مغامرة في الريف الإنجليزي مع جوليان أسانج

أحمد منصور18 يوليو 2024
أحمد منصور

كاينابريس – أحمد منصور(*)

ربما كنت الإعلامي العربي الوحيد الذي أجرى ثلاثة لقاءات مطولة مع جوليان أسانج، مؤسس موقع ويكيليكس الشهير، الذي نشر ملايين الوثائق السرية، التي فضحت التحركات الدبلوماسية والسرية لكثير من الأنظمة والدول، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية.

وقد تمكنت من إجراء لقائي الأول مع أسانج بعد ثلاثة أشهر من الملاحقة عبر الهاتف وعبر أصدقاء مشتركين إلى أن تمكنت من الإمساك به وأجريت حواري الأول معه في العاصمة البريطانية لندن في السابع والعشرين من أكتوبر من العام 2010، وذلك فى أعقاب نشر الموقع أربعمائة ألف وثيقة دفعة واحدة، وكانت تلك هي المرة الأولى فى التاريخ التى يتم فيها تسريب هذا الكم من الوثائق.

ورغم أن جوليان أسانج أسس موقعه في العام 2006 فإنه اكتسب شهرته الأكبر في العام 2010 وتحديدا بعدما نشر فى شهر أكتوبر هذا الكم الهائل من الوثائق السرية العسكرية والدبلوماسية، مما وضع الولايات المتحدة وحلفاءها فى مأزق كبير. لكن الأكثر إثارة من الموقع هو مؤسسه جوليان أسانج الذي تحول إلى أسطورة لدى البعض حيث يعتبره الكثيرون من أكثر الناس غموضا وربما ذكاء على ظهر الكوكب.

حينما أسس أسانج موقعه فى العام 2005 وضع له نظام تشفير معقد للغاية فشلت أكبر أجهزة الاستخبارات فى العالم على أن تلاحقه أو تدمره

جوليان أسانج

أسانج الذي ولد شمال أستراليا كان مولعا بالرياضيات والكمبيوتر حتى وصل إلى مرحلة العبقرية، وأدين بتهمة القرصنة الإلكترونية عام 1995، بذل بعدها جهدا خارقا في صناعة برامج التشفير للكمبيوتر والمعلومات، وأصبح واحدا من أكثر الخبراء في العالم دراية بها، حتى إنه حينما أسس موقعه في العام 2005 وضع له نظام تشفير معقد للغاية فشلت أكبر أجهزة الاستخبارات في العالم على أن تلاحقه أو تدمره.

مغامرة في الريف الإنجليزي

وفى لقائىّ الثانى والثالث اللذين أجريتهما معه فى 22 و29 ديسمبر من العام 2010، أتيحت لى فرصة الجلوس لعدة أيام مع أسانج الذى كان يلاحق قضائيا بتهمة الاغتصاب وحكمت عليه المحكمة بالإقامة الجبرية، فاختار مكانا فى عمق الريف الإنجليزى فى بيت إلينجتون هول فى منطقة نورفولك فى شرق بريطانيا حيث أقام فيه فى ذلك الوقت. وصلت إلى مطار هيثرو مع الزميل أحمد إبراهيم من قناة الجزيرة الإنجليزية وذهبنا مباشرة إلى حيث كان يقيم أسانج على مسافة فى عمق الريف الإنجليزى تزيد عن ثلاث ساعات فى شتاء بارد قارس وطقس ضبابى ممطر، ولأن المنطقة ريفية لم نجد مكانا ننام فيه سوى بيت داخل مزرعة يؤجر أصحابها بعض غرفها لمن يمرون فى المنطقة ولا يجدون ملجأ، ولأن البريطانيين يشتهرون بالبخل فإنهم يطفئون أجهزة التدفئة فى الليل، ولم أدرك ذلك إلا حينما استيقظت قبل الفجر وأنا أشعر ببرد شديد، أذكر أننى بقيت حتى الصباح أكاد أتجمد من البرد دون أن تفلح كافة الأغطية فى تدفئتى، ثم أوصيت صاحبة البيت ألا تغلق جهاز التدفئة ليلا وسوف أعطيها المال الذي تريد، وفعلت.

لم يكن سكان مقاطعة نورفولوك الهادئة شرق بريطانيا التي هي موطن للمتقاعدين والمزارعين يدركون أن منطقتهم ستكون مقصد العشرات من الصحفيين الذين جاءوا من أنحاء الدنيا للقاء «جوليان أسانج»

ومن الطرائف أنني حينما جلست مع أحمد إبراهيم نتحدث معها هى وزوجها فى الصباح عما يقومون بزراعته وما يربونه من حيوانات اكتشفنا أنها مزرعة خنازير، قلت لأحمد إبراهيم وهو الذى كان قد رتب الأمر وأنا غارق فى الضحك: «هل ضاقت الدنيا فى البحث عن مكان ننام فيه حتى تأتى بنا ننام فى مزرعة خنازير فى النهاية؟!»، لكن الأمر لم يكن فيه بد، فأقرب فندق كان على مسافة بعيدة، ولم تكن فنادق بالمعنى المعروف ولكنها نُزل توفر المأوى والمبيت. كان أسانج يقيم فى بيت صديق تعرف عليه، لكن زوجة صاحبه هذا كانت مادية جشعة إلى أبعد الحدود، حينما ذهبت إلى أسانج وكان زملائى قد سبقونى بأجهزة التصوير والبث، وجدت صاحبة البيت تصرخ وصوتها عالٍ بشكل مزعج، ولا شىء يستفزنى قدر صوت المرأة حينما يعلو وتفقد أنوثتها ورقتها، قلت لزملائى: «ماذا تريد هذه السيدة؟!»، قالوا: «تبدى غضبها وتبرمها حتى نعطيها بعض المال»، قلت لهم: «هل جاؤوا بأسانج هنا حتى يتاجروا بوجوده؟»، قالوا لى: «هؤلاء هم الإنجليز!»، قلت لهم: «أخبروها أننا سنعطيها المال بعد انتهاء المقابلة».

لم يكن سكان مقاطعة نورفولوك الهادئة شرق بريطانيا التي هي موطن للمتقاعدين والمزارعين يدركون أن منطقتهم ستكون مقصد العشرات من الصحفيين الذين جاءوا من أنحاء الدنيا للقاء «جوليان أسانج» بعد سجنه ثمانية أيام ثم اختياره العيش تحت الإقامة الجبرية فى هذه المنطقة، وقد أدى هذا إلى انتعاش اقتصادى غير مسبوق لمطاعم وحانات وفنادق المنطقة لعدة أسابيع، فالبار الوحيد فى القرية كان يعج بالصحفيين طوال الوقت، أما الفنادق والنزل والمطاعم فقد شهدت إقبالا غير مسبوق، وكان سكان المنطقة الذين هم مثل سكان الريف فى كل مكان يتساءلون عن هذا الوافد الأسترالى الذى أنعش جيوبهم وملأ مطاعمهم وفنادقهم بالزبائن.

قال لي أسانج: لقد مر علىَّ اسمك مرارا حيث أجريت بحثا عنك حينما طلبت لقائى أول مرة وحينما وجدت أنك من الصحفيين الذين لا ترضى عنهم أمريكا ولا الأنظمة العربية قبلت الحوار معك دون تردد

ويكيليكس وتشفير المعلومات المعقد

بقيت مع أحمد إبراهيم أربعة أيام فى تلك المنطقة خرجنا خلالها مع «أسانج» عدة مرات حيث كانت فى رجله حلقة إلكترونية تحدد أماكن ومسافات تحركه، وروى لنا كثيرا عن النظام المعقد الذى ابتكره ويستخدمه فى تشفير المعلومات، كما حدثنا عن أنواع أجهزة الكومبيوتر المحمول التى يسهل اختراقها والأخرى الأكثر تعقيدا كما حدثنا عن اختراق أجهزة الهاتف التى هى من أسهل التقنيات فى التنصت والتتبع، وقال إن هناك أجهزة هواتف لا يمكن اختراقها أعطانا اسمها والشركة الألمانية التى تنتجها وأبلغنا أنها تباع بطلب خاص، وقد طلبناها واشتريناها بالفعل لكننا اكتشفنا أنها تقتضى أن تكون ضمن إطار شبكة تستخدم نفس الهواتف أما إذا استخدمت مع هواتف أخرى فإن التشفير لا قيمة له لأنه لا بد أن يكون الطرف الثانى يستخدم نفس الجهاز، وقال لنا «أسانج» إن عملاء الـ«سى آي إيه» يستخدمونها حول العالم ولديه معلومات أن الـ«سى آي إيه» طلبت كمية منها قبل أيام، أما أجهزة الكومبيوتر الخاصة به فكانت من نوع «أبل ماكنتوش» والأجهزة التى عليها المعلومات كان لا يصلها أبدا بالإنترنت إلا بعد أن يقوم بعملية التشفير الكاملة لها، فى جلسة صفاء قلت له: ماذا لديك عن حسنى مبارك من وثائق يا جوليان: فتح جهازه وبعد قليل قال لي: ثلاثة عشر ألف وثيقة، قلت له: وماذا عن عمر سليمان؟ قال: الكثير، هو رجل أمريكا الأول فى المنطقة وقبل أن ندخل فى التفاصيل عنهما، فاجأنى وقال لى: لقد مر علىَّ اسمك فى بعض الوثائق هل تحب أن أخبرك بالوثائق التى ورد اسمك فيها؟ قلت له بتعجب: اسمى أنا؟ قال: نعم، لقد مر علىَّ اسمك مرارا حيث أجريت بحثا عنك حينما طلبت لقائى أول مرة وحينما وجدت أنك من الصحفيين الذين لا ترضى عنهم أمريكا ولا الأنظمة العربية قبلت الحوار معك دون تردد؟ قلت له: لا بد أن تخبرنى بالتفصيل، بحث قليلا ثم قال لى: معظمها عن تغطيتك لمعركة الفلوجة فى العراق فى أبريل من العام 2004 كان الأمريكيون غاضبين عليك للغاية وتقارير السفارة الأمريكية فى بغداد عنك سلبية وكانوا يعتبرونك من خلال تغطيتك سببا فى فشل المعركة الأولى.

قررت ألا أسجل الحلقة الثانية لجوليان أسانج فى بيت إلينغتون هول حتى لا أخضع لابتزاز البريطانية الجشعة صاحبة المنزل الذي يقيم فيه أسانج مرة أخرى

أذكر أننى بعد انتهاء الحلقة الأولى من بلا حدود أخبرتنى الزميلة روان حجازى منتجة مكتب الجزيرة فى لندن بصفتى المنتج المسئول عن البرنامج أن الإنجليزية التى يقيم «أسانج» فى بيتها تريد ألف جنيه إسترلينى مقابل دخولنا بيتها وتسجيل الحلقة من هناك قلت لها: أعطيها خمسمائة جنيه فقط؟ قالت روان: إنها طماعة ولن تقبل؟ قلت لها أنا أريد أن أستفزها وأستفز طمعها؟ قالت روان: لن تقبل يا أحمد بأقل من ألف؟ قلت لها سأعطيها الألف ولكن بعد أن أمرغ أنفاسها فى الثلج، وكانت درجة الحرارة خارج البيت ما دون الصفر والثلوج تغطى المكان. وقفت قريبا حتى أسمع ردة فعل الإنجليزية على ما سوف تعرضه عليها روان؟ وكان ما توقعت صراخا واستنكارا أثلج صدرى فى تلك الليلة الباردة، فجاءتنى روان وهى مكفهرة الوجه فوجدتنى أبتسم، قال لى أحمد إبراهيم وهو يبتسم ضاحكا: يا لك من شرير وافق على إعطائها الألف جنيه ولا تعرض روان للحرج أكثر من ذلك، قلت له: لا أحب الاستغلال هل يليق أن تستضيف الرجل فى بيتها ثم تتاجر بإقامته؟

فيلم رعب

قررت ألا أسجل الحلقة الثانية لجوليان أسانج فى بيت إلينغتون هول حتى لا أخضع لابتزاز البريطانية الجشعة صاحبة المنزل الذي يقيم فيه أسانج مرة أخرى، ولكن أنى لي أن أجد مكانا آخر فى منطقة ريفية نائية كهذه؟ على الفطور سألت صاحبة المزرعة التى كنت أقيم فيها مع أحمد إبراهيم عن مكان يمكن أن نسجل فيه، قالت إن هناك قرية ليست بعيدة بها بيت يؤجر صاحبه قاعة فيه يجتمع فيها أهل القرى فى المنطقة فى المناسبات العامة، وأعطتنا رقم هاتفه، فكلمه أحمد إبراهيم وأدخل إحداثيات عنوان بيته على جهاز توجيه الساتلايت الذى بالسيارة، وانطلقت معه فى يوم بارد غائم ممطر تعصف فيه الرياح نبحث عن ذلك البيت فى عمق الريف الإنجليزى، فإذا بنا بعد قليل حسب توجيهات الساتلايت نخرج من الطريق العام وندخل فى طريق فرعى ومنه إلى طريق زراعى ثم إلى طريق ترابى لا تسير فيه إلا سيارة واحدة، حينئذ استبد بى القلق وقلت له: «هل أنت متأكد أننا نسير فى الطريق الصحيح؟»، قال: «هذا هو توجيه الساتلايت كما ترى»، قلت له: «أخشى أن نكون فى طريقنا إلى أحد منازل الرعب المخيفة فى عمق المزارع، ونجد أنفسنا داخل فيلم رعب مما نشاهده فى السينما».

المنطقة بالفعل كانت مخيفة ولا توجد بها بيوت، ليس إلا المزارع على امتداد البصر مع الضباب والمطر، حينئذ يصبح الجو كله كئيبا ومخيفا

المنطقة بالفعل كانت مخيفة ولا توجد بها بيوت، ليس إلا المزارع على امتداد البصر مع الضباب والمطر، حينئذ يصبح الجو كله كئيبا ومخيفا، بعد قليل وجدنا معالم بيت بعيد كأنه داخل مزرعة وشخصا يقف أمامه أشار إلينا من بعيد، قلنا من المؤكد أننا وصلنا، ولكن كيف يعيش هؤلاء الناس هنا وسط هذا الفراغ العمرانى الهائل؟! فعلا وجدنا أن هذا هو البيت وهذا صاحبه. كان شكل البيت من الخارج بالفعل أشبه ما يكون بالبيوت التى تمثل فيها أفلام الرعب الأمريكية؛ بيت وحيد وسط مزرعة كبيرة وأرجوحة معلقة فى شجرة بعيدة، وحظيرة قريبة، وعدة أبنية متفرقة صغيرة، ومنازل بعيدة فى مزارع أخرى على مرمى البصر، رحب بنا الرجل ثم أخذنا إلى المكان الذى من المفترض أن نصور فيه فصدمنا، لقد كان أقرب ما يكون إلى حظيرة الحيوانات المفتوحة منه إلى أى شىء آخر، نظرت إلى أحمد إبراهيم وقلت له وأنا أكتم الضحك: «استوديو هائل! يا شماتة الإنجليزية فينا، لكني لن أصور عندها ولو مجانا»، لم يفهم منا الرجل شيئا مما نقول وسط الجو البارد والرياح العاصفة والمطر، وكان واضحا أنه ينتظر برجاء أن نقول له قبلنا التصوير هنا، لكن هذا كان مستحيلا، قلت له وأنا أحاول أن أستدفئ بالمعطف السميك الذي أرتديه من البرد الشديد: «أليس عندك شاي أو قهوة؟»، قال بارتباك: «نعم نعم، تفضلوا»، وأدخلنا إلى بيته، كان البيت دافئا وكان الفارق هائلا بين داخل البيت وخارجه، وحينما دخلنا أخذنا إلى الصالون، فوجدت مدفأة تعمل بالحطب سرعان ما أشعلها فسرى شيء من الدفء فى أوصالنا، ومع منظر المدفأة والنيران المشتعلة بها والحطب والمكان الدافئ قلت له: «ألا يمكن أن تؤجر لنا هذه الغرفة لنصور فيها، لأن الصالة التي فى الخارج لا تصلح؟»، قال الرجل دون تردد: «نعم، ممكن»، قلت له: «لكننا نريد إخراج هذا الدولاب من الغرفة، وكذلك بعض المقاعد، وتهيئتها للتصوير»، قال بلهفة الإنجليزي الذي ينظر لجيوبنا: «افعلوا ما بدا لكم»، قلت له: «كم تأخذ من المال علما بأننا ربما نحتاجها نصف يوم أو أكثر؟»، فكر الرجل قليلا واعتقدت أنه سيطلب ألف جنيه أو أكثر مثل الإنجليزية الجشعة، لكنه قال وهو يتلعثم خوفا من أن نرفض المبلغ الذي سينطق به: «مائة وخمسين جنيها إسترلينيا»! كتمت سعادتي ونظرت لأحمد إبراهيم ونظر لي، وخشي الرجل أن نظراتنا تعني أننا نستكثر المبلغ أو ننقصه أو نرفضه، فقلت له: «ما رأيك لو أعطيتك مائتي جنيه وليس مائة وخمسين؟»، تهللت أساريره وبدا كأنه وصل إلى مرحلة عدم القدرة على النطق من الفرحة.

وصية أسانج

كاد قلب الإنجليزي أن يتوقف من الفرحة حينما أبلغته أنني سأمنحه مائتي جنيه إسترليني وليس مائة وخمسين مقابل استخدام صالون بيته لتصوير حلقة «بلا حدود» الثانية مع جوليان أسانج، ثم استدركت وقلت له، لمعرفتى ببخل الإنجليز وحسابهم بدقة لمقابل كل شىء يقومون به: زدتك خمسين جنيها مقابل أن تأتي لنا بكمية جيدة من الحطب حتى تبقى المدفأة مشتعلة طوال ساعات وجودنا فى البيت، وكذلك تلبي طلباتنا وطلبات الفريق الفني من الشاي والقهوة خلال ساعات التصوير، فقال الرجل وهو فرح: وسوف آتيكم علاوة على ذلك ببعض الفاكهة، قلت لأحمد إبراهيم: لعلي بدأت فى فهم نفسية الإنجليز. وأخرجت مائة جنيه من جيبي كادت عين الإنجليزي تخرج وهو ينظر إليها وقلت له: هذا عربون للاتفاق وسوف أعطيك الباقي بعد التصوير، أخذها بلهفة وقال: اتفقنا.

اتصلنا بجوليان أسانج وأبلغناه أن التصوير سيكون فى مكان غير الذي يقيم فيه، وأرسلنا له العنوان، لكن مساعدته قالت لنا: هناك مشكلة. قلنا لها: ما هى؟ قالت: إن جوليان يتحرك وفى رجله حلقة إلكترونية من البوليس تحدد دائرة محدودة لحركته ويمكن لهذا المكان أن يكون خارج الدائرة قلت: يا إلهى ماذا نفعل إذن؟ قالت أعطونى العنوان وأضعه على الإنترنت وأرى إن كان ضمن دائرة تحرك أسانج أم خارجها، أرسلنا لها العنوان فكلمتنا بعد قليل وقالت: العنوان داخل الدائرة. حمدنا الله وقلت فى نفسى: إن الإنجليزى يحلم بالمائة جنيه الأخرى وربما أصابته سكتة لو علم أننا لن نصور فى بيته. سألت جوليان أسانج عن مخاوفه من تسليمه للسويد فقال: «أنا قلق جدا بشأن هذه المسألة ومحامىّ أيضا قلق ويبدو أن هناك محاولة لتوجيه تهم لى بالتآمر بارتكاب تجسس فى الولايات المتحدة وتهم أخرى، وهذا الأمر معروف وعلنى فوزير العدل الأميركى إيريك هولدر قد صرح بأنهم يسيرون فى عملية تحقيق، كما أن أعضاء من وزارة العدل صرحوا بذلك وجو بايدن وصفنى بأننى إرهابى أمتلك تكنولوجيا رفيعة المستوى، إذاً فهذا أمر مقلق كما أن هناك فريق عمل مكونا من 120 شخصا من وكالة الاستخبارات الدفاعية والـFBI ووزارة الدفاع أعلن عنه قبل ثلاثة أشهر وهو فريق عمل متخصص بالتحقيق فى «ويكيليكس» كما أن الـCIA أعلنت عن فريق تحقيق خاص بها والحكومة الأسترالية أيضا أعلنت عن فريق تحقيق مناهض لويكيليكس وهو يشرك مجموعات متعددة من الحكومة بمن فيها الشرطة الفيدرالية ووكالة استخبارات محلية وأجنبية والجيش، إذاً فهذا كم هائل من العمل التحقيقى يضخ بغية أن تتمكن الولايات المتحدة من إنقاذ ماء وجهها من هذا الإحراج بسبب هذه التسريبات».

قال لي أسانج: يا أحمد لا تنسَ وأنت تكتب أو تتحدث فى برامجك عن الربيع العربي أن تنوه إلى دوري المهم في صناعة الثورات العربية

دور جوليان أسانج فى الثورات العربية

إذاً كانت مشكلة أسانج الحقيقية من وراء ملاحقته قضائيا في بريطانيا حتى يسلم للسويد هي أن السويد سوف تسلمه للولايات المتحدة وأن تهمة التحرش الجنسي التي كان يلاحق بسببها ليست سوى غطاء للتهمة الحقيقية المتعلقة بتسريبه لملايين الوثائق الأمريكية.
على غداء فى أحد المطاعم التى مررنا بها فى الطريق أبلغنى أسانج أنه وقع عقد نشر مذكراته وتقاضى خمسة ملايين جنيه إسترلينى سينفقها جميعها على أتعاب المحامين الذين يدافعون عنه حتى لا يسلم للسويد، وأكد أنها لا تكفى. كانت الأيام الأربعة التى قضيناها مع أسانج أنا وأحمد إبراهيم كفيلة بصناعة نوع خاص من المودة بيننا، جعلت أسانج يتصل بي في شهر يوليو من عام 2011 ليدعوني لحضور حفل عيد ميلاده حيث اعتذرت فقال لي: يا أحمد لا تنسَ وأنت تكتب أو تتحدث في برامجك عن الربيع العربي أن تنوه إلى دوري المهم في صناعة الثورات العربية، قلت له: أكيد يا جوليان.
وفي العشرين من يونيو الماضي فاجأ أسانج العالم بلجوئه إلى سفارة الإكوادور في بريطانيا بعدما حكمت المحكمة العليا البريطانية بتسليمه للسويد، وما زال حتي اليوم ينتظر البت في طلبه، وقد كتبت عنه هذه الحلقات وفاء لوصيته لي وأن أذكر العرب بدوره في ثورات الربيع العربي من خلال ما كشفه من وثائق.


(*) كاتب وصحافي ومنتج مصري، يعمل في قناة الجزيرة الفضائية.

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

عاجل