
للعيد السوري هذا العام بهجة لا تُعادلها بهجة، العيد الذي لطالما حُرمته عشرات الآلاف من العائلات قبل الثورة السورية، وحُرمته ملايين العائلات بعد انطلاق الثورة السورية، حتى انتصارها في الثامن من ديسمبر الماضي، يعود اليوم بألق وحلّة وبهجة جديدة لا يُعادلها شيء أمام السوري المهجر والمغيب والمعتقل، الذي لم يكن يخال ليوم واحد، أن العيد سيجمعهم في حماة وإدلب ودير الزور ودرعا والساحل والشرقية وغيرها من المدن والبلدات السورية. يعود اليوم بألقه وبهجته، وتناغم بين الحاكم والمحكوم، بعد أن ظلت الحكومة، لأكثر من نصف قرن، يراها السوري عدوه الأول، فيتعامل معها على خوف ورعب ورهبة. رحل حكم الأسدين، ورحل معهما كل أنواع القهر والاستبداد، والخوف والظلم، ورحلت معهما كل أدوات حكمهما، من مكابس، ومحارق، وحفر أسيد، وتعذيب، وتهجير، رحلت معهما جمهورية صيدنايا التي شيدوها لنصف قرن، وحلّ محلها جمهورية الفتح، وجمهورية الخلاص من الاستبداد، ولقاء الأحبة الذين انقطعوا عن بعضهم بعضاً لعقود، قضوها إما في سجون جمهورية صيدنايا، أو في فيافي التهجير والغياب عن الوطن.
* هذا العيد سبقه عيد حقيقي، يوم رمت مروحيات كانت بالأمس القريب تلقي حممها وقنابلها وبراميلها المتفجرة على السوريين، فغدت ترميهم اليوم بالورود، كان ذلك في الذكرى السنوية العاشرة لفتح مدينة إدلب، والتي صادفت قبل أيام من العيد السعيد، فتحولت أيام المهجرين في المخيمات، وأيام من تجمعوا في ساحات المدينة التي انطلق منها فتح سوريا كلها، إلى عيد حقيقي، وفرحة لا تعادلها فرحة، لاسيما وأن طياري هذه الطائرات هم من كانوا معهم بالأمس في المخيمات وفي الجبهات التي قاتلت العصابة البائدة.
* عاد المغتربون والمنفيون الذين ظل بعضهم لنصف قرن خارج الوطن، هرباً من حكم الأب ثم الابن، عادوا إلى مدنهم وبلداتهم، وعادت معهم الفرحة والبسمة، وعادت معهم الحياة الحقيقية للمدن التي غيبوا عنها، بعد أن عاشت هذه المدن والبلدات على خوف من أن تذكر حتى أسماؤهم، أو أن تشير إليهم، لكن اليوم عادوا، وعادت معهم تجارب سنين الهجرة والتهجير، مما سيُغني سوريا المستقبل بإذن الله بتلك الخبرات والتجارب التي تراكمت لديهم على مدى نصف قرن في الهجرة والغربة.
وعلى الرغم من قلة أعداد المعتقلين الذين تم الإفراج عنهم، حيث ظهر أن الحكم البائد قد لجأ إلى تصفية الغالبية منهم، ولكن مع هذا عادت الفرحة والبسمة إلى وجوه ذويهم وأقاربهم، على الرغم من حالة الحزن والأسى التي خيمت على عشرات الآلاف من العائلات التي كانت تنتظر فلذات أكبادها بعد التحرير، فوجدت أنهم قد قضوا في سجون العصابات البائدة، فظلت حسرة لدى أمثالهم.
* أما المهجرون الذين لا يزالون يقضون أيامهم في خيام التشرد وهم بالملايين، إما نازحون في الشتات السوري، أو مهاجرون في الشتات العالمي، فقد عاد بعضهم وهم قلة، لتفقد بيوتهم المدمرة والمحطمة، ونقل بعضهم خيامه التي بناها في مخيمات الشتات السوري، لينصبها على أنقاض منزله وبيته، ومن لديه فضل مال عن أكله وشربه، وهم أقل القليل لجأ إلى ترميم بيته المتهالك لعله يعيش فيه، ويتكسب من أرضه القريبة من بيته.
* أما الهدية الكبرى التي سبقت العيد هذه المرة، فهي تشكيلة الحكومة السورية، والتي طالت ولادتها، حيث ولدت قبل يومين فقط من العيد، فكان العيد عيدين، إذ إن التشكيلة لقيت قبولاً واستحساناً لدى كافة الشرائح السورية، كما رحبت بها الدول العربية والإسلامية والغربية، مما أشاع ذلك جواً من التفاؤل والأمل لدى السوريين، في أن العالم سيتعامل مع العهد الجديد، وهو ما يعني تخفيف العقوبات الظالمة المفروضة عليه، والتي تمنعه من تحويل أموال، وغيرها من العقوبات التي تشل حياته الاقتصادية والتعليمية والطبية والعسكرية والمدنية والخدماتية بشكل عام، وتجعل سماءه وأرضه نهباً للبلطجة الصهيونية، حيث تتكاثر الغارات التي يشنها الطيران الصهيوني على الأرض السورية، فضلاً عن التوغلات الصهيونية المستمرة والمتواصلة.
* ولادة الحكومة الجديدة قطعت الطريق على كل المتربصين، وقطعت معه الطريق على كل القوى الخارجية التي راهنت على فشل تشكيل حكومة مقبولة للداخل ومدعومة من الخارج، وإن كان التعويل الحقيقي يبقى هو في تشكيل حكومة وطنية مقبولة للداخل، كما حصل بفضل الله، ثم بجهود المخلصين والصادقين، فالسلام في الداخل هو الذي يولّد السلام في الخارج، وقد كان ذلك والحمد لله، والتعويل الكبير اليوم على الدعم العربي والإسلامي في دعم الحكومة وتوجهاتها، مما سيخفف عن الشعب السوري ومعاناته التي طالت كثيراً، فصلاح دمشق صلاح للمشرق العربي بإذن الله، كما أن مرضها لا سمح الله ولا قدر مرض للمشرق العربي.