حكم التهجد

د. قاسم اكحيلات
التهجد في الشرع هو «صلاة التطوع في الليل بعد النوم». [الموسوعة الفقهية الكويتية (27/ 136)]. فكما ترى فالتهجد هو في الأصل قيام ليل، ومعلوم أن قيام الليل أمره واسع، فمن شاء صلاه قبل النوم ومن شاء صلاه بعد النوم. فالقول بأنه بدعة قول لا يصح. فليس هناك فرق أن تصلى القيام سردا، وبين أن تقسمه. فلو قام المسلم الليل ثم نام وصلى ما أنكر عليه في ذلك. قال المباركفوري:«واعلم أن التراويح وقيام رمضان وصلاة الليل وصلاة التهجد في ‌رمضان ‌عبارة ‌عن ‌شيء واحد واسم لصلاة واحدة، وليس التهجد في رمضان غير التراويح». [مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (4/ 311)].
وصريح من فعل الصحابة، عن قيس بن طلق، قال:” زارنا طلق بن علي في يوم من رمضان وأمسى عندنا وأفطر، ثم قام بنا الليلة، وأوتر بنا، ثم انحدر إلى مسجده فصلى بأصحابه، حتى إذا بقي الوتر، قدم رجلا فقال: أوتر بأصحابك، فإني سمعت «النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لا وتران في ليلة”. [سنن أبي داود (2/ 575 ت. الأرنؤوط)].
فتأمل قوله (قام بنا الليلة، وأوتر بنا، ثم انحدر إلى مسجده فصلى بأصحابه) فهذا صريح في أنه أعاد الصلاة.
وإنما اختلف السلف فيمن صلى التراويح وأوتر، هل يصليها مرة أخرى؟. عن سعيد عن قتادة والحس أنهما كانا يكرهان التعقيب في رمضان». [مصنف ابن أبي شيبة (5/ 166 ت. الشثري)].
ومنهم من أباحها،«عن أنس قال: لا بأس به إنما يرجعون إلى خير يرجونه ويبرؤون من شر يخافونه.». [مصنف ابن أبي شيبة (5/ 166 ت. الشثري)].
قال ابن قدامة :«ولا يكره ‌التعقيب، وهو أن يصلوا بعد التراويح نافلة في جماعة؛ لأن أنسا قال: ما يرجعون إلا لخير يرجونه، أو لشر يحذرونه، وعنه: أنه يكره، إلا أنه قول قديم». [الكافي في فقه الإمام أحمد (1/ 268)].
وهذا يرد على قول بأن أول من ابتدعها هو ﻋﺒﺪﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﺨﻠﻴﻔﻲ ﻗﺒﻞ ﻧﺤﻮ ﺧﻤﺴﻴﻦ! مع أن الفقهاء تحدثوا عنها قديما!.
فما كرهه العلماء إنما هو التعقيب وهو صلاة التراويح بعد الوتر، وذلك ما رواه عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اجعلوا آخر ‌صلاتكم ‌بالليل ‌وترا». [صحيح البخاري (2/ 25 ط. السلطانية)].
وهذا فيه نظر، إذ لا بد من التفريق : بين من ينوي القيام، فهذا يكره أن يصلي الوتر.
أما من كان لا ينوي ثم تبين له فله ذلك، إن كنت لا تنوي، ولكن لما صليت مع الإمام تبين لك أن تفعل، فيجوز لك حينها الصلاة، ولو بعد الوتر، عن أم سلمة، “أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يركع ركعتين بعد ‌الوتر، ‌وهو ‌جالس». [مسند أحمد (44/ 177 ط. الرسالة)]. قال الترمذي :«وهذا أصح؛ لأنه قد روي من غير وجه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قد ‌صلى ‌بعد ‌الوتر». [سنن الترمذي (1/ 483 ت. بشار)].

فالتهجد مشروع ولا دليل يمنعه، وإنما كره بعض العلماء التعقيب وهو الصلاة بعد الوتر وقد علمت ما فيه.


د. قاسم اكحيلات | ‏أستاذ علوم الحديث‏ لدى ‏الجامعة الإسلامية بمينيسوتا، فرع المغرب.
اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

عاجل