقم 51، هكذا بكل غطرسة دون حد أدنى من الاحترام لدولة جارة مستقلة وعضو في الأمم المتحدة، لها مؤسساتها وشعبها الذي يعود إليه وحده في النهاية أن يقرر مصيره ومستقبله فلا يتركهما لنزوة رجل أجنبي مهما كان، فإن حالة غزة تفوق في نزقها وجنونها وقلة أدبها كل الحدود المتخيّلة وغير المتخيّلة.
طبعا ليس من الوارد أن «يجتهد» مجلس الأمن الدولي فيعلن شخصا بعينه مهددا للسلم العالمي، لا سيما إذا كان رئيس الولايات المتحدة، وما أدراك، ليس فقط بسبب الفيتو المجهض لأي تحرك لا ترضى عنه الدول الخمس دائمة العضوية، وقد تراه سابقة خطيرة قد تطال قادتها يوما ما، ولكن أيضا بسبب الإحجام المتوقع من كل الدول الأخرى عن طرح موضوع كهذا مخافة أن يضعها ترامب هي الأخرى في مرمى نيرانه المنطلقة من رشاش لا ضوابط له.
لا شك أن أكبر ضمان لإفشال مخطط ترامب الأهوج عن غزة هو إصرار أهالي القطاع على رفضه جملة وتفصيلا واستهجان العالم له
وطالما أن الأمر كذلك فلا بديل عن العمل على مزيد من الفضح والتشهير بكل هذا العبث الذي يقوم به رئيس أكبر دولة في العالم عسى أن يردعه، ولو نسبيا، اتساع التنديد الرسمي والشعبي والإعلامي بفضائحه بين حلفاء بلاده في أوروبا وغيرها وكل العالم بأسره، بل داخل الولايات المتحدة نفسها.
حين رمى ترامب بقنبلته بخصوص «امتلاك غزة» وهو يقف بجانب نتنياهو، المطلوب من المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكابه جرائم حرب، والذي التقى بعدها مشرّعين في واشنطن لحثهم على العمل على تطبيقها على أرض الواقع، بالتوازي مع اتصالات أجراها فريقه مع كتاب الأعمدة في الصحافة الأمريكية للترويج لها، وفق ما ذكرته صحيفة «جروزاليم بوست» الإسرائيلية، حين رماها ترامب ذهب في ظن الكثيرين أن الأمر قد لا يعدو أن يكون تهديدا أو ابتزازا، أو حتى بالون اختبار لكن الرئيس الأمريكي سفّه كل ذلك حين أعاد من جديد حديثه السابق قائلا إنه «ملتزم بشراء غزة وامتلاكها» مضيفا هذه المرة في تصريحات له أخيرة على متن الطائرة الرئاسية أنه قد يمنح أجزاء من القطاع لدول أخرى في الشرق الأوسط لإعادة بنائها، معتبرا إياه «موقعا جديدا للمشاريع العقارية المستقبلية وبإمكان أناس من جميع أنحاء العالم القدوم للعيش فيه» لكن الفلسطينيين «لا حق لهم في العودة إليه»!!
لم يحدث في العصر الحديث أن نطق رئيس دولة في هذا العالم بكلام أكثر غرابة وجنونا من مثل هذا الكلام الذي جعل ناشطين كثرا يطالبون بضرورة المسارعة برفع قضايا في المحاكم الدولية ضد تصريحاته التي قالوا إنها مخالفة للقرارات الدولية وقوانين الأمم المتحدة وتروّج لشريعة الغاب بعد أن ظنّت البشرية أنها تجاوزتها إجمالا.
ما قاله ترامب لا يمكن السكوت عنه بأي حال من الأحوال، ليس فقط من أصحاب القضية من الفلسطينيين، وخاصة أهالي غزة، الذين يتساءلون بذهول واستخفاف عمن عرض قطاعهم للبيع أصلا، وكيف سيقدّر ثمنه ولمن سيدفع وغير ذلك.
لا شك أن أكبر ضمان لإفشال مخطط ترامب الأهوج عن غزة هو إصرار أهالي القطاع على رفضه جملة وتفصيلا واستهجان العالم له، مع ضرورة إصرار كل من مصر والأردن على ضرورة التصدي له، رغم حجم الضغوط الكبرى التي يتعرّضان لها من واشنطن وابتزازهما بالمساعدات، وبقاء الموقف السعودي الرافض له بقوة، خاصة وأن المملكة وغيرها من دول الخليج العربية هي المدعوة لتمويل هذا الخبل الأمريكي بلا حدود.