سوريا الجديدة تحديات الداخل والخارج

أحمد زيدان28 ديسمبر 2024
أحمد زيدان

لا يشك أي متابع للشأن السوري أن النظام البائد خلّف للسوريين سوريا مدمرة محطمة، ليس على الصعيد العمراني والبنائي فقط، وإنما محطمة بشرياً، يمتد هذا التحطيم من التخريب على مستوى العلاقات البشرية، ومكوناتها، ما دامت أساس لعبة حكمه طوال 61 عاماً هو اللعب على وتر الطائفية، والتلاعب بالمكونات ضد بعضها البعض، جرياً على عهد أسلافه من المحتلين «فرّق تسد»، وبكل تأكيد فإن الإدارة الجديدة للحكم السوري ستصرف أوقاتاً هائلة من أجل ترميم تلك الصورة المحطمة، فأي ناظر إلى الخريطة السورية يرى حجم الدمار والخراب الذي بحاجة لجهود وأموال ضخمة من أجل إعادة 14 مليون مهجر، يفتقرون إلى أبسط الخدمات من ماء وكهرباء وصرف صحي، وقبله لبيوت تؤويهم.

على الصعيد العربي والإسلامي والعالمي فقد أورث هذا النظام لمن خلفه صورة ذهنية في غاية السوء لسوريا، إن كان من حيث استخدامها لسلاح الإرهاب ودعم المليشيات الإرهابية والطائفية، أو سلاح الكبتاغون، حيث غدت دمشق عاصمة لامبراطورية الكبتاغون، ولا أدلّ على ذلك من مصانع الكبتاغون التي كانت تديرها الفرقة الرابعة بقيادة ماهر الأسد، والتي وصلت مردودها لعشرة مليارات دولار، وهو رقم أكبر من الميزانية السورية ذاتها، فكان خطر هذا السلاح الخطير على المنطقة والعالم كله، دفعت أمريكا وغيرها من الدول أن تسن قوانين ضده وضد صانعيه، أما ثالثة الأثافي فكان سلاح التهجير والتشريد الذي كان يبتز به دول الجوار ومعه دول أوربا، بحيث يهدد بإغراق أوربا بموجات اللاجئين حتى وصل عدد اللاجئين السوريين في ألمانيا لوحدها مليون سوري.

اليوم الإدارة السورية الجديدة ستتحمل كل أوزار النظام السوري شاءت أم أبت، ولذا بدون تعاون وتنسيق ودعم الأشقاء في العالم العربي ومن خلفهم الدول الحريصة على إعادة سوريا لسابق عهدها، سيظل التهديد حاصلاً، وستظل فلول العصابات الأسدية حاضرة، ولعل تحرك الأشقاء إن كان في قطر أو المملكة العربية السعودية وتركيا، السريع في دعم الإدارة الجديدة وملء الفراغ الذي أحدثه رحيل حلفاء النظام السوري، يشكل بارقة أمل كبيرة للسوريين وللعرب الذين تنفسوا الصعداء يوم سقط النظام، فهذا السقوط والرحيل، ليس سقوطاً لمصلحة السوريين فقط، وإنما لكل العرب والمسلمين والعالم، فمنهم من استراح من دعمه ومساندته للإرهاب العابر للحدود، كدعمه لمليشيات حزب العمال الكردستاني وتفرعاتها، أو دعمه للعصابات والمليشيات الطائفية، أو بتجارته للكبتاغون، وتشجيع الهجرة والتشرد التي تضر بالعالم كله.

الاستقبال الذي حظي به وليد جنبلاط زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي، ووفد شيوخ الدروز المرافق له في قصر الشعب بدمشق، وحديث الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع عن النظام السابق البائد، أرسلت إشارات قوية من أن العهد الجديد لن يكون إلاّ عامل استقرار للبنان، وهو ما سيرسل إشارات مهمة لكل المعارضين والمخالفين للنظام السابق في لبنان، بحيث يتقدم هؤلاء، ويتأخر من دعموا النظام السابق إلى الوراء.

مطالبة الأوساط الأمريكية لقوى الأمن اللبناني بالقبض على اللواء جميل الحسن مدير المخابرات الجوية السابق المعروف بجرائم تعذيبه، وهو القائل بأنه مستعد لقتل مليون سوري ثم التوجه إلى محكمة العدل الدولية، أعطت دعماً جديداً للسوريين بأن المجتمع الدولي خلفه في هذا التغيير، لاسيما بعد أن قادت باربرا ليف مساعدة وزير الخارجية الأمريكي وفداً عالي المستوى للقاء أحمد الشرع، وهو ما أرسل رسائل إقليمية قوية بأن واشنطن تدعم التغيير في دمشق، وبالتالي لا حاجة لوضع العصي الإقليمية في عجلة التغيير السورية.

التحديات السورية الداخلية والخارجية ضخمة، والكل مدعو اليوم للخلاص من تركة العقود الماضية التي خلفتها عائلة الأسد، وهذه التركة متعددة ومتشعبة الجوانب، سورياً وعربياً ودولياً، ولذا على الجميع أن يدرك أنه معني في معالجة هذه التركة، لاسيما وأن الشعب السوري عانى الكثير خلال العقود الماضية، وتحديداً خلال السنوات الأخيرة، وسيظل الشعب السوري يذكر كل من وقف معه، وصابر وصبر، ولم يتغير ولم يتبدل، وهم قلة قليلة، أما عن واجبات السوريين في هذه المرحلة فلعل لها مقالا آخر.


أحمد زيدان | إعلامي وكاتب سوري
اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

عاجل