حميمية مفضوحة

أيوب بوتشيش13 مايو 2024
أيوب بوتشيش

كاينابريس – أيوب بوتشيش(*)

تتناوب الأحاسيس وتتراقص عشرات الأفكار بذهنك وأنت تشاهد مقاطع الريلز على تطبيق إنستغرام، الذي تتيه فيه بين واعظ لم يثني ركبتيه عند العلماء، ولا يوحي حتى مظهره بالوقار، وبين مليونير ما زال يطمح أن يزداد ثراءا وراء المشاهدات، وكذا سيدة فاشلة مجتمعيا تعلم المتزوجات طريقة التعامل مع (بوركابي) عذرا الزوج، ومن مثلي الجنس لا تدري من يخاطبك أرجل هو أم إمرأة؟! يعلم الرجال كيفية التعامل مع النساء، وأصول فن الإغواء، ويعلم النساء كيفية تحضير ماسكات لتحسين شكل بشرتهن وتفتيح مناطقهن الحساسة…

ولكن ما يحز أكثر في النفس أن ترى ذكرا مع أنثاه (زوجته) وهم ينقلون تفاصيل حياتهم اليومية ومشاكلهم الحميمية على مرأى ومسمع من العالم! فهو يساعدها في أن تحقق جسدها بإبراز خرائطه، وهي تساعده في التخلص مما تبقى من رجولته! نعم رجولة تتهاوى وكرامة تداس على المواقع التي تجعل من المتعة سلعة رائجة، وبضاعة في متناول الجميع، فجاهلية عصرنا الحالي أكثر حدة وأشد وطئا من جاهلية العرب الأوائل، فعندهم الخيام الحمراء مقصد مشتهي المتعة أما عندنا فالمروءة تسقط في كل مكان واقعيا وافتراضيا، وبالمكاتب والمصانع،  وبصالات السينما، وحتى تحت القناطر!!

هذا ما يجرنا للتساؤل، هل فقد بعض المغاربة قيمهم؟ وهل أموال الأدسنس من الممكن أن تنتج لنا جيلا خاويا أجوفا يضرب عرض الحائط  كل شيء في سبيل اللايك والبرطاج؟

للإجابة على هذه التساؤلات، لا بد من الوقوف عند المسببات التي من شانها أن تدفع هاته الشريحة المنتجة لهذا  النوع من المحتوى على الشبكات الإجتماعية  لنشر تراهاتها، وأول ما يتبادر للذهن الفقر باعتباره المتهم الأبرز، إلا أن واقع الحال يشير لغير ذلك، فكم من الأسر الفقيرة تلتجئ  للعمل بأجرات زهيدة غير أنها لا ترضى بأن يداس عرضها  وأن تستباح حرمتها، كشأن كل مغربي حر أشم يأبى أن يأكل لقمة معجونة بالذل والعار.

فيما يرى البعض أن ما يدفع الأفراد لمثل هذه السلوكات، الجهل، باعتباره أصل الرذائل وأم البدايات الدنيئة، فالجاهل يفعل بنفسه ما يعجز أن يفعله به عدوه، وقس على ذلك  التبييئ الذي  جعل  الكثير من المغاربة يطبعون مع هذه الظاهرة، فروتين غسيل الزرابي باختلاف مقاساتها وألوانها  وأحجامها بات يستهوي الكثير من الرجال الذين يرتخون وراء شاشات الهواتف لإلتقاط  لذة عابرة.

ينكرونها فور استهلاكها، ويرمون بوابل من الشتائم صاحبة القناة من قبيل: (مابقاوش كيحشموا، كتروا فين هو راجلها؟ محال مزوجة.. واش معندهاش الوالدين؟ …) وهو الذي كان توا يقوم بتفريق القلوب والقبل في التعاليق مبرزا سكيزوفرينية الرجل المغربي الذي يأكل التفاحة المحرمة ما دام طقس الأكل بينه وبين نفسه، أما بين رفقائه فيلتحف لحاف التدين والعفة..، إذن فمن يشجع هذا المحتوى، إن لم نكن نحن؟

نعم نحن، الذين نشجع الإسفاف والرداءة ولو بمجرد متابعة فيديو بداعي الفضول الذي في الغالب يتحول إلى عادة ثم ميل فميول، فنطبع مع ظواهر جديدة تنخر مجتمعاتنا وتؤثر سلبا في أبنائنا وبناتنا، فقدوة معظم شابات اليوم  سيدة مستقلة (ماديا) ومعتزلة للحياء، قوية (الجبهة) لا تحلل ولا تحرم، أما عند الشباب فـ(رابور) لا يختار ألفاظه بعناية، ومن الممكن جدا أن يدخن  الماريخوانا على ركح مسرح أو بمهرجان وطني دون حياء ولا استحياء!

إن منظومتنا المجتمعية اختلت، فقد كانت تتشكل معالمها في محضن الأسرة، ثم المدرسة، والمسجد، أما الآن، فبات يشكل فسيفساءها غير المنظم متدخلون جدد، فبابا إنستغرام يشكل ذوق المراهق، والحاج غوغل يفتي في الدين، وعمي الفايسبوك أصبح عدولا، أما السناب شات فينطوي على كثير من الأسرار.


(*) كاتب صحفي

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

التعليقات تعليق واحد
  • يوسف السمالي
    يوسف السمالي 14 مايو 2024 - 12:13

    مقال اكثر من رائع .

عاجل | فلسطين