معلّقو الشؤون العربية في إسرائيل.. صناعة العداء

صالح النعاميمنذ 5 ساعات
صالح النعامي

“لا تفوتوا الفرصة”، بهذه العبارة دعت مؤسسة أورعي ديبروت، المتخصصة في تنظيم الفعاليات العامة، الإسرائيليين لحضور محاضرة يلقيها معلق الشؤون العربية تسفي يحزكيل في مدينة إيلات، أقصى جنوب فلسطين المحتلة، لمناقشة التحولات التي قادت إلى أحداث السابع من أكتوبر.

وفي إطار سعيها لتعزيز الإقبال على المحاضرة، اختارت المؤسسة أن تضع عنواناً مثيراً لإعلانها: “لقد قلت لكم: إنه الجهاد”، وهي العبارة التي يكررها يحزكيل بشكل مكثف منذ بدء عملية طوفان الأقصى.

يحزكيل، الذي يعمل معلقاً للشؤون العربية في قناة i24، تحول إلى نجم للمنتديات العامة والمؤسسات الثقافية في إسرائيل، التي تستضيفه للحديث عن رؤيته لكيفية التعامل مع العرب والفلسطينيين. ورغم أن مسيرته المهنية بدأت في منصب ضابط في جهاز المخابرات الداخلية “الشاباك” قبل أن ينتقل إلى العمل الإعلامي، ورغم انتمائه إلى التيار الديني الحردلي، الذي يجمع بين التشدد الديني والتطرف الأيديولوجي، فإن مؤسسات ثقافية في تل أبيب –التي تُعرف بأنها معقل العلمانية الإسرائيلية– باتت تستضيفه لمحاضراته حول الشؤون العربية والفلسطينية.

معلّقو الشؤون العربية.. صناعة الوعي الإسرائيلي

بحسب مجلة العين السابعة المتخصصة في نقد الإعلام الإسرائيلي، فإن معلقي الشؤون العربية يلعبون دوراً حاسماً في تشكيل تصورات الإسرائيليين عن العرب، خصوصاً أن شريحة واسعة من الجمهور تعتمد على وسائل الإعلام مصدراً رئيسياً للمعلومات والتحليل. وتلفت المجلة إلى أن هؤلاء المعلقين يُنظر إليهم باعتبارهم “المؤتمنين على فك شيفرة العقلية العربية”.

“معلق الشؤون العربية” لا يقتصر على الصحافيين المتخصصين بهذا المجال، بل يشمل أيضاً مراسلي الشؤون الفلسطينية، و”خبراء الشرق الأوسط”، وباحثين في الاستشراق، وحتى متقاعدي الجيش والاستخبارات الذين شملت مجالات عملهم احتكاكاً مباشراً مع العرب والفلسطينيين.

على سبيل المثال، يُقدم ميخائيل ميلشطاين، المحاضر في جامعة تل أبيب “خبيراً في الشؤون الفلسطينية”، لأنه شغل منصب مسؤول الملف الفلسطيني خلال خدمته في شعبة الاستخبارات العسكرية “أمان”. وينطبق الأمر نفسه على آفي ديختر، وزير الزراعة الحالي والقيادي في حزب “الليكود”، كونه شغل في السابق منصب رئيس “الشاباك”، وكذلك المستشرق مردخاي كيدار، المحاضر في جامعة “بار إيلان”، الذي تقاعد من الخدمة في الاستخبارات العسكرية برتبة عقيد.

تكريس الصورة النمطية

القاسم المشترك بين هؤلاء المعلقين هو محاولتهم تكريس رؤية استشراقية عنصرية تجاه العرب والفلسطينيين. ويقول رامي ليفني، ناقد الإعلام في صحيفة هآرتس، إن مهمة معلق الشؤون العربية تتلخص في إقناع الجمهور الإسرائيلي بأن “العربي لا يفهم إلا لغة القوة”.

ويرى ليفني أن المشكلة الرئيسية في عمل هؤلاء المعلقين أنهم يحللون توجهات العرب ويتوقعون سلوكهم من دون أي تواصل مباشر معهم، حيث يُنظر إلى العربي دائماً باعتباره “متهماً أبدياً”، ويُصوَّر أنه “يكذب دائماً لإخفاء شيء ما”، وفقاً لما يروّجه هؤلاء المعلقون.

ويشير إلى أن محللي الشؤون العربية يتجاهلون الجوانب الإنسانية والنفسية والاجتماعية للعرب، ما يجعل تحليلاتهم سطحية ومنحازة.

لغة القوة.. بلا سياقات

لا يقتصر عمل هؤلاء المعلقين على التحليل، بل يمتد إلى الدعوة لاتخاذ إجراءات متطرفة ضد الفلسطينيين. فعلى سبيل المثال، دعا تسفي يحزكيل، بعيد أحداث السابع من أكتوبر، إلى قتل 100 ألف مدني فلسطيني في الضربة العسكرية الأولى ضد غزة.

أما مردخاي كيدار الذي تستضيفه وسائل الإعلام الإسرائيلية بصفته “خبيراً في الشرق الأوسط”، فيربط بين الإسلام وعمليات المقاومة الفلسطينية، رغم أنه يُعد من أكثر النخب الدينية تطرفاً في إسرائيل، حتى إنه دافع علناً عن يغآل عمير، قاتل رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إسحاق رابين.

وتقول صحيفة “هآرتس” إن هؤلاء المعلقين يعملون بشكل ممنهج على شيطنة الفلسطينيين والعرب من خلال انتزاع الأحداث من سياقاتها التاريخية، كما يفعل المستشرق جاي باخور، والتركيز على تصريحات فلسطينية أو عربية يُنظر إليها على أنها “تحريض على العنف”، بينما يجرى تجاهل الدعوات الإسرائيلية العلنية إلى الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين.

“المصادر الموثوقة”.. تسريبات عسكرية

إحدى أهم الأدوات التي يعتمد عليها هؤلاء المعلقون في تعزيز مكانتهم هي الإيحاء بأنهم يستندون إلى “مصادر موثوقة”، لكن “العين السابعة” تشير إلى أن هذه المصادر غالباً ما تكون الجيش أو الأجهزة الاستخبارية أو الأوساط الحكومية، التي تعمل على تمرير روايات معينة من خلال تسريبات انتقائية لهؤلاء المعلقين، ما يعكس علاقة تخادم متبادلة بين الطرفين.

وفي هذا السياق، تقول المجلة إن معلق الشؤون العربية الذي يسرّب هذه المعلومات باعتبارها “سبقاً صحافياً” يعزز مكانته في الوسط الإعلامي ويزيد من شعبيته لدى الجمهور الإسرائيلي.

وقد لعبت التحولات في سوق الإعلام الإسرائيلية دوراً رئيسياً في تعزيز مكانة معلقي الشؤون العربية. فمع سيطرة رجال أعمال يمينيين على مؤسسات إعلامية، أو امتلاكهم حصصاً مؤثرة فيها، أصبحت هذه المؤسسات بحاجة إلى أصوات إعلامية تروج للرؤى اليمينية المتطرفة.

وهذا يفسر توقيع قناة i24 عقداً مع تسفي يحزكيل، براتب شهري يبلغ 100 ألف شيكل (حوالي 28 ألف دولار)، ليعمل من منزله عبر استوديو خاص به، وهي امتيازات غير مألوفة في ظل الأزمة التي تعانيها معظم المؤسسات الإعلامية الإسرائيلية.

هذه العلاقة بين الإعلام واليمين الإسرائيلي المتطرف تساهم في تعزيز حضور هؤلاء المعلقين في المشهد العام، ما يمنحهم دوراً متزايدَ التأثير في صناعة الوعي الإسرائيلي تجاه العرب والفلسطينيين.


صالح النعامي | كاتب وصحفي فلسطيني متخصص في الشأن الإسرائيلي
اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

عاجل