لهذا لم تغلق قطر أبوابها أمام العلماء والدعاة

إحسان الفقيه25 مارس 2025
إحسان الفقيه

ودّعت الأمة قبل أيام العالِم الجليل أبا إسحاق الحويني، ذلك الرجل الذي اشتهر بغزارة العلم والتفاني في خدمة السنة النبوية، واشتهر كذلك بعفة اللسان وتبسيط البيان لعامة المسلمين، وذلك بعد صراع مع المرض دام عدة أعوام، تاركا إرثا عظيما من العلم المكتوب والمسموع.

يقول الله تعالى: (وما تدري نفس بأي أرض تموت)، فالله تعالى قد اختار تراب قطر لكي يواري جثمان هذا الشيخ، حيث صلت عليه الجموع في مسجد محمد بن عبدالوهاب ودُفن في مقابر مسيمير في الدوحة.

ما زلنا نذكر قبل أشهر، أن التراب نفسه قد وارى جثمان القائد إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، وهو التراب نفسه الذي وارى جثمان العالم الفقيه الدكتور يوسف القرضاوي قبل عامين ونصف العام.

ما أكثر الدعاة والعلماء من شتى الأقطار، والذين فتحت لهم قطر الأبواب، وعاشوا على أرضها مُكرمين مُعززين، منهم العلماء والدعاة، ومنهم من أبناء التيار الإسلامي، ومنهم المنتمون إلى حركات المقاومة المشروعة، بما يضعنا أمام ذلك السؤال: لماذا تحتضن قطر كل هؤلاء؟

إن الإجابة على هذا السؤال تكون بطرح سؤال مضاد: ولماذا لا تحتضن قطر هؤلاء؟

قطر تفتح أبوابها للجميع، لذلك اشتهرت بلقب كعبة المضيوم، وتنفرد بسمة انعدام تلك الحساسية الشديدة التي تعاني منها معظم الدول العربية تجاه الدعاة والعلماء.

رؤية قطر في عدم إغلاقها الأبواب أمام العلماء والدعاة نابعة من رؤية أعم، وهي سياسة الباب المفتوح تجاه الجميع، فلا تمانع في القبول بوجود أي شخصية من أي المشارب كانت، طالما أنها مسالمة، ولن تعكر صفو السلم الأهلي.

قطر لا تقبل بوجود الإرهابيين والتكفيريين والمخربين، بل هي عضو فاعل في التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب.

وفي المقابل، ترى قطر أن الإسلاميين المعتدلين ليسوا أعداء، وأن الانفتاح على ذلك التيار وإقامة علاقات متزنة مع فصائله واتجاهاته المختلفة، أفضل من التضييق عليها أو محاربتها ودفعها خارج المسار السلمي.

بل تؤمن قطر بأن استثمار هذه العلاقة مع الإسلاميين تدفع باتجاه التقارب مع الغرب وانفراج العلاقات بين الشرق والغرب وبين الإسلام وغيره، ما يعتبر استثمارا في صناعة السلام.

لقد مكنت هذه الرؤية دولة قطر من نجاح وساطتها في حل النزاعات، منها: الوساطة بين طالبان وأمريكا لتبادل الأسرى، والوساطة في إنهاء أزمة راهبات معلولا، والوساطة للإفراج عن الصحفي الأمريكي بيتر ثيو كيرتس والذي كان مختطفا في سوريا، إضافة إلى الوساطة في الإفراج عن 45 جنديا من قوات حفظ السلام في سوريا أيضا.

كما أن علاقة قطر بحركة المقاومة الإسلامية حماس، واستضافتها قياديي الحركة على أرضها، جعلتها تلعب دورًا رئيسيًا في المفاوضات بين المقاومة والجانب الإسرائيلي، وذلك لأنها تتمتع بثقة عالية من قبل المقاومة.

هذا التوجه القطري تعرض لضغوط كثيرة، والاتهام بدعم ورعاية الإرهاب، وهي تهمة تسعى معظم الدول العربية لإثبات البراءة منها بالانزواء والتجرد من إقامة علاقات مع الإسلاميين، غير أن قطر لم تسع لتبرئة ساحتها من هذه التهمة من خلال التراجع عن سياستها في علاقات مفتوحة متزنة مع الإسلاميين المعتدلين، ذلك لأنها تسير في هذا الاتجاه بخطى وملامح واضحة للجميع، وتتعامل مع الإسلاميين بموضوعية في تقييم أوضاعهم.

لذلك ترى في العلماء وهذه الشخصيات التي تقيم على أرض قطر تنوعًا ظاهرًا، فمنهم العالم الأزهري، ومنهم الداعية السلفي، ومنهم المنتمون إلى تيار الإسلام السياسي، ومنهم حركات المقاومة المشروعة، تقبل قطر بوجودهم طالما أنهم ناؤون عن وصف الإرهاب والتطرف (بالمعنى الحقيقي)، وطالما أنهم لا يضرون بالسلم الأهلي، وهذا يمثل قمة الاتزان في التعامل مع الآخرين.

قطر لا تغلق أبوابها بوجوه المعتدلين من كل المشارق والمغارب، ومن كل الاتجاهات والمشارب، لأنها لا ترى مبررًا لذلك، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.


إحسان الفقيه | كاتبة أردنية، باحثة في التاريخ والعقائد.
اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

عاجل