عرب بعد إذن نتنياهو

وائل قنديل26 مارس 2025
وائل قنديل

ليس صحيحًا أنّ دولة عربية واحدة تصدّت لجريمة تهجير الشعب الفلسطيني، وكلّ ما صدر عن هذه الدول لم يتعدّ بياناتٍ إنشائيةً تقول إنّها لن تشارك في التهجير، أو إنّها ترفضه شفهيّاً، من دون إجراء عمليٍّ وحيدٍ لمنعه، هذا الإجراء البسيط وكما بحّت الأصوات تتحدّث عنه هو كسر الحصار والوصول إلى الشعب الواقع تحت الإبادة في غزّة بما يجعل الحياة ممكنة فيها، من دون استئذانٍ من العدو، ومن دون جبنٍ وخوفٍ من إجرامه، وذلك بإعلانٍ بسيط يقول إنّ قصف أيّ قوافل تحمل المساعدات ومقوّمات البقاء في غزّة هو عدوان على الدول العربية التي ترسلها، وسوف يواجه بالمثل، الضرب بالضرب والقصف بالقصف… هذا إنّ كان العرب ما يزالون يرون الفلسطينيين في غزّة أشقاء، وليسوا مجرّد جماعة بشرية تكابد الفناء في بقعةٍ مجاورة، أقصى ما يقدّمونه لها هو التعبير عن التعاطف بكلمات مجفّفة.

كما أن الحد الأدنى من هذا الموقف العملي ضدّ إجرام المُعتدي مقاطعته اقتصاديّاً، فلا يستقيم أن تسعى دولة، مثل مصر والأردن، إلى طلب زيادة كميات الغاز القادم من الكيان الصهيوني في عام 2025 بعد مذابح متواصلة على مدار عامي 2023- 2024 لم يتوقف خلالها التبادل التجاري والتعاون الاقتصادي، حيث أظهرت الأرقام، وفقًا لتقرير من شركة الأبحاث Enerdata، في مارس/ آذار 2025، زيادة الصادرات الإسرائيلية من الغاز إلى الأردن ومصر بنسبة 13.4%، لتصل إلى 13.11 مليار متر مكعب، كان نصيب الأردن منها حوالي 3.09 مليارات متر مكعب.

 هذا هو الواقع الاقتصادي، وبالتبعية السياسي الراهن، بلغة الأرقام والتصرّفات، ومن ثم تبقى كلّ المواقف الكلامية الصادرة من أقرب دولتين للشعب الفلسطيني طقساً سياسيّاً وإعلاميّاً تمارسه الدولتان بشكلٍ مُنتظم، من دون قدرة أو رغبة في اجتراح فعلٍ أو إجراءٍ عمليٍّ يشعر معه الاحتلال بالخطر حال استمراره في مشروعه لبناء واقع ديموغرافي جديد في فلسطين يتأسّس على إعادة احتلال قطاع غزّة بشكلٍ كامل، ما يتطلّب بالضرورة تهجير الفلسطينيين منه، وكذا اقتطاع مساحاتٍ جديدة من أراضي الضفة الغربية للتوسّع الاستيطاني فيها، ما يستلزم أيضاً تهجيراً لكتلة ضخمة من الوجود السكاني الفلسطيني، إذ بلغ عدد النازحين من مدن الضفة الغربية ومخيماتها حتى اللحظة أربعين ألف مواطن في  الأشهر الثلاثة الأخيرة فقط.

سيُقال هنا إنّ مصر قدّمت خطة لإعادة إعمار غزّة من دون تهجير سكانها إلى القمّة العربية التي عُقدت في القاهرة إثر إعلان دونالد ترامب مشروعه لتهجير الشعب الفلسطيني وتحويل غزّة إلى منطقة سياحية تابعة للبيت الأبيض، وأنّ المبادرة المصرية تحوّلت إلى قرارٍ أجمعت عليه كلّ الدول العربية التي شاركت في القمّة. هذا كله جيّد، لكنه تحوّل، في النهاية، بالنسبة للإدارة الأميركية إلى مقترح مرفوض، وهذا ينقلنا إلى محاولة تعريف معنى “جامعة الدول العربية”، وكذلك معنى القرارات الصادرة عنها وآليات تنفيذها وحدوده، والسؤال هنا هل يرى العرب الرسميون أنّ مؤسّسة القمّة العربية هي جهة إصدار قراراتٍ والعمل على تنفيذها، أم إنّها لا تتعدّى كونها منتدىً أو مركز أبحاث يصوغ أفكاراً ومقترحات ويرفعها إلى البيت الأبيض، أو ما يسمّى المجتمع الدولي، ثم تنتظر موافقته عليها أو رفضه لها؟

الأسوأ من تهافت النظام العربي إذعانه وخضوعه الكاملين لهذا التهافت، بوصفه الحائط الذي يختبئ خلفه من استحقاقات التاريخ والجغرافيا والمصير العربي المشترك. لذا يحرص، طوال الوقت، على أن تبقى حركته مرتبطةً بتحرّك المجتمع الدولي، محض تفاعل معه واستجابة وسير في ركابه، أو استجداءً له ومناشدة تقترب من تسوّل المواقف منه، وليست فعل ابتداءٍ ومبادرةٍ بقراراتٍ ومواقف وردّات فعل عربية خالصة تكسر حالة أشقاء يتفرجون على شقيقة تذبح، ولا يجرؤون على التدخّل لإنقاذها أو حتى إسعافها، انتظاراً لما يأتي به هذا المجتمع الدولي المتواطئ مع الجريمة.

على أنّ التهافت الأكبر والضحالة والدونية الأفدح أن يضع الموقف العربي الرسمي نفسه رهينةً للموقف الأميركي الذي هو جزءٌ من العدوان، بل هو الجسم الرئيس للعدوان، الذي يتبنّى فكرة أنّ إسرائيل دولة بلا حدود، تلك الفكرة التي تسكن العقل الصهيوني، حكومةً ونخباً سياسية وإعلامية، والتي لخّصها أحدُهم، وهو معلّق شؤون الشرق الأوسط في صحيفة هآرتس الصهيونية، تسيفي بارئيل، بالقول “إسرائيل هي دولة بلا حدود، وتتضخّم (تصبح سمينة) داخل منطقة جغرافية مرنة تمتد وتتوسّع باستمرار. الآن أصبحت غزّة جزءاً لا يتجزّأ منها، وسيحصل جبل حرمون (الشيخ) السوري، قريباً على اسم مناسب، وربما نحصل أيضاً على شريط صغير في التوسّع الشمالي، الذي لا يزال يُسمى جنوب لبنان”.

يسلخ الاحتلال، ومعه حليفه الأميركي، في توقيتٍ واحد، مساحات إضافية من جنوب سورية وجنوب لبنان وجنوب فلسطين، ولا ردّة فعل عربية تُذكر، حتى “أهزوجة الاحتفاظ بحقّ الرد” ماتت، ولم يبق سوى بيانات تافهة المبنى والمعنى تتوجّه بالمناشدة إلى راعي السلام الكاذب، على الرغم من أنّ كلّ يوم يمرّ يقدّم دليلاً جديداً على أنّ ترامب هو نتنياهو، وعليه فكلّ شريك لترامب شريكٌ لنتنياهو، والحال كذلك تكون الدولة العربية الوحيدة التي صدر منها موقفٌ عمليٌّ ضدّ التهجير والإبادة هي اليمن، التي تشتبك مع الاحتلال، وتعلن أنها لن تتوقف عن الاشتباك المباشر وغير المباشر بمنع مرور سفن الدول المشاركة بالعدوان في مياه البحر الأحمر، حتى يتوقّف العدو عن قتل الشقيق بالجوع والقصف.


وائل قنديل | صحافي وكاتب مصري
اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

عاجل