كاينابريس – متابعات
تواجه الصين تدابير تدقيق من الدول الغربية بسبب ممارساتها التصديرية الشرسة، خاصة الإفراط في الإنتاج والدعم الحكومي الكبير. وتسعى واشنطن والاتحاد الأوروبي إلى ضمان عدم تأثر شركاتها التي تعمل في مجال الطاقة النظيفة.
وكانت جانيت يلين، وزيرة الخزانة الأمريكية، قد حذرت الصين مؤخرا من تبعات إفراطها في إنتاج المنتجات الخاصة باستخدامات الطاقة النظيفة، مثل الألواح الشمسية وتوربينات الرياح والسيارات الكهربائية، وسط سباق عالمي على التوجه صوب التكنولوجيا الخضراء في ظل مساعي محاربة ظاهرة تغير المناخ.
وفي بكين، قالت يلين إن ممارسات الحكومة الصينية التجارية غير العادلة مثل إغراق الأسواق العالمية بمنتجات رخيصة بشكل متعمد، تشكل تهديدا للشركات المصنعة للتكنولوجيا الخضراء وقطاع التوظيف في الولايات المتحدة. وفي هذا الصدد، تدرس واشنطن فرض رسوم جمركية أعلى على البضائع الصينية، وأيضا إغلاق الثغرات التجارية في حالة مضي بكين قدما في سياستها التجارية الحالية.
ويقول خبراء إن الشركات الصينية تتمكن في كثير من الأحيان من تحجيم الشركات الغربية بفضل العمالة الصينية الرخيصة ووفرة الإنتاج، وأيضا الدعم الحكومي السخي، مما يضعف قدرة الشركات الغربية على المنافسة.
دعم حكومي سخي
وفي هذا السياق يقول البروفيسور رولف لانغهامر، الخبير الاقتصادي الألماني والنائب السابق لرئيس معهد الاقتصاد العالمي في كيل، إن «الدعم الصيني منتشر على نطاق واسع بما يشمل جميع الصناعات تقريبا. يفوق الدعم الحكومي الصيني بكثير الإعانات المالية في الاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة».
وفي مقابلة مع DW، أشار لانغهامر إلى أن الإعانات الصناعية المقدمة من الحكومة الصينية تعد أعلى في المتوسط بثلاثة إلى أربعة أضعاف الإعانات الحكومية في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. وقال إن الفارق قد يصل إلى تسعة أضعاف.
وأفاد تقرير نشره معهد الاقتصاد العالمي قبل أيام بأن الإعانات الصناعية بلغت 221 مليار يورو (237 مليار دولار) أو 1.73٪ من الناتج المحلي الإجمالي للصين في عام 2019. وذهبت تقديرات أخرى إلى أن الإعانات السنوية قد تصل إلى نحو 5٪ من الناتج المحلي الإجمالي.
وكشف تقرير معهد الاقتصاد العالمي عن أن الإعانات الحكومية الصينية المقدمة للشركات التي تعمل في قطاع التكنولوجيا الخضراء قد ارتفعت بشكل كبير عام 2022 إذ حصلت شركة «بي واي دي» الصينية التي باتت الآن أكبر شركة سيارات كهربائية في العالم، على دعم حكومي بلغ 2.1 مليار يورو عام 2022 مقارنة بـ 220 مليون يورو قبل عامين فقط.
ويُضاف إلى ذلك ارتفاع الدعم المقدم لشركة «مينغيانغ» الصينية الرائدة في تصنيع توربينات الرياح، من 20 مليون يورو إلى 52 مليون يورو.
وقال التقرير إن الأمر لا يتوقف على الإعانات الحكومية السخية، بل يشمل أيضا استفادة الشركات الصينية من الوصول التفضيلي إلى المواد الخام الحيوية وعمليات النقل التكنولوجي القسرية وحتى نظم وقواعد أقل صرامة من القواعد في الدول الغربية.
الإفراط في الإنتاج رغم تراجع الطلب العالمي
من جانبه، يرى براد دبليو سيتسر، الخبير الاقتصادي في مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، أن «التوتر الأمريكي والأوروبي يأتي في وقت يشهد فيه الطلب على السيارات الكهربائية [في الغرب] انخفاضا».
وفي مقابلة مع DW، أضاف «يبدو أن الصين ستصبح أكبر مصدر للسيارات الكهربائية».
وبحسب الأرقام، فإن الشركات الصينية قد باعت أكثر من مئة ألف سيارة في الخارج، معظمها سيارات كهربائية أو هجينة، بالتزامن مع ارتفاع صادرات البلاد من السيارات الكهربائية بنسبة 70% العام الماضي بحجم مبيعات بلغ 34.1 مليار دولار.
وكشفت البيانات عن أن أوروبا كانت أكبر مشترٍ للسيارات الكهربائية الصينية، إذ جرى تصدير ما يقرب من 40% من السيارات الكهربائية.
يشار إلى أن الاتحاد الأوروبي قد شرع في تحقيق في أكتوبر الماضي حول ما إذا كان التكتل سيفرض رسوما جمركية أعلى على السيارات الكهربائية الصينية «لتعويض الدعم الحكومي وتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص».
الجدير بالذكر أن الاتحاد الأوروبي يفرض رسوم تقدر بنسبة 10% على السيارات الصينية الصنع فيما يمكن فرض الرسوم بأثر رجعي بنسبة 25% بداية من يوليوز المقبل. وقال اقتصاديون إن هذه الخطوة ستجعل السيارات الصينية خاصة الدفع الرباعي متوسطة الحجم أكثر تكلفة من نظيراتها الأوروبية.
وفي الولايات المتحدة، تفرض الحكومة رسوما جمركية قد تصل إلى نسبة 27% على السيارات الكهربائية الصينية فيما تستعد واشنطن إلى رفع الرسوم في مساعيها لدعم الشركات الأمريكية.
ورغم ذلك، تعهدت الشركات الصينية بزيادة الإنتاج، إذ قالت شركة «كاتل» الصينية التي تمتلك نصيب الأسد في سوق بطاريات السيارات الكهربائية ، إنها ستمضي قدما في خططها التوسعية. وفي السياق ذاته، قالت شركة «بي واي دي» إنها تستهدف زيادة المبيعات بنسبة 20٪ العام الجاري.
الغرب يستفيد من الدعم الحكومي الصيني؟
وأشار لانغهامر إلى أن الغرب يستفيد أيضا من الدعم الصيني إذ يمكن للمستهلكين في الدول الغربية شراء سيارات كهربائية بسعر أقل فيما يشمل ذلك شراء قطع غيار صينية رخيصة.
وقال إنه على الرغم من التهديد الذي تمثله السيارات الكهربائية الصينية بسبب سعرها الرخيص مقارنة بالسيارات أوروبية الصنع، إلا أن بعض شركات السيارات متشككة حيال مآلات التحقيق الأوروبي في الدعم الحكومي الصيني في ضوء أن شركات غربية مثل «فولكسفاغن» و«تسلا» تحصل على مساعدات حكومية.
وأضاف لانغهامر أن الشركات الأوروبية تقول إنها «قادرة على التنافس مع الشركات الصينية. خصصت شركات صناعة السيارات الألمانية ربع استثماراتها الأجنبية المباشرة إلى الصين، لذا فهي تستفيد من الدعم الصيني وتخشى من أي إجراءات انتقامية في حالة قيام الدول الغربية بزيادة الرسوم الجمركية على السيارات الصينية».
وتشعر واشنطن بالقلق من أن الشركات الصينية ستستخدم الثغرات في الاتفاقيات التجارية المبرمة مع المكسيك وكندا للهروب من الرسوم الجمركية المرتفعة في الولايات المتحدة على السلع الصينية إذ يمكن إنتاج سيارات كهربائية صينية في المكسيك أو كندا.
تحذير لقطاع السيارات الكهربائية
وفي هذا السياق، حذر خبراء من أن قطاع الطاقة الخضراء في أوروبا يتعرض لأزمات بسبب الواردات الصينية الرخيصة من الألواح الشمسية والتي ألقت بظلالها على السوق الأوروبي ما دفع التكتل إلى إجراء تحقيق لمكافحة الإغراق ومكافحة الدعم على واردات الألواح الشمسية من الصين.
وتعزو المفوضية الأوروبية ذلك إلى أن الدعم الحكومي الصيني غير العادل للشركات المصنعة لألواح الطاقة الشمسية يضر بالقدرة التنافسية للشركات الأوروبية.
وبحسب بيانات وكالة الطاقة الدولية، فإن الصين كانت مصدر غالبية الألواح الشمسية التي جرى تركيبها في بلدان الاتحاد الأوروبي والتي بلغت مستويات قياسية العام الماضي بزيادة 40 % عن 2022.
وقال سيتسر إن هذه الأرقام تشير «إلى حقيقة مفادها أن الصين تقوم بإغراق السوق العالمي بألواحها الشمسية بشكل مفرط. تنتج المصانع الصينية ما بين ضعفين وثلاثة أضعاف ما يستخدمه العالم حاليا من الألواح الشمسية وهذا يؤدي إلى بيع هذه الألواح بأسعار منخفضة جدا».
وأعلن الاتحاد الأوروبي قبل أيام عن فتح تحقيق منفصل لمكافحة الدعم في قطاع تصنيع توربينات الرياح في الصين التي تسعى إلى السيطرة على سلاسل التوريد العالمية بفضل كونها شريكة في مشاريع مزارع الرياح في إسبانيا واليونان وفرنسا ورومانيا وبلغاريا.
وفي سياق ذاته، أُرغمت شركة «CRRC» الصينية المملوكة للدولة، في فبراير الماضي على الانسحاب من مناقصة في بلغاريا بعد أن أعلنت المفوضية الأوروبية عن فتح تحقيق في الدعم الحكومي المقدم للشركة.
استراتيجية الصين للهيمنة على السوق
وكشفت مفوضة شؤون المنافسة في الاتحاد الأوروبي مارغريت فيستاجر النقاب عن القواعد التي تتبعها الصين في إطار رغبتها في السيطرة على قطاعات الطاقة الخضراء.
وفي خلال خطاب بجامعة برينستون قبل أيام، قالت فيستاجر إن الصين «لم تكن فوق الشبهات» فيما يتعلق بالطريقة التي اكتسبت بها المعرفة المتعلقة بالتكنولوجيا الخضراء، مضيفة أن الصين أغلقت بعد ذلك سوقها أمام الشركات الأجنبية قبل تصدير منتجاتها إلى بقية العالم بأسعار منخفضة.
وفي ردها، اتهمت الصين كلا من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي باستخدام تدابير حمائية لمحاولة وقف تقدمها الاقتصادي خاصة وأن العملاق الآسيوي في طريقه لتجاوز الولايات المتحدة كأكبر اقتصاد في العالم بحلول أربعينيات القرن الحالي.
وفي إطار ذلك، ضخت الحكومة الصينية استثمارات ضخمة في قطاع التكنولوجيا الفائقة لتعزيز قوة الصين في هذا القطاع الحيوي، لكن ورغم ذلك، يرى محللون أن الصين لا يمكن أن تنجح بدون وجود أسواق قوية ومستقرة تستورد منتجاتها وهو ما يمنح الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أفضلية في المفاوضات مع بكين.
وفي ذلك، قال لانغهامر: «علينا ألا نتورع عن أي عمل مع الصين»، مضيفا أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي «يعدان أهم سوق للسيارات الكهربائية والتكنولوجيا الخضراء، لذا فإن الشركات الصينية في حاجة إلى هذا السوق».