توطئة
لا ندعي في هذا المقال الإحاطة بأخبار العملية العسكرية التفصيلية لفصائل المقاومة تحت قيادة هيئة تحرير الشام، وليس هو الغرض منه لبعده عن منطق السبق الصحفي، ولكن نقدم قراءة متأنية وعميقة وموضوعية برؤية جيوسياسية واستراتيجية لما يجري في الشام في سياق التطورات الجيوسياسية في كل الإقليم قبل طوفان الأقصى وبعده، وبعد استهداف المشروع الإيراني الصفوي في المنطقة ووكلاؤه المحليين من قبل الكيان الصهيوني وأمريكا ودول خليجية، وشعور تركيا بقلق جدي من أهداف تحركات الكيان العبري في سوريا ولبنان بدعم أمريكي وخليجي وعربي، سياق وتغيرات كان لابد أن تفرض على قادة المحرر التحرك بسرعة وبقوة لتحقيق مكاسب سياسية وجغرافية جديدة من شأنها أن تعزز موقع المحرر الإقليمي وترشحه للعب دور محوري وحيوي في رسم مستقبل سوريا كدولة في المنطقة والمنطقة، ولما لا كبديل قوي عن النظام المجرم في دمشق، والذي لم يعد مصدر ثقة ومصداقية بالنسبة لحلفائه، روسيا وإيران، فضلا عن خصومه الإقليميين والدوليين، بل أصبح عائقا بنيويا أمام أي ترتيبات جيوسياسية في المنطقة بسبب تلاعباته ومناوراته بين العواصم والأحلاف.
التوسع الجغرافي شرط لقيام الدولة
هناك تطور استراتيجي في العقيدة العسكرية والحركة السياسية والمنظومة الاستخباراتية لدى فصائل المقاومة والتحرير، في غزة ضد الكيان الصهيوني المدعوم استراتيجيا من الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبية وعربية، وفي الأراضي المحررة شمال سوريا ضد نظام الأسد الطائفي وحليفته إيران الصفوية ووكلاؤها، حزب الله اللبناني ومليشيات شيعية أخرى أقدمتها من باكستان وأفغانستان والعراق واليمن لدعم نظام دمشق بالتنسيق مع المحتل الروسي، ومن قبل ذلك في أفغانستان ضد الأمريكيين وحلفاءهم الأوروبيون والعرب، ويتلخص هذا التطور في القرار الاستباقيالمشفوع بقراءة دقيقة للحالة العامة في المنطقة وفي الداخل السوري وعلى الصعيد الدولي، الساحة الأوكرانية والأمريكية والإيرانية، الذي اتخذته حركات المقاومة والتحرير بمباغتة قوى الاحتلال والطغيان في هذه المناطق العربية والمسلمة الثلاثة في ساعة الصفر قبل تحرك هذه القوى تجاه أراضي حركات المقاومة والتحرير وتغيير ميزان القوة بهدف تحييد مشروع المحرر، نواة الدولة السورية الجديدة.
هذا ما جرى مع حركة طالبان عندما استولت على العاصمة كابل قبل دخول اتفاقية إنهاء الحرب مع أمريكا حيز التنفيذ عام 2021، وانسحاب آخر جندي أمريكي من أفغانستان، لعلم الحركة بأن واشنطن كانت تحضر لانقلاب على الحركة والغدر بها قبل أن يستتب لها الأمر بالتعاون مع دول إقليمية، وتوظيف فصيل معارض لحركة طالبان، قوى أحمد مسعود، نجل القائد الأفغاني الراحلشاه مسعود، كان يتمركز في منطقة وادي بنشير، ليستولي على العاصمة كابل قبل وصول حركة طالبان إليها.وهذا ما جرى أيضا مع حركة حماس، حيث كانت أمريكا والكيان الصهيوني ودول أوروبية وعربية، يستعدون لتنفيذ عملية هجوم مباغت على غزة والقضاء على فصائل المقاومة بها، خاصة حركة حماس وذراعها العسكري كتائب عز الدين القسام، وحركة الجهاد، وذراعها العسكري سرايا القدس، إلا أن القيادة العليا في حماس، السياسية والعسكرية، استبقت وهاجمت أراضي فلسطين المحتلة في غلاف غزة ومدن أخرى، تل أبيب وعسقلان، ونفذت عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر 2023، والتي غيرت الخريطة الجيوسياسية في الإقليم العربي والعالم، وأفشلت جميع المخططات العسكرية والسياسية ومشاريع التطبيع مع الدول العربية واختراق المجتمعات العربية، ومشروع القضاء على القضية الفلسطينية، من أجل تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الكبير، أي مشروع “إسرائيل الكبرى” من الفرات إلى النيل، وإعادة احتلال المنطقة بموجب اتفاقية “سايكس بيكو” جديدة.
وهذا ما جرى كذلك مع إعلان المعارضة المقاومة متمثلة في حكومة الإنقاذ تحت قيادة هيئة تحرير الشام في أراضي المحرر شمال سوريا، حيث كان هناك مخطط يهدف إلى استئصال المقاومة وإجهاض مشروع إقامة دولة إسلامية في كل أراضي الشام وتحريرها من القوى الاستعمارية الروسية والإيرانية ونظام الأسد الطائفي العميل للاستعمار، مخطط كان ينتظر ساعة الصفر عقب توقيع اتفاق وقف إطلاق النار بين الكيان الصهيوني ووكيل إيران في لبنان، حزب الله، للعودة سريعا للجبهة السورية دعما لنظام الأسد وللتواجد الإيراني في سوريا من جهة، وإجهاض تحركات بشار الأسد تجاه دول الخليج وأمريكا والكيان الصهيوني من جهة أخرى، تحركات من شأنها أنتضعف مركز حزب الله وإيران في سوريا، وتقوي دور قيادة أراضي المحرر والوجود التركي في سوريا، وهي تطورات جيوسياسية فرضت علىقيادة هيئة تحرير الشام التحركالاستباقي السريع نحو توسيع جغرافية المحرر في اتجاه مناطق أخرى استراتيجية في أفق مشروع تحرير الأراضي السورية كاملة وإخراج القوى الأجنبية الاستعمارية منها، وأيضا استغلال الظرفية الإقليمية والدولية المتغيرة بسرعة وفي اتجاهات متعددة لتحقيق مكاسب جديدة على الأرض وتعزيز مركز المحرر العسكري والتفاوضي السياسي والدبلوماسي مع حلفائه ومع أعدائه على حد سواء، أمريكا والروس وتركيا ودول أخرى في الإقليم معنية بالشأن السوري.
وكما هو معلوم في القانون الدولي والفقه الدستوري، فإن الإقليم، بما هو جو وبر وبحر وموارد، ركن أساس وحيوي في بناء الدولة والدخول كطرف محوري واستراتيجي في العلاقات الدولية وفك العزلة للتحول من وضعية موضوع العلاقات الدولية إلى وضعية الفاعل في العلاقات الدولية، خاصة وأن العالم يمر اليوم بمرحلة تأسيسية تشهد أفول دول وأمم وميلاد وصعود دول وأمم في أفق وضع الأركان الأساسية لنظام عالمي جديد ومعالم خريطة جيوسياسية جديدة، ويختلف الأمر باختلاف حجم الإقليم ومساحته ومواردة الطبيعية والبشرية، وموقعه الحيوي، كما لا يمكن تحقيق هذا الواقع فقط عبر العمليات العسكرية والأمنية والاستخباراتية، وإنما يسبقها ويبني عليها تحركات سياسية ودبلوماسية وتغطية إعلامية وأنشطة هيئات المجتمع المدني وأوساط مراكز البحوث والجامعات لمواكبة هذه الانتصارات والتعريف بها وشرحها للرأي العام العربي والإسلامي والعالمي كحاضنة لهذه القضية العادلة كما حصل مع المقاومة المباركة التي أطلقتها حركة حماس في السابع من أكتوبر 2023، فغيرت مجرى الأحداث الدولية وحولت العالم، شعوبا ونخبا، إلى داعمين ومساندين للقضية الفلسطينية، بل حولت العقل الغربي، خاصة أوساط الحقوقيين والمفكرين والمحامين والجامعيين والإعلاميين، إلى قاطرة تجر المجتمعات الغربية والنخب الحاكمة نحو إدانة قادة الكيان الصهيوني على جرائم الإبادة الجماعية التي ارتكبت في حق الشعب الفلسطيني، إدانة تمثلت في قرار المحكمة الجنائية الدولية بإصدار مذكرة توقيف واعتقال مجرمي الحرب بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء الكيان، ووزير دفاعه المقال، يوآفغالانت، وأيضا في تحرك المحكمة العليا الإسرائيليةلفتح تحقيق مع المجرم نتانياهو بتهم الفساد واستغلال السلطة، إضافة لما تركت خسارات الجيش الصهيونيفي غزة من قتلى وأسرى من آثار نفسية واجتماعية واقتصادية وأمنية هزت مجتمع الكيان الغاصب وتدفع به نحو المجهول ولعنة “العقد الثامن” وخطر الحرب الأهلية والهجرة المضادة.
طوفان الأقصى وردع العدوان.. شرعية التحرر
إن عملية “ردع العدوان” هي الشقيق الشرعي والتطور الاستراتيجي لعملية “طوفان الأقصى”، وليس غيرها من المناورات الإيرانية بأدوات لبنانية ويمنية وعراقية، والتي جاءت متأخرة ومحسوبة بعد عام من طوفان الأقصى، زاعمة دعمها للقضية الفلسطينية عبر فتح الجبهة اللبنانية في شمال فلسطينية المحتلة، بل هي بالعكس، حيث تهدف طهران بهذه المناورة “سرقة” انتصارات المقاومة الفلسطينية، وحماس على رأسها، ومحاولة توظيف شعار “دمشق/بيروت طريقنا نحو القدس” في صراعها الأكبر مع الكيان الصهيوني حول المزيد من التوسع في الإقليمي، بعد أن احتلت العراق واليمن وسوريا ولبنان، وهي نفس أطماع الكيان الصهيوني وأمريكا ودول أوروبية وروسيا. إن الشعار الحقيقي والتاريخي والمرحلي هو “تحرير حلب هو الطريق نحو تحرير القدس”، وهذا ما قام به الملك الصالح صلاح الدين الأيوبي بعد فتح قلعة حلب عام 1183، ليفتح القدس بعدها عام 1187، أربع سنوات بعد فتح حلب.
لقد غير الاستهداف التكتيكي لإيران وحزب الله والحوثيين للكيان الصهيوني السياسات الدولية والمزاج العالمي بحيث ظهر الكيان الغاصب في موقع الضحية وسط عالم إسلامي يعمل على استئصاله بعد أن أسقطت جرائمه في غزة قناعه وقناع الغرب الوحشي بزعامة أمريكا وتكشف زيف شعاراته بشأن حقوق الإنسان والقانون الدولي والقضاء الدوي ومنظمات الأمم المتحدة. كل هذا يرجع فيه الفضل لإيران ووكلائها في لبنان واليمن والعراق، ليس من أجل نصرة القضية الفلسطينية والمقاومة في غزة، وإنما من أجل التشويش على عملية طوفان الأقصى وكسب المزيد من التوسع على حساب القضية الفلسطينية، وإلا لماذا الاستعجال لتوقيع اتفاق وقف إطلاق النار الآن بين الكيان الصهيوني وحزب الله بوساطة أمريكية وفرنسية ودعم عربي؟
إن اختيار التوقيت لإعلان عملية “ردع العدوان” يظهر التحول الكبير الذي عرفته العقلية السياسية والعسكرية التي تقف وراء هذه العملية على رأس قيادة المحرر، ومدى فهمها الاستراتيجي للحظة التاريخية الفاصلة التي ساهمت في صناعتها العديد من العوامل السياسية والجيوسياسية الإقليمية الدولية، من بينها، أولا، انتخاب إدارة أمريكية جديدة وحالة الارتباك في التعاطي مع الملفات المعقدة التي تعرفها الإدارة الأمريكية خلال ما يسمى بـ “فترة خلو العرش” في واشنطن، وثانيا، الضربات التي تلقتها إيران الصفوية التوسعية خلال الشهور القليلة الماضية وحزبها الوكيل في لبنان علي وجه الخصوص، من اغتيالات وتصفيات لقيادات الصف الأول والثاني في طهران وفي ضاحية بيروت، وثالثا، تحركات نظام بشار الطائفي الجديدة نحو دول خليجية، وسيط بشار لدى أمريكا والكيان الصهيوني، مما اعتبر ضربة لمحور إيران في الشام اليوم، وغدا في العراق واليمن، معاقل إيران الصفوية في العمق العربي، ورابعا، صمود المقاومة الفلسطينية لأكثر من سنة أمام التحالف الغربي الصليبي الصهيوني مدعوم من دول عربية، بالرغم من الأثمان الباهظة التي دفعتها المقاومة في غزة وباقي أراضي فلسطين ولازالت، وخامسا، استشعار الحليف التركي لقيادة المحرر بالخطر الصهيوني الأمريكي الخليجي على عمقه الاستراتيجي في شبه جزيرة الأناضول، واسطنبول تحديدا، جوهرة الخلافة العثمانية، عاصمة الإمبراطورية البيزنطينية والمعقل العالمي للكنيسة الأرثودوكسية سابقا، وذلك بعد استهداف لبنان وأراضي شمال سورية على الحدود مع تركيا من أجل تنفيذ مشروع التفكيك للمنطقة كاملة، تركيا وإيران وسورية والعراق، على أساس عرقي بالعمل على إقامة ما يسمى بـ “الدولة الكردية الكبرى”، حليف الكيان الصهيوني والغرب، والخنجر المسموم في خاصرة دول محورية في قلب العالم العربي والإسلامي.
التكتيكات القتالية الهجومية الجديدة
يحظرني الآن حدث يستوجب التأمل والاستفادة منه حصل عام 1996 مع انهيار إمارة المجاهدين بقيادة الاتحاد السباعي الأفغاني ودخول حركة طالبان كابل منتصرة في زمان قياسي أثار الكثير من الأسئلة واستولت على الحكم بدعم إقليمي ودولي، دعم سينتهي بتغير الأوضاع الجيوسياسية ووقوع أحداث هزت العام في التاسع من سبتمبر 2001، وسقوط نظام طالبان عام 2002 على يد من أتوا بهم من باكستان من قبل، الأمريكيون.
إن الصعود السريع قد يتبعه انهيار صريع، لا سمح الله، في غياب الاعتماد على الذات بالدرجة الأولى وفهم الثوابت والمتغيرات الإقليمية والدولية الداعمة أو المهددة للمحرر وانتصاراته اليوم. إن من شأن هذه الانتصارات، وبلا شك، أن تغير من مركز المحرر ودوره المحلي والإقليمي، خاصة بعد تأكد حلفاء نظام بشار قبل خصومه من نهايته في هذه المرحلة أمام التطورات الأخيرة على الساحة الفلسطينية واللبنانية والإيرانية والعربية عموما، وعدم جدوى بقائه في السلطة، وهذا يتطلب من قادة المحرر توفير الموارد البشرية الخبيرة لإدارة المرحلة المقبلة والاستعداد لمرحلة الدولة، إذا ما توافقت القوى المؤثرة في الشأن السوري ذلك اليوم، ونجح قادة المحرر في تقديم الأجوبة السياسية والدبلوماسية لطمأنة جميع الأطراف المعنية بالشأن السوري محليا وإقليميا، وهو ما يلاحظ في بياناتها وبلاغاتها الحصيفة والذكية خلال تطور الأحداث الجارية، خاصة تجاه الخطر الإيراني المتزايد مباشرة وعبر وكلائه وأطماعه في البلاد العربية، إضافة للمخططات الصهيونية وأطماعها هي كذلك في الإقليم العربي وفي تركيا.
تتقاطع الصور والمشاهد بين زحف فصائل المقاومة الفلسطينية بقيادة كتائب عز الدين القسام وسرايا القدس فجر اليوم السابع من أكتوبر 2023وبين تنفيذ عملية “ردع العدوان”، وقبل ذلك مع دخول حركة طالبان لكابل عام 2021، وذلك على مستويات كثيرة مما يؤكد التطور الحاصل لدى حركات التحرر، منها عنصر المباغتة واختيار أوقات مبكرة لبداية العملية، والحركة في اتجاهات متعددة واستعمال متنوع لوسائل التنقل والاندفاع القوي في أول وهلة لانطلاق العملية، والتغطية الإعلامية عالية المهنية والانضباط العسكري، ومخاطبة السكان والعالم والأعداء والحلفاء والأصدقاء بخطاب متعدد الوظائف، وتعبئة شعبية متواصلة، وخلق حالة رعب في نفس العدو وتوزيع المهام بين عسكرية واستخباراتية وأمنية وإعلامية وسياسية وتواصلية، وهذا ما لوحظ عند بدأ عملية “ردع العدوان”، وما صاحبها حتى كتابة هذا المقال، من تغطية إعلامية مهنية على مدار الساعة وتوحيد جهة القرار والتوجيه والتخطيط التكتيكي والاستراتيجيوالعملياتي.
إن هذا التحول العميق في العقل العسكري والسياسي هو رأسمال قادة المحرر الجديد للتقدم أكثر نحو لعب دور محوري في رسم مستقبل سوريا مع باقي الأطراف وتحرير مسار العلاقات البينية ومتعددة الأطراف ومآلاتها من أجل إعادة بناء الدولة السورية وموقعها ودورها في الإقليم، بل هذا التحول هو الطريق المباشر للانتقال إلى مرحلة الدولة المستقلة كاملة السيادة، والقوى العظمى، حليفة أو عدوة، لا تتعامل بجدية وإيجابية إلا مع نخبة قوية تأخذ مصيرها بيدها مهما كلفها ذلك من أثمان، عليمة بالتوازنات والتناقضات المحلية والإقليمية، قارئة جيدة للواقع الجيوسياسي ولاتجاه الأحداث، وقادرة على التكيف السريع والموفق مع كل المتغيرات كما يجري اليوم على الساحات الفلسطينية واللبنانية والإيرانية والروسية والأمريكية والتركية والعراقية والعربية، نخبة قادرة أيضا على اختراق الحواجز الطبيعية والمصطنعة أمامها والتحول لفاعل أساس في المعادلات السياسية والدبلوماسية والعسكرية.
ماذا بعد عملية «ردع العدوان»؟
إن الحفاظ على مكاسب النصر واستثماره لتحقيق الهدف الأكبر، بناء الدولة السورية بعد زوال نظام آل الأسد، وتحرير البلاد من القوى والأطماع الأجنبية هو الأهم وتوحيد الأراضي السورية واستعادة السيادة للدولة والسلم الاجتماعي للمواطنين، وإلا سيصبح التوسع الجغرافي على يد هيئة تحرير الشام وباقي الحلفاء في هذه المعركة التحررية عبئا عليها وخطرا على مكتسبات المحرر السابقة لعملية “ردع العدوان”، لأنه حتما هناك أطراف إقليمية لن تقبل بهذا التحول الجيوسياسي السريع على يد قوى إسلامية مجاهدة لما لهذا العنوان من رواسب ودلالات سلبية في القاموس القانوني والسياسي الغربي والخليجي والعربي، ولا أن تحل محل آل الأسد إلا في إطار تفاهمات جيوسياسية إقليمية ودولية تسعى جميع الأطراف ضمان مصالحها في مرحلة ما بعد عملية “ردع العدوان” وما بعد بشار، وربما وصول قوات المعارضة المقاومة إلى وسط دمشق وإسقاط نظام بشار بمثل هذه السرعة.
إنه ليس أمرا صعبا إدارة المرحلة المقبلة بالنسبة لقادة المحرر بعد قرابة عقد ونصف من الخبرة العسكرية والأمنية والتنظيمية والإدارية والاجتماعية والأكاديمية والتشريعية والاقتصادية والسياسية، وإنما التحدي الذي سيطرح سيكون على مستويين، الأول إدارة مساحات جغرافية وكتلة ديمغرافية أكبر من ذي قبل بمواردها البشرية والطبيعية وبتعقيداتها وتركتها الأمنية والثقافية والطائفية، والثاني، تدبير العلاقة مع الأطراف المعنية بالشأن السوري، وفي مقدمتها الحليف التركي، والعدو الروسي وفلول العدو الإيراني ووكلاءه المحليين، خاصة ميليشيا حزب الله اللبناني، وباقي الفصائل المسلحة، وعلى رأسها الأكراد (قسد) ومن وراءهم الأمريكان والصهاينة، وبطبيعة الحال مستقبل نظام بشار الإجرامي بعد هذه التطورات، مما سيفرض على قادة المحرر هندسة خريطة جديدة للمشهد السياسي في سوريةبموارد كبيرة وتوخي الحذر واليقظة في هذه المرحلة الدقيقة وبعدها، وترتيب دورها الجيوسياسي الإقليمي على الساحات اللبنانية والأردنية والعراقية والخليجية بالدرجة الأولى.