كيف أحبط السوريون مؤامرة الإطاحة بثورتهم؟

أحمد زيدانمنذ 4 ساعات
أحمد زيدان

لا تزال المعلومات شحيحة عن تفاصيل المؤامرة التي تم نسجها خارجياً ضد العهد الجديد في سوريا، ولا تزال تداعيات ما حدث تتدحرج، بحيث يصعب على المحلل المراقب، أن يجزم بتحليله ورأيه، ولكن لا بأس من محاولة فهم ما جرى، ويجري، وربما ما سيجري، لأن في ذلك درسا وعبرة وعظة، قد تجنبنا مطبّات ومزالق أخطر مما واجهناها، ما دمنا في مرحلة البناء، التي هي في الحقيقة والواقع، أصعب من الهدم.

كانت أجواء أصحاب القرار في دمشق والساحل السوري ترصد تحركات الفلول، وترصد معها، تحركات الدول المتربصة بالعهد الجديد، فمن تجرّع السم من قبل، واستسلم له، لم يقبل هذه المرة أن يعترف بهزيمته، وبالتالي سعى إلى وضع العصي في دواليب العهد الجديد، فزرع الألغام في عجلة العهد الجديد، ولعل ما صرّح به وزير الخارجية التركي حاقان فيدان في مقابلته مع الزميل علي الظفيري على قناة الجزيرة ببرنامجه المعروف (المقابلة) قد كشف بعض هذه المؤامرات حين حذر حاقان فيدان من اللعب في الساحة السورية.

* ترافق هذا مع تهديدات رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو بتحذير ما وصفه النظام الإرهابي في دمشق من التقدم جنوباً، بعد أن توغلت قوات العدو الصهيوني في الجنوب السوري، وقد أتى هذا مع كلمة للرئيس السوري أحمد الشرع في القمة العربية في القاهرة والذي تحدث فيها بنبرة لم تعهدها تل أبيب من العهد الجديد في دمشق، تبعه توترات في جرمانا أحد أحياء دمشق الذي يغلب عليه الأقلية الدرزية، وتهديدات أحد عقول الطائفة الدرزية حكمت الهجري ودعوته لحماية دولية، مع طرد مظاهر الدولة من محافظة السويداء، الأمر الذي قُوبل من الزعيم الدرزي وليد جنبلاط بالاستهجان، فحذّر من الاستقواء بالإسرائيلي، لأن ذلك بنظر مراقبين سيكون خطراً على الأقلية الدرزية في لبنان، كونها ستُتهم لاحقاً بالعمالة لإسرائيل، مما يهدد وجودها على المديات القريبة والمتوسطة والبعيدة في لبنان نفسه.

* تصدّر المشهد العسكري العميد غياث دلّة وهو المعروف بعلاقاته القوية، منذ أن تولّى أهم كتلة عسكرية تُعرف بالغيث في الفرقة الرابعة التابعة لماهر الأسد، عكس مدى تورط الأخيرة في محاولة الانقلاب الفاشلة، وكانت قد شهدت معارك الغوطة صولات وجولات إجرامية للعميد غياث، بحيث مكنته في أن يكون ضابط الارتباط بين الفرقة الرابعة والخارج، ويساعده على الأرض كقائد ميداني المجرم المعروف مقداد فتيحة، والمعروف بمشاهده المفجعة في حرق الجثث بالغوطة، ولا تزال صورته وهو يشعل سيجارته على جثث متفحمة حوله شاهداً على إجرامه، بل وجدد مشهد إجرامه بحرق جثث مدنيين وقوات الأمن العام في عملياته التخريبية الأخيرة.

كانت البداية بتعرض قوات الأمن العام إلى كمائن في قرى اللاذقية وجبلة، مما أوقع شهداء وجرحى، وترافق هذا مع حملات منسقة وممنهجة بتطويق مشافي في بانياس وطرطوس وجبلة وغيرها، ومواقع أخرى في القرداحة، مما أوقع مئات من مقاتلي قوات الأمن العام في الحصار، ولكن تحرك الشعب في بانياس وجبلة إلى جانب قوات الأمن العام ساهم في تخفيف صدمة الانقلابيين.

عدد من العائلات العلوية اتهمت التمرد الخارجي الذي تعد العناصر العسكرية الداخلية مجرد أدوات، اتهمته بقتل ما لا يقل عن 400 علوي مدني، وظهرت مقاطع فيديو لفتيحة يهدد فيها العلويين الرافضين الانضمام إلى حركته بالقتل والتصفية، وهو ما فضحه لاحقاً رامي مخلوف الذي ظهر في مقطع فيديو يحذر من جرّ الطائفة العلوية إلى ما لا يحمد عقباه، وندد بكل الأعمال العسكرية التي قام بها أخيراً التمرد، وحمل بشار الأسد والفرقة الرابعة مسؤولية ما جرى ويجري.

* ليلة الجمعة السوداء كما يصفها السوريون، كانت بمثابة بعبع حقيقي لهم جميعاً، وذلك خشية أن تسرق منهم ثورتهم، لاسيما وأن سرقة الثورات لا تزال طرية في العالم العربي، فانتفضوا جميعاً في الساحات، وفجأة تحولت ساحات دمشق وإدلب وحلب وحمص وحماة ودرعا والدير وغيرها من المدن والبلدات إلى ساحات تغص بالناس، تطالب بالتسليح من أجل الدفاع عن الآتي الذي بدؤوا يتخيلونه بعودة القصف والتهجير والكيماوي، خصوصاً وأن مآسي السنوات الماضية لا تزال حية وحاضرة.

كانت الإشارات تشير إلى تورط روسيا وقاعدة حميميم في التمرد، وقد رصت مكالمات في ذلك، وأكد ذلك تحرك بعض الفلول باتجاه القاعدة مع مئات العائلات التابعة للفلول، ورفعوا على الفور المطالبة بحماية روسية، مما عزز تشكيك الكثيرين بالدور الروسي في التمرد، ولكن على ما يبدو وبحسب صوتيات قادة التمرد، كان الوعد الروسي بالتحرك بعد صمود التمرد لـ 48 ساعة، لكن ضرب التمرد في المهد عسكرياً وأمنياً وشعبياً حال دون ما يشتهون، لاسيما وقد أتى دعم وتأييد المملكة العربية السعودية، وقطر وتركيا والأردن ومصر وجامعة الدول العربية للدولة السورية، ليشتت كل من علّق آمالاً على نجاح التمرد، وزاد من فرص يأسه بيان الدول الأوروبية المؤيدة للدولة السورية والمنددة بزعزعة الاستقرار فيها.

* لا شك فإن القبض على بعض كبار الضباط المطلوبين وعلى رأسهم اللواء إبراهيم حويجة مدير إدارة المخابرات الجوية سابقاً، بالإضافة إلى أسماء لم يعلن عنها شكلت فسحة أمل للشعب السوري في أن ثورته بخير، وأن العهد الجديد لا خوف عليه، ولكن للأسف مع انتفاضة المدنيين بشكل عشوائي ووصولهم إلى الساحل السوري حصلت تجاوزات ضد بعض العلويين، ولكن ليس بالشكل الذي ضخمته جهات لها مصالحها الدنيئة، فقد سارع العهد الجديد على الفور بتشكيل لجنة للتحقيق والمحاسبة، وأتبعه الرئيس أحمد الشرع بكلمة اعترف بها بهذه التجاوزات، واعداً بالمحاسبة والتحقيق في ذلك، لكن ينسى الكثيرون أن ردة الفعل جاءت نتيجة لفعل المؤامرة الداخلية والخارجية والتي كان نتيجتها قتل ودفن 400 من عناصر الأمن.

ما جرى كان متوقعاً للجميع، ولكن ربما التعجيل في الأمر هو الذي قد فاجأ البعض، وتلك ربما نقطة ضعف الطرف المعتدي، ونقطة قوة للدولة السورية، حيث عالجت الأمر بحكمة وسرعة، ونجحت في إرسال رسائل إلى كل الأطراف تعبر عن قوتها وقدرتها على الصمود، بالإضافة إلى القوة الشعبية المتنامية والتي ظهرت متلاحمة مع دولتها، إذ غدا الشعب هو الجيش والجيش هو الشعب، فالكل خائف على دولته وعهده الجديد، لا فرق بين عسكري ومدني.


أحمد زيدان | إعلامي وكاتب سوري
اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

عاجل