شكّل إعلان روسيا إدخال منظومة صواريخ “سارمات” الباليستية الخدمة القتالية المباشرة، خطوة ذات أبعاد ودلالات جديدة في سياق تواصل التجاذب عالي التوتر مع الغرب على وقع الحرب المتواصلة في أوكرانيا وتسخين خطوط التماس مع دول حلف شمال الأطلسي (ناتو)، والذي بات أكثر وضوحا في الأشهر الأخيرة عبر البوابتين البيلاروسية والبولندية.
وسارمات هو صاروخ عابر للقارات ثلاثي المراحل يعمل بالوقود السائل، ويصل مداه إلى 18 ألف كيلومتر ويبلغ وزن إطلاقه 208 أطنان، ويطلق عليه ملك الصواريخ الروسية.
ويمكن لسارمات حمل ما يصل إلى 10 رؤوس حربية كبيرة، و16 رأسًا حربية صغيرة، وقد صمم ليحل محل صواريخ “فوييفودا” سوفياتية الصنع في قوات الصواريخ الاستراتيجية.
ويتم إنتاج هذه الصواريخ في مصنع كراسماش بمقاطعة كراسنويارسك تحت إشراف وكالة الفضاء الروسية (روسكوموس).
عرش الثالوث النووي
وتتجاوز طبيعة هذا السلاح الاستراتيجي من حيث المدى والفاعلية مقاييس الحاجة لاستخدامه في ساحة حرب كما هو الحال مع أوكرانيا، ويبقى أقصى نطاق يمكن أن تستخدم فيه روسيا ترسانتها العسكرية محصورا في الأسلحة التكتيكية.
ولا تبدو قنبلتا هيروشيما وناغازاكي شيئا يذكر أمام حجم الطاقة التدميرية لصاروخ سارمات وقوته، والتي تفوق بنحو ألفي مرة القنبلتين المذكورتين، إذ بمقدور الصاروخ الروسي “محو” مساحات كبيرة من على وجه الأرض، تعادل مساحة فرنسا تقريبا (أكثر من 551 ألف كيلومتر مربع)، والتي يحتاج هذا الصاروخ للوصول إليها مدة لا تزيد على 3 دقائق.
وفي 20 أبريل/نيسان 2022، أعلنت وزارة الدفاع الروسية عن استكمال آخر اختبارات إطلاق للصاروخ من قاعدة بليسيتسك الفضائية، والتأكد بشكل كامل من خصائصه التصميمية، وفي جميع مراحل رحلته.
وتعلن موسكو باستمرار عن مواصلتها تحديث أسلحتها النووية، ويقارب عدد الرؤوس النووية الروسية حاليا 6 آلاف بين استراتيجي وتكتيكي.
علامة فارقة
وشكّل نشر نظام صواريخ سارمات علامة فارقة لعدم وجود نظير له في العالم من حيث خصائصه القتالية والتشغيلية، وبات يعد بجدارة العمود الفقري للقوات النووية الاستراتيجية الأرضية الروسية.
ومن أهم ميزات هذه المنظومة قدرتها على شن هجوم عبر القطبين الشمالي والجنوبي، وتمتعها بآلية متطورة للغاية للتغلب على الرادارات، والدفاعات الصاروخية على طول مساراتها.
واعترفت واشنطن بقدرات هذه المنظومة في مارس/آذار الماضي على لسان الجنرال غلين فان هيرك، رئيس قيادة الدفاع الجوي لأميركا الشمالية، والذي قال إن “سارمات يتمتع بقدرة عالية تفرض على الولايات المتحدة إيجاد رادع له”.
رسالة ردع
أما آراء الخبراء العسكريين والسياسيين الروس، فتفاوتت بين البعدين العسكري والسياسي لقرار إدخال أكثر أسلحة روسيا فتكًا، إلا أنها أجمعت على اعتباره في كل الأحوال رسالة ردع من “العيار الثقيل”.
ووفقا للخبير العسكري الروسي فيكتور ليتوفكين، سيعمل نظام “سارمات” الصاروخي بعد أن وضع في الخدمة القتالية، على زيادة قدرات القوات النووية الاستراتيجية الروسية في ردع الخصوم المحتملين، لا سيما بعد محاولة حلف الناتو التلويح بفتح جبهات إرباك جديدة ضد روسيا، عبر البوابة البيلاروسية.
ويوضح ليتوفكين للجزيرة نت أن ميزة الترهيب التي يتمتع بها الصاروخ هي مرحلة (التعزيز) القصيرة إلى حد ما، وهي الوقت اللازم من الخروج من منصة الإطلاق إلى الفضاء الخارجي، حيث يقضي الصاروخ الحد الأدنى من الوقت في الغلاف الجوي، ما يجعل من الصعب اعتراضه من قبل أنظمة الدفاع الصاروخي الأميركية والأوروبية، وخاصة تلك الموجودة في بولندا ورومانيا.
ويؤكد الخبير العسكري إمكانية ضرب “سارمات” لأهداف من مسارات مختلفة، بما في ذلك عبر القطب الجنوبي للأرض، “ما يعني أنه بعد مرورها فوق أميركا الجنوبية، ستدخل الرؤوس الحربية إلى أراضي الولايات المتحدة من الجانب الجنوبي، وعندها ستكون أنظمة الدفاع الجوي الأميركية عاجزة عن مواجهة (الشيطان) الروسي”.
رسالة سياسية
من جانب آخر، يرى محلل الشؤون الاستراتيجية رولاند بيجاموف أن وضع منظومة “سارمات” في الخدمة رسالة سياسية بالغة الوضوح للولايات المتحدة وحلفائها بأن روسيا مستعدة لكل الاحتمالات في مواجهة محاولات مواصلة التصعيد.
ويقول بيجاموف للجزيرة نت إن الصراع مع الغرب، وضمنه الحرب في أوكرانيا، “قد انتقل إلى مرحلة أكثر حدة باتت تحكمها سياسات أطلسية (أوروبا والولايات المتحدة) تقوم على دفع الأمور نحو الهاوية دون إدراك النتائج العكسية والمدمرة لذلك”.
ويضيف المتحدث الروسي نفسه أن تتالي الانقلابات في القارة السمراء قد يشكل بدوره ساحة صدام جديدة في المستقبل بين روسيا والصين من جهة، وبين دول الناتو من جهة أخرى، ما يعطي للتلويح بالأسلحة شديدة الخطورة والتدمير بعدا إضافيا في هذا السياق، و”رسالة تحذير للساسة الغربيين بأن الأمن القومي والمصالح الجيوسياسية لروسيا أمر غير قابل للمزاح”.
(نقلا عن الجزيرة نت)