سوريا.. مقابر جماعية تلد أخرى

أحمد زيدان25 مارس 2025
أحمد زيدان

الوجه الأكثر قبحاً للنظام السوري البائد لم يأت بعد، في ظل الاكتشافات شبه اليومية لمقابره الجماعية، التي تكشف معها عن حقبة سوداء من تاريخه البائد، ولعل الفترة التي تكشفها هذه المقابر الجماعية، هي قمة رأس جبل جليدي عميق، يمتد إلى ما يزيد على النصف قرن من حكم عائلة الأسدين الأب والابن، وآخر اكتشافات هذه المقابر الجماعية، ما كشفه الدفاع المدني السوري عن مقابر جماعية تحت أقبية البيوت والمنازل في ريف دمشق، وتحديداً في منطقة سبينه والحجر الأسود، بريف دمشق، والتي تعود على ما يبدو إلى عام 2015، ولكن لضعف الإمكانيات والأدوات والخبرة السورية، لم يتم الكشف عن تفاصيل الضحايا، في ظل العثور فقط على مجرد عظام وجماجم، بعد أن تعرضت لإطلاق النار، بدت آثارها جلية حتى اليوم.

* أهالي تلك المنطقة ممن بقوا في منازلهم طوال تلك الفترة الزمنية، يقولون إنهم كانوا يعلمون بوجود جثث في أقبية منازلهم، التي عادوا إليها خلال فترة حكم النظام البائد، ولكنهم لم يجرؤوا على البوح بذلك، لأن النظام البائد سيُحملهم مسؤولية قتلهم، ولذا فكانوا يؤثرون الصمت، أما في حي التضامن حيث شهدت مجزرة مروعة تم الكشف عنها، وكان بطلها المجرم الفارّ أمجد يوسف، فقد عثر الدفاع المدني على مقبرة جديدة تضم مائة جثة تم رميهم بالرصاص، وكالعادة لم يتم الكشف عن الأسماء والهويات، في الوقت الذي لا تزال عشرات الآلاف، وربما مئات الآلاف تنتظر عودة فلذات أكبادها، على الرغم من قناعتها أنهم في عداد الشهداء، ولكنها غريزة البقاء، والتعلق بالآمال.

* الشبكة السورية لحقوق الإنسان تقدر عدد المختفين في سوريا بـ 100 ألف شخص، بينما يتوقع خبراء ومحللون أن العدد أكبر من هذا، وعلى الرغم من التحرير الذي نالته البلاد في الثامن من ديسمبر العام الماضي، وهرع السوريين إلى السجون الممتدة على امتداد الرقعة السورية، إلاّ أنه لم يعثروا سوى على بضعة آلاف ممن تم تحريرهم، بينما غابت البقية الباقية وما أكثرها في محارق ومكابس وحفر أسيد الأسد التي تم العثور عليها في سجون صيدنايا وغيرها من السجون التي بنيت خلال عهد الأسدين، والذي كان الرئيس الفار بشار الأسد يُصرّ بكل تبجح ووقاحة وجودها أصلاً، كما نفى غير مرة قصفه لمن يفترض أن يكون شعبه بالبراميل المتفجرة.

* اللافت أننا نتحدث هنا فقط عن المجازر والمقابر الجماعية التي تعرض لها الشعب السوري خلال فترة الثورة السورية الثانية والممتدة من عام 2011ـ حتى اليوم، أما المقابر الجماعية التي تعرّض لها الشعب السوري خلال فترة الأب المؤسس حافظ أسد، فلم يتم البحث فيها حتى اليوم، إذ حتى الآن لم يعلم السوريون عدد ضحاياهم في مجزرة حماة يوم الثاني من فبراير/ شباط من عام 1982، كما لم يعلموا شيئاً عن مصير المختفين في تلك المجزرة المروعة، والتي يقدر عددها بأكثر من أربعين ألف شخص بين شيخ وطفل وشاب وامرأة، وحتى الآن لا يعلم أحد أماكن مقابرهم، ما دام النظام آثر على دفنهم بشكل جماعي، وحتى قيل إن الدفن كان للأحياء منهم، حين تمت تسوية البيوت والبنايات، لإخفاء جريمة المجزرة التي ارتكبتها سرايا الدفاع بقيادة شقيقه رفعت الأسد يومها والذي لا يزال طليقاً يتنقل بين أرجاء العالم.

* مجزرة حماة التي نفذها المؤسس حافظ الأسد لم تكن اليتيمة في عهده، فهناك عدد من المجازر التي ارتكبها، من مجزرة حي المشارقة في يوم عيد الأضحى، بحلب الشهباء إلى مجزرة جسر الشغور، وحتى مجزرة تدمر في السابع والعشرين من حزيران من عام 1980 حيث أعدم أكثر من 1000 سجين دفعة واحدة وبيوم واحد، وبعد هذه المجزرة، كان يقوم بتصفيات نصف أسبوعية في تدمر، إذ كان يصفي عشرات المعتقلين في سجن تدمر، وهي الحفلات والوجبات التي كانت تجري كل اثنين وخميس أسبوعياً، وقدّر سجناء تدمر الذين قدر الله أن يفرج عنهم لاحقاً، عدد من أُعدم خلال تلك السنوات قبل أن يتم إغلاق السجن، وتحويل من تبقى من سجنائه إلى سجن صيدنايا، بأكثر من 30 ألف قتيل، قتلوا على مدى هذه السنوات، وكلهم من نخب سوريا كأطباء ومهندسين وشيوخ ومثقفين، وطلاب، وحتى الآن يجهل السوريون أسماء من قضى خلال تلك المجازر المتسلسلة..

* هذه المجازر هي التي ضبعت الشعب السوري، وجعلته يصمت على هذه العصابة المجرمة، خشية تعرضه لانتقامها وثأرها، لاسيما وقد حظيت بدعم إقليمي ودولي منقطع النظير، مما جعل مهمة الشعب السوري صعبة، إن لم نقل مستحيلة، يوم استباحه النظام وحلفاؤه من قوى إقليمية ودولية، بالإضافة إلى صمت وتآمر دولي، عكس ذلك كله هتاف السوريين في ساحات التحرير والتظاهر ما لنا غيرك يا الله، ومع هذا واصل السوريون طوال تلك السنوات العجاف معركة التحرير بأنفسهم، حتى جاء اليوم الذي أغاث الله السوريين فاستجاب دعاءهم وهتافهم.

* اليوم وفي ظل تكشف هذه المجازر والمقابر يوماً إثر يوم، وفي ظل سعي البعض إلى تشويه العهد السوري الثوري الجديد، ومعه قيام الذباب الإلكتروني بتجميل وجه العصابة البائدة، على الإعلام العربي والعالمي الحر المساعدة في كشف تفاصيل حقائق تلك الحقبة، والمجازر التي تعرض لها السوريون، وهنا دعوة خاصة لناشطي الثورة السورية من الإعلاميين، للاستمرار بالتذكير بجرائم ومجازر الشعب السوري، ليعلم الجيل الجديد، ويعلم العالم معه لماذا انتفض السوريون، ولماذا ضحوا بهذه التضحيات الكبيرة على مذبح الحرية والعدالة الانتقالية، لكي يدرك العالم كله حجم الخذلان الذي مارسوه بحق ثورة الشام، ويدركوا معه حجم الكلفة التي دفعها السوريون نتيجة صمتهم وتواطئهم وخذلانهم لثورة السوريين، والتي كان لها أن تختصر يوم طلبوا غطاءً جوياً يحميهم من طيران العصابة الأسدية وبراميلها المتفجرة، وطيران حلفائها، ولكن لكل أجل كتاب.


أحمد زيدان | إعلامي وكاتب سوري
اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

عاجل