كلمتان سريعتان.. خفيفتان في البيان.. ثقيلتان في الميدان!

محمد إلهامي1 ديسمبر 2024
محمد إلهامي

1. الصمود كله خير، والحفاظ على أدنى المكاسب حتى الرمق الأخير كله خير، وتلك بسالة لا يفعلها إلا من أوتي حظا عظيما من الصبر والصلابة النفسية والتعلق بالأمل ورجاء الله.. واليأس في ديننا كالكفر {إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون}.

وكم غيَّر الصمودُ التاريخَ، وقد قيل حقا: النصر صبر ساعة.. وقد انهارت عاصمة الفرس (المدائن) فانساح المسلمون حتى أسلم مشرق الأرض كلها، بينما صمدت القسطنطينية ثمانية قرون حتى أتاحت للعالم المسيحي إخراج عواصم أخرى قوية تكون بديلا لها في حرب الإسلام حتى الآن!

ولولا صمود المسلمين في حمراء الأسد لاجتاحت قريش المدينة، ولولا صمودهم في الأحزاب لقضي على دولة الإسلام.. وحديث التاريخ طويل! ولكن القصد منه الآن: أن الحفاظ على إدلب والتمسك ببقاء قطعة من الأرض مهما صغرت ومهما كانت إمكانياتها محدودة، وفي ظروف سياسية عنيفة عسيرة كان هو المنطلق الذي تتجدد منه الثورة الآن!

ولو قد كانت القيادة يائسة تردد: مبيوعة، لا أمل، كلهم خونة.. لانطفأت البقعة التي تستعيد الآن من جديد حيوية الثورة، وقد يكون ذلك أول البشرى والفتح المرتقب الموعود إن شاء الله.

2. أمتنا لا تقصر في إنتاج الأبطال الذين يسطعون كمقاتلين صناديد ونماذج عظيمة.. لكن مكاسبنا النهائية أقل بكثير من تضحياتنا.. بعض ذلك راجع لسبب السياسة والوعي بها.

وما أريد قوله هنا، ودون أي تقليل من أي مجهود، ودون أي إنقاص من أية مكسب.. ما أريد قوله: إن صلب المعركة هو في العاصمة..

لو أن الموجة الثورية العراقية استطاعت السيطرة على بغداد في 2013 لتغير الواقع كله.. ولو أن الثورة الشامية استطاعت السيطرة على دمشق لتغير الواقع كله.. ولو أن الثورة اليمنية استطاعت السيطرة على صنعاء سيطرة حقيقية لتغير الواقع كله.. وهكذا.

لقد دُفِع بشباب الأمة في معارك كثيرة هامشية، ومُنِعوا بالخديعة وبالمؤامرات وبالأموال، وبالسلاح أيضا، من اقتحام العواصم.. حيث قلب المعركة!

وفي المقابل: مهما تعرضت الأنظمة إلى مخاطر كاسحة، ومهما اضطرت إلى الانسحاب والانكماش والتراجع من المدن والأنحاء، فإنها بسيطرتها على العاصمة تبقى متحكمة في المشهد الأخير.. لا تنتصر الثورة بغير العاصمة، ولا تنهزم النظم بغير العاصمة!

من راجع دروس الماضي القريب علم هذا.. وإنما نذكر به الآن لنقول بأن تجدد الثورة الشامية مع عظيم فرحتنا به سيكون تهديدا جديدا لو لم تكن نهاية المطاف في دمشق.. أعرف أن الأمر عظيم وهائل وهو أمر دولي كبير.. ولكن لا أحب لنفسي ولا لإخواني أن نغفل عن هذا، فهذا هو المقياس!

بلغة الكرة التي قد يفهمها الأكثرون: مهما كنت مهاجما ومسيطرا على المباراة وتنفذ هجمات رائعة، فإن لغة النصر ترتبط بإحراز الأهداف.. وقد يستطيع الفريق السيطرة على المباراة كلها ثم يحسن الفريق المنافس الدفاع.. وفي أثناء هذا الدفاع يلتقط الفريق فرصة أو فرصتين للهجوم فيسجل فيها أهدافا.. فماذا تكون النتيجة؟.. لم تنفع السيطرة ولا الهجوم المستمر بغير أهداف.. بينما انتفع الذين أحسنوا الدفاع واقتنصوا الفرصة والفرصتين وخرجوا منتصرين.

العاصمة دمشق.. هي أول الثورة وآخرها! بغيرها ننهزم، وبها وحدها ننتصر.. وسائر المكاسب إن لم تنتهِ إلى دمشق سنفقدها، وسائر الخسائر إذا أوصلتنا إلى دمشق سنستطيع استرجاعها من جديد!


محمد إلهامي | باحث في التاريخ والحضارة الإسلامية، ماجستير الاقتصاد الإسلامي.
اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

عاجل