لماذا يكره الأطفال المدرسة؟

د. حامد الإدريسي

كاينابريس – د. حامد الإدريسي(*)

هذا الشعور لدى كثير من الأطفال يطرح الكثير من التساؤلات، فما الذي يجعل طفلا يرفض أن يكون في مكان فيه أطفال مثله، يلعب معهم ويقضي أوقاتا جميلة تناسب طفولته؟

هذا هو ما كان يظن، قبل أن يدخل إلى المدرسة فيجد الباب الموصد والكرسي الذي يبنغي أن يجلس عليه ثماني ساعات كل يوم، بل حتى الكلام لا يستطيع أن يتكلم إلا بإذن.

طبعا سيكره الطفل المدرسة لأنها تناقض كل ما ينبغي أن تكون عليه طفولته، فالطفل يتحرك ويتكلم، والمدرسة تمنعه من الأمرين من الحركة والكلام.

أحد الأسباب الرئيسية لكره الأطفال للمدرسة هو النظام التعليمي الصارم والممل. في العديد من الأنظمة التعليمية التقليدية، يتم التركيز بشكل كبير على التلقين والحفظ، مما يجعل التعليم عملية روتينية ومملة. يقول الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو (1712- 1778) : “التعليم هو فخ يُجبر الأطفال على تعلم ما لا يرغبون فيه ولا يفهمونه، مما يؤدي إلى فقدان الحماس الطبيعي للتعلم” فالتعلم يحول الطفل إلى آلة لخدمة المجتمع، يقول الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه (1844- 1900) “النظام التعليمي يُعامل الطفل كأداة لتحقيق أهداف المجتمع، بدلاً من تنمية فضوله الطبيعي واهتماماته الخاصة”، وهذا ما أكده الفيلسوف البريطاني برتراند راسل (1872- 1970) انتقد التعليم التقليدي قائلاً: “التعليم الذي يركز على الامتثال يخلق مجتمعًا من الأتباع وليس من المفكرين”.

إن هذا التوجه الذي تسير عليه المدرسة بإملاءات المنظمات الدولية والبنك الدولي هو ما يقتل الإبداع في الطفل ويجعله منفصلا تماما عن العملية التعليمية، يقول شوبنهاور (1788-1860) “النظام التعليمي الذي يعتمد على الحفظ لا يزرع الفضول، بل يقتل الإبداع”.

إن تحول الحياة المدرسية إلى نظام مطبق وصارم ، يجعل الكثير من الأطفال تحت الضغط يشعرون بالكره البالغ والنفور الشديد، بسبب الإرهاق والقلق الذي يجعلبه جو المدرسة الصارم، يقول الفيلسوف الدنماركي سورين كيركغور (1813- 1855) “الإكراه على التعلم دون احترام قدرات الطفل يؤدي إلى نفور دائم من التعليم”وهو ما عبر عنه الفيلسوف الفرنسي بول ميشيل فوكو (1926- 1984) بقوله: “المدرسة تفرض معايير صارمة للتحصيل الأكاديمي، مما يجعل الأطفال يعيشون تحت ضغط دائم لتحقيق النجاح”.

المدرسة تقتل الإبداع لدى الأطفال

تشجع المدارس التقليدية الامتثال والانضباط على حساب الحرية والإبداع، فالطفل طفل، ومحاولة تحويله إلى موظف ملتزم، يجعله يشعر بأنه خرج من طفوليته، لذلك فإن الأطفال الذين يشعرون بأنهم مُجبرون على اتباع قواعد صارمة دون مجال للتعبير عن أنفسهم يصبحون بشكل مباشر كارهين للمدرسة.

لذلك أكد كثير من الفلاسفة على ضرورة أن يكون الإبداع هو أساس العملية التعليمية، يقول الفيلسوف البريطاني جون ستيوارت ميل (1806- 1873): “التعليم الذي يُحصر في القوالب الجامدة يُقتل الإبداع ويحد من تطوير الشخصية الفردية”.

إن كره الأطفال للمدرسة مشكلة معقدة تتطلب فهماً عميقاً لأسبابها وتداعياتها، فهي السبب المباشر في كره الأطفال للتعلم، وبالتالي فساد نفسياتهم أثناء العملية التعليمية

يقول الفيلسوف الألماني جورج فيلهلم فريدريش هيغل (1770- 1831) قال: “التعليم يجب أن يكون عملية تكوينية، حيث ينمو الفكر بحرية ودون قيود”.

لذلك فإن شعور الأطفال بكره المدرسة شعور مبرر، ومحاولة إرغام الطفل على الذهاب تزيد من عمق هذا الشعور، فهو يولد الشعور بالاضطهاد.

يقول الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو (1926- 1984): “المدرسة ليست مجرد مكان للتعلم، بل هي مكان تُمارس فيه السلطة بشكل خفي، مما قد يؤدي إلى توليد الشعور بالاضطهاد”.

البيئة السيئة قد تقتل نفسية أطفالنا

إن ظاهرة التنمر في المدارس هي ظاهرة مرتبطة بالهرم الاجتماعي حيث تعتبر المدرسة مجتمعا صغيرا يعبر عن مشاكل المجتمع، ويدخل الطفل في عمق هذه المشاكل وهو لا يزال طريا، لذلك فإن التجارب السلبية، مثل التنمر أو الفشل الأكاديمي، تجعل المدرسة مكانا مرتبطا بالخوف والحزن، بخلاف البيئة التي ينبغي أن يكون عليها التعلم.الفيلسوف الإيطالي أنطونيو غرامشي (1891- 1937) عبر عن ذلك بقوله: “التنمر في المدرسة هو انعكاس للهرم الاجتماعي القائم على الهيمنة والقمع، والذي يقتل الروح المعنوية للأطفال”.

لذلك فإن عدم وجود بيئة آمنة ودودة، تجعل الطفل يعيش قلقا نفسيا يمنعه من التعلم، يقول الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو (1712- 1778) “الطفل يجب أن يتعلم في بيئة آمنة وودودة حتى ينمو بشكل سليم”.

لماذا يحب الطفل شيئا لا ينتمي إليه؟

أحد العوامل التي تؤدي إلى كره الأطفال للمدرسة هو عدم ارتباط المواد الدراسية بحياتهم اليومية واهتماماتهم الخاصة، إننا نجد الطفل يحب معرفة العالم واكتشاف الطبيعة وعالم البحار، ويحب التاريخ والقصص، لكن عندما يشعر الأطفال بأن ما يتعلمونه في المدرسة لا علاقة له بحياتهم، يفقدون الدافع للتعلم.

يقول الفيلسوف الأمريكي جون ديوي (1859- 1952): “التعليم الحقيقي يجب أن يكون تجربة تفاعلية، تربط بين المدرسة والحياة اليومية للطفل، مما يعزز الفهم العملي والعلاقة الشخصية بالمعرفة”.

بالطبع لا تقدم المدرسة ذلك، فيجد الطفل نفسه أمام واجبات ترهقه من الصباح إلى الليل، وأمام ضغط نفسي كبير من أجل حل تلك الواجبات، التي لا تمثل بالنسبة إليه سوى غضب الوالدين أو رضاهما، فهو إن أنجز الواجبات ينال حبهما، وإن لم ينجز الواجبات ينال سخطهما، لذلك يلجأ إلى الاستجابة لهذه الاوامر ليس لينمي مهاراته أو ليكتسب معارف، بل لينال درجة في الاختابر، لذلك يصبح مجرد ناقل للمعرفة.

يقول الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط (1724- 1804) “التعليم يجب أن يهدف إلى تنمية الفهم العملي للفرد، وليس مجرد نقل المعرفة النظرية”.

وعليه يصبح هذا النوع من التعليم تعليما عقيما لا ينتج أي مهارة، حسب تعبير الفيلسوف الإسباني خوسيه أورتيغا إي غاسيت (1883- 1955) حيث قال: “التعليم الذي لا يتصل بحياة الإنسان اليومية هو تعليم عقيم لا طائل منه”.

إن كره الأطفال للمدرسة مشكلة معقدة تتطلب فهماً عميقاً لأسبابها وتداعياتها، فهي السبب المباشر في كره الأطفال للتعلم، وبالتالي فساد نفسياتهم أثناء العملية التعليمية.

لقد طورت بعض الدول أنظمة تمنح الكثير من الحرية في العملية التعليمية مثل الدنمارك وفنلندا، لكن الحرية التي يقدمها نظام التعليم الحر والتعليم المنزلي، والتي تعطي للطفل حرية أوسع في اختيار أوقات الدراسة وأوقات اللعب، وتعطيه حرية أكبر في التفاعل مع المواد التي يحبها، تعتبر تجربة مثالية في هذا الواقع الذي نعيشه.


(*) كاتب ومستشار أسري

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

عاجل