رشفة من القهوة بإمكانها أن تجعل صباحك أكثر نشاطا، وفيروزية عند بداية اليوم من الممكن جدا أن تحسن مزاجك، وجرعة من “البوفا” حتما ستدخلك عالم الإدمان من أوسع الأبواب، فللبدايات سحر خاص، كما للانتكاسات بداية خاصة!
هرعت الأم المسكينة نحو الحارس الليلي بعدما فقدت الأمل في أن يهدأ ابنها، لتخبره على عجل أن “مراد” في حالة هستيرية، اتجه معها عمي الجيلالي نحو البيت، ليجدوا أن مراد غادر البيت توًّا في حالة هستيرية، بعدما انهال على أخته الصغرى بالضرب وكسر زجاج النافذة… حاول الجيلالي الجري وراءه لحدود رأس الزقاق لكن دون جدوى، فمراد لا يرى الآن شيئا أمامه، وبالكاد يحتاج جرعة عاجلة من البوفا كي يهدأ! هاته اللعنة التي طاردته ذات ليلة في مسامرة بين الأصدقاء..
وبما أن لكل لعنة بداية فالبوفا عابرة للقارات، حيث انتشرت بادئ الأمر بدول أمريكا اللاتينية، لتزحف شمالا صوب بلاد العم سام تحت مسمى “الكراك”، مغيرة بعدها الوجهة نحو القارة العجوز، لتجد لها مستقرا أخيرا بين دول جنوب الصحراء ثم المغرب؛ ولأنها “مخدر الفقراء” انتشرت كالنار في الهشيم، نظير ثمنها الرخيص نسبيا، الذي يصل إلى خُمُس ثمن الكوكايين، فعشاق المتع الملغومة والفضول القاتل يكفيهم من العدة النزر القليل من بقايا “الكوك” الرديء الجودة، وشيء من الأمونيا وقنينة من البلاستيك، معلنين بذلك بداية رحلة الجحيم.. التي مستهلها جرعة وأوسطها نشوة وآخرها إدمان وعناء، إلى الحد الذي يجعل المدمن يهمل نفسه وأكله وشربه ونظافته الشخصية، وينعزل عن محيطه ليتفرد به شبح البوفا، فتصير الجرعة الإبليسية كامل همه ومحور حياته، مما يفرض كل يوم سباق الألف ميل لأجل الحصول على ثمن الجرعة، الذي يتضاعف مع تضاعف الكميات والزلات، للحين الذي يجد فيه المرء نفسه داخل مستنقع الجريمة بشتى أنواعها وأشكالها بغية النشوة المرجوة، التي تنقضي في أحسن الأحوال في حدود خمس عشرة دقيقة، فما إن يخرج من النشوة الكاذبة حتى يصاب بموجات كآبة، ليعاود الكرة بجرعة أكبر، ثم قلق أكبر… فسلسلة التهلكة لا حدود لها… وعجلة البوفا لا تتوقف عن الدوران…
قصة مراد التي أوقفنا أحداثها آنفا، كحال قصة العديد من مدمني البوفا، فهي تتشابه من حيث النتائج وتختلف من حيث الشخوص، فغالبا ما يبدأ متعاطي المخدر رحلته الإبليسية محاولا الانتشاء بجرعة للخروج عن طبيعته في لحظات زهو وفرح، فيكون بذلك للزمن رأي أخر! عنوانه لا إفلات من شباك الإدمان..
تنامي مروجي هذه الآفة ببلادنا يستوجب تدخلات مجتمعية هدفها تحسيس المراهقين ابتداءً بهذا الخطر الداهم، دون إغفال المقاربة الأمنية والزجرية، خصوصا أمام الثانويات والإعداديات التي أضحت مرتعا للعرض والطلب على مجموعة من المخدرات في طليعتها “الشيشة الإلكترونية”، التي تتعدد نكهاتها بين “عرق سوس” و”لفريز”… لدرجة أنها أضحت عند البعض نوعا من البرستيج!
لكن مع هذا كله تظل البوفا أكثر فتكا لما لها من وقع خبيث وشباك لا تفلت ضحاياها، فمع أول جرعة يصبح اسم متعاطيها ضمن سجل المدمنين، حيث يرى المختصون أنها تؤثر على صحة القلب والشرايين، وتتسبب في العجز الجنسي الكامل أو الجزئي، دون إغفال خطورتها على الجهاز النفسي والعصبي، مما قد يؤدي أحيانا إلى الجنون المؤقت… لذلك فلا غريب أن نسميها جرعة الشيطان (الله يلعنو ويخزيه..).
كل التوفييق