كاينابريس – مصطفى شكري
أصدرت رابطة علماء المغرب العربي بيانا مطولا عن حرب غزة أكدت من خلاله متابعتها بحرقة كبيرة لما يعيشه إخواننا المسلمون في غزة وسائر فلسطين من اضطهاد وتقتيل وتشريد في ظل حرب ظالمة غاشمة من العدو الصهيوني المجرم الذي يستمر في ارتكاب المجازر الهمجية وجرائم الحرب البشعة في حق المدنيين العزل من النساء والأطفال والمرضى لمدة شارفت الآن على الثمانين يوما، وذلك في مسعى بئيس منه للتغطية على هزائمه وخيباته وعجزه عن مواجهة المجاهدين من رجال المقاومة، وما تكبده من الهزائم المتتالية والخسائر الفادحة في الأرواح والمعدات، وأشادت الرابطة بالتضحية الأسطورية لشعب غزة المجاهد المرابط، والصابر المصابر الذي أرى العالم كله نموذجا فريدا ملهما في الإباء والصمود والثبات رغم ما أصابه من القرح مما أحاط به من هول القصف وشح الغذاء والدواء والغطاء ونقص الأنفس.
كما أوضحت الرابطة في بيانها أن صمود وبطولة مجاهدي فصائل المقاومة في عموم فلسطين، وفي غزة خاصة، يأتي نيابة عن الأمة كلها في الدفاع عن فلسطين الحبيبة والأقصى المبارك، مسجلة استنكارها لخذلان الأنظمة العربية والإسلامية لشعبنا الأبي في غزة وتولية ظهرها لنصرة المجاهدين والمدنيين، بل وتورط الكثير منهم في دعم الكيان الصهيوني المجرم متواطئين معه بالفعل والصمت وفي السر والعلن في جرائم الإبادة ومساعي التهجير والتجويع التي يرتكبها اليهود الصهاينة وحلفاؤهم. وأفاد بيان رابطة علماء المغرب العربي أن الواجب على العلماء في مثل هذه النوازل العظيمة البيان والصدع بالحق في وجه الظلم والطغيان وإيقاظ قلوب المسلمين وشحذ هممهم لتحمل مسؤولياتهم وأداء واجبهم في نصرة إخوانهم والذود عن حرمة الإسلام وأهله، وأنه أداء لهذا الواجب العظيم، قامت رابطة علماء المغرب بإصدار هذا البيان إلى الأمة والعالم، في نقاط واضحة صريحة:
أولا: أعلنت الرابطة أن ما تفعله فصائل المقاومة في غزة وعموم فلسطين في سبيل تحرير فلسطين والمسجد الأقصى من صد صولة الكيان الصهيوني المجرم، ومن ذلك العبور الكبير في طوفان الأقصى يوم السابع من أكتوبر، هو جهاد شرعي لا غبار عليه، وأنّ كل تشغيب على هذه الحقيقة الراسخة وتحريفٍ لها لا يعدو أن يكون خوضا بالجهل أو الهوى، أو محاولات يائسة من أذناب العدو لتشويه صورة المجاهدين والتخذيل عنهم، كما تعتبر الرابطة تصنيف حركات المقاومة وفصائلها كمنظمات إرهابية -تبعا وموالاة للمحتل وقوى الشر- خيانة لله ورسوله، وللثوابت والمقدسات، وظلم للمسلمين وعدوان عليهم، واصطفاف مع أعداء الله ضدهم.
ثانيا: أكدت الرابطة على شدة حرمة الإضرار بالمجاهدين والفَتِّ في عضدهم في ظل الحرب مع اليهود الصهاينة، وتُبَيِّنُ أن ذلك من عمل المنافقين، وإن يكن في نوع الإضرار بهم موالاة لعدوهم ومظاهرة له عليهم فإنه ردة بإجماع العلماء، فمن أحب ظهور اليهود على المسلمين من أهل غزة وفلسطين، وعاونهم عليهم بالمال أو السلاح أو الرأي أو عاونهم استخباراتيا، أو سعى سرا أو علنا لكسر شوكة المجاهدين والمرابطين، أو حاصرهم وسد منافذ الغوث والمدد عنهم خدمة لليهود فهو مثلهم، وهذا الحكم يشمل الأفراد والجماعات والأنظمة.
ثالثا: وجهت الرابطة نداء لعموم الفلسطينيين بالضفة الغربية لرفع ما أتيح لهم من السلاح والانخراط الفعال في طوفان الأقصى، وذلك بالمبادرة إلى جهاد العدو استجابة لأمر الله بمعاضدة ومناصرة إخوانهم في غزة وإجابة لاستغاثتهم المتكررة لتخفيف الضغط عنهم، واغتناما لفرصة استنزاف العدو بشكل كبير في حربه على غزة، وتُنَبِّه من كون سكوتكم يشجع الكيان المجرم على الاستمرار في طغيانه وحربه على غزة.
رابعا: ذكرت الرابطة جميع المسلمين حكاما ومحكومين بأن حكم الأصل في مثل هذه الحالة هو تَعَيُّنُ وجوب النفير للجهاد ونصرة أهالينا في غزة، وأن وجوب هذا النفير آكد في حق دول الطوق، فإنه يتعين على الأقرب فالأقرب ثم يتسع الوجوب –بحسب الحاجة– حتى يشمل الأمة الإسلامية كلها.
وفي هذا الصدد، أوصت الرابطة جميع المسلمين بأن يأتي كل فرد وجماعة من المسلمين من هذا الحكم ما يستطاع من النصرة، ويتضمن ذلك الإتيان بما لا تتم النصرة إلا به، من جهاد بالنفس والمال والكلمة وغير ذلك. مؤكدة على أن هذا الحكم الشرعي متقرر عند جميع العلماء عبر عصور الأمة، ولا قيمة لتحريف علماء السوء ممن انساق إلى الركون للظالمين، ولا لإرجاف أصحاب الأهواء المضللين، ممن يصطنعون الأعذار للمتخاذلين من الحكام والمحكومين.
خامسا: دعت الرابطة كافة الأنظمة الإسلامية إلى إلغاء كافة أشكال التطبيع السياسي والاقتصادي والأمني والعسكري والثقافي، وتجريمه قانونيا وتغليظ العقوبة عليه. ويلزم من ذلك أن تبادر -هذه الأنظمة- فورا إلى طرد سفراء العدو الصهيوني من بلدانهم، وقطع كل علاقة أو تنسيق مع هذا الكيان العدو أو مظاهرة له. وفي هذا السياق أكدت الرابطة -بكل وضوح- على أن إغلاق معبر رفح من طرف النظام المصري هو من أشنع أنواع المظاهرة للكيان الصهيوني على أهلنا في غزة، وتدعو النظام المصري إلى الإقلاع عن هذا المنكر العظيم، والتعجيل بإغاثة المسلمين بغزة، وتعتبر استمراره في غلق المعبر يُصَيِّرُهُ شريكا للصهاينة في جرائمهم ضد الإنسانية في القطاع.
سادسا: ذكرت الرابطة كافة الحكومات الإسلامية المتخاذلة منها والمطبعة، بأن العدو الصهيوني بات مهزوما مرتعدا يبحث له عن مخرج من الحرب التي ورط نفسه فيها ولم يعد يملك سوى البحث عن صورة لنصر يحاول تأسيسه على الكذب أو إصابة أهداف موهومة أو الإيغال في التدمير والقتل العشوائي للمدنيين. وبناء عليه، دعت الرابطة هذه الأنظمة إلى تحري ما بات الأنسب لتحقيق استقرارها وتأكيد شرعيتها بأن تنخرط في مسار ينسجم مع نبض شعوبها ويستجيب لقضاياها التاريخية والمصيرية، مسار يتماهى مع طوفان الأقصى باتخاذ مواقف وإجراءات جريئة من مثل إزالة القواعد العسكرية الأمريكية والغربية من أراضيها أو -على الأقل- منع مشاركتها بأي وجه في دعم الكيان الصهيوني في حربه على غزة، فلا يعقل أن تنطلق طائرات من قواعد بدول إسلامية لضرب المسلمين بغزة، أو أن يزود العدو بالقنابل والصواريخ التي تقتل أهلنا بغزة من هذه القواعد. وخصت الرابطة النظام التركي بدعوته إلى الانسحاب من حلف الناتو الذي يؤيد الكيان الصهيوني في سياسته وحربه على أهلنا، والسعي لتأسيس حلف إسلامي تنتظم فيه الدول الإسلامية السنية، ويكون في خدمة قضايا الأمة، ودرعا يرد العادية عنها، كما دعت جميع الأنظمة الإسلامية إلى المبادرة بتقديم أشكال النصرة للمقاومة ولشعبنا في غزة، وأقلها البدء في تسيير قوافل الإغاثة الإنسانية بما يتطلبه الحال في غزة حتى تسد حاجة سكانها من الغذاء والدواء والكساء والغطاء، وفي نفس السياق استنكرت الرابطة ما تفعله بعض الأنظمة من التضييق على العلماء والخطباء وتكميم أفواههم عن بيان الحق في هذه النازلة العظيمة التي نزلت بالأمة، حتى وصل الحال ببعضها إلى عزل الخطباء بمجرد كلامهم عن الحرب على غزة واستنكار العدوان الغاشم عليها .فإن العلماء منارة للناس على طريق الخير والهدى، وإن غيابهم أو تغييبهم مرادف لحشر الناس إلى حفر الجهل والضلال.
سابعا: دعت الرابطة كافة الدول الإسلامية إلى وجوب اتخاذ إجراءات تصاعدية موحدة ضد الدول المؤيدة للكيان المحتل والمشاركة في العدوان على غزة، وعلى رأسها أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، بدءا بتسليم مذكرات احتجاج، مرورا بالتهديد بوقف التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري، ووصولا إلى قطع العلاقات الدبلوماسية نهائيا إذا لم تبد تلك الدول تجاوبا باتجاه وقف العدوان على غزة في سقف زمني محدد.
ثامنا: وجهت الرابطة نداء لجميع العلماء والدعاة وخطباء الأمة الإسلاميّة وتخص علماء وخطباء المسجد الحرام والمسجد النبوي والمساجد الكبيرة في البلدان الإسلامية للقيام بواجبهم العظيم في بيان ما يجب على الأمّة من الجهاد لمواجهة الكيان الصهيوني الغاصب، ونصرة المسلمين المضطهدين في غزة وسائر فلسطين، وإصدار الفتاوى الواضحة المبينة لحكم ترك الجهاد عند تعينه والتخاذل عن نصرة المسلمين وإسلامهم لأعدائهم، أو المظاهرة للكفار وموالاتهم، وفي هذا السياق دعت الرابطة العلماء والخطباء والدعاة إلى الصمود والثبات إزاء ما قد يتعرضون له من قمع وتضييق من قبل بعض الأنظمة ومحاولات تكميم أفواههم عن بيان ما يصلح حال الناس في دينهم ومعاشهم، وأن يتقبلوا ما قد يلحقهم من الأذى من باب الابتلاء وهذا واجبهم إذ وجب أن يكونوا طليعة الأمة في الجهاد والكفاح بما استطاعوا وبما أتيح لهم.
تاسعا: دعت الرابطة أولي الطول والأموال من أمة محمد صلى الله عليه وسلم أن يبادروا إلى الجهاد بالمال في سبيل الله تعالى وإغاثة إخوانهم المنكوبين في غزة، كما دعت المؤسسات الخيرية والمنظمات الإغاثية أن يبذلوا غاية وسعهم لجمع الأموال وإيصالها إلى أهلنا في غزة، فذلك باب من أبواب الجهاد في سبيل الله تعالى.
عاشرا: دعت الرابطة جماهير شعوبنا الإسلامية إلى أن تضطلع بدورها في هذه المعركة التاريخية بأن تكون مناصرة لطوفان الأقصى بكل الوسائل والإمكانات المتاحة وتمارس دور اليقظة والضغط اللازمَيْن على الأنظمة المتخاذلة والأنظمة المتورطة في التطبيع مع الكيان الصّهيوني والمصرة على استمرارها في التطبيع أو الخذلان بعد كلّ ما ارتكبه هذا الكيان من الجرائم في غزة خلال الثمانين يوما الماضية، بما يجعل من تلك الأنظمة شريكا له في جرائمه بحق إخواننا في غزة وبحق أمتنا ومقدّساتنا. وتعتبر الرابطة أن تخاذل تلك الأنظمة في ذلك بعد ظهور بشاعة جرائم العدو بات أمرا لا يسَوِّغه أي تعليل ولا تشرعه أي مزاعم لوجود عهد أو اتفاق. ولو قيل بوجود عهد أو اتفاق، فإن جرائم الإبادة للمسلمين بغزة والإهانة لمقدسات المسلمين ينتقض معها كل عهد أو اتفاق بين المسلمين و هذا الكيان إن سُلِّمَ بجوازه ابتداء. وأكدت الرابطة على وجوب مواجهة الشعوب لتعنت أنظمتها وإصرارها على التطبيع، ووجوب كسر كل حواجز الخذلان التي تنصبها، ورفع كل موانع تقديم المناصرة التي تفرضها، وذلك بالتصعيد المتدرج بلا توقف ولا تراخ حتى يتم سحب الأنظمة إلى تعديل مواقفها والاستجابة لمقتضى الشرع وإرادة الشعوب.
حادي عشر: شددت الرابطة على ضرورة انخراط كل المسلمين والأحرار في العالم في خط مقاطعة البضائع الصهيونية ومنتجات كل الشركات الداعمة للاحتلال أينما وجدت، والاستمرار في ذلك وعدم الاستهانة بهذه المقاطعة، فهي كلما اتسعت ضربت الكيان الصهيوني في مقدراته الاقتصادية وصورته الإعلامية بما يسهم في إضعاف مقومات استمراره في حربه على غزة وفلسطين.
وختاما استبشرت الرابطة في بيانها بما كشفت عنه هذه الحرب من إعداد إيماني وعسكري، وتفوق استخباراتي للمجاهدين، رغم التخاذل الرسمي العربي والإسلامي المخزي عن نصرتهم، مما يزيدنا إيمانا بأنهم الفئة الظاهرة التي لا يضرها من خذلها أو خالفها، وهم المرابطون في أكناف عسقلان وبيت المقدس، كما استبشرت خيرا بصمود أهلنا المدنيين في غزة بنسائهم وشيوخهم وأطفالهم وطواقمهم الطبية والإغاثية، فقد أثبتوا للعالم قوة إيمانهم وصبرهم وثباتهم، وإن من البشائر المنبئة عن الفتح المبين والنصر العظيم أفواج الشباب الغربي الذين أسلموا انبهارا بالمظاهر الإيمانية التي نقلها الإعلام عن أهل غزة مجاهدين عسكريين ومرابطين مدنيين.