هل يؤدي إفراط الآباء في حماية أطفالهم إلى الإضرار بهم أكثر من نفعهم؟

كاينابريس18 أغسطس 2024
هل يؤدي إفراط الآباء في حماية أطفالهم إلى الإضرار بهم أكثر من نفعهم؟

كاينابريس – متابعات

إذا كنت من الآباء الذين يراقبون أطفالهم ويرافقونهم في كل تحركاتهم طوال الوقت حرصًا على سلامتهم، فربما عليك إعادة النظر في الأمر، إذ يرى خبراء أن هذا الأسلوب في التربية يمكن أن ينعكس سلبيا على شخصية الطفل وصحته.

تلقي ساحات لعب الاطفال الضوء على نموذجين متطرفين من الآباء. فمن ناحية، نجد آباء لا يكترثون تماما إذا قام أبناؤهم بسرقة أغراض ما تخص أطفال آخرين، أو إذا دفعوهم فوق ألعاب التسلق، طالما لم يزعجهم أحد بينما ينهمكون في التعامل مع هواتفهم الذكية. بينما على الجانب الآخر، هناك آباء يراقبون أطفالهم باهتمام بالغ مثل الصقر، ويرافقونهم في كل تحركاتهم، ويساعدونهم للحفاظ على توازنهم عندما يتسلقون الألعاب.

وعادة ما يقع أغلب الآباء في نقطة ما بين النقيضين، ولكن بعد دراسة حديثة تم خلالها استطلاع آراء 645 من الآباء أو الأوصياء في أستراليا لأطفال في سن المدرسة الابتدائية بشأن المخاطر أو الإصابات اليومية التي يمكن أن يتعرض لها الأطفال من خلال اللعب، توصل باحثون إلى أن عدد الآباء المبالغين في حماية أبنائهم يبدو أنه زاد خلال الاعوام الأخيرة.

وأعرب 78 بالمئة من المشاركين في الاستطلاع عن قدر أقل من الاستعداد لتحمل المخاطر في ما يتعلق بسيناريوهات اللعب التي تتسم بالمغامرة، مثل تسلق الأشجار على سبيل المثال، بحسب الدراسة التي نشرت في مجلة «سيكولوجية الرياضة والتمارين».

كما وجد الباحثون أن هذا الأمر يمكن أن يؤثر سلبًا في ما يتعلق بكم التمارين الرياضية التي يقوم بها هؤلاء الأطفال، مما قد يضر بصحتهم. وكان من غير المرجح أن يفي النشاط البدني اليومي المعتدل إلى القوي الذي يقوم به هؤلاء الأطفال بالحد الأدنى الموصى به، فضلاً عن أن ما يمارسونه من ألعاب يتسم بمقدار أقل من المغامرة.

نشاط بدني يومي لمدة ساعة على الأقل

وتنصح منظمة الصحة العالمية بضرورة ممارسة الأطفال والمراهقين الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و17 عاما لنشاط بدني معتدل إلى قوي لمدة لا تقل عن حوالي 60 دقيقة يوميا على مدار الأسبوع.

وفي ألمانيا، يشير المتحدث باسم «الجمعية المهنية لأطباء الأطفال»، ياكوب ماسكي، إلى أن نسبة قليلة من الألمان يتبعون ذلك، حيث أن ما يقوم به الأطفال من تمارين «لا يستغرق حتى 30 دقيقة يوميا». ويلقي ماسكي باللوم على أسلوب حياة الآباء ممن يقومون «بنقل الأطفال من مكان إلى آخر بالسيارة»، على حد تعبيره.

ويشرح ماسكي أن المشكلة تتمثل في أن قيام هؤلاء الآباء بتوصيل أطفالهم بالسيارة إلى المدرسة أو إلى تدريب كرة القدم ليس من أجل راحة الأطفال، وإنما «خوفا من أن يتعرضوا لشيء سيئ». ويصل الأمر إلى أن بعض طلاب المدارس الابتدائية يحملون معهم هاتفا ذكيا أو يرتدون ساعة ذكية حتى يتمكن آباؤهم من الوصول إليهم أو معرفة مكانهم في أي وقت، بفضل خدمات تحديد الموقع الجغرافي.

ويعني كل هذا أن هؤلاء الآباء المبالغون في حماية أبنائهم «يحومون حول أطفالهم» ويراقبونهم ويتابعون حياتهم باستمرار، رغبة منهم في حماية أطفالهم من جميع المخاطر والتجارب السلبية.

تعلم الطفل من تجربته

وتقول خبيرة اللعب والتمارين الرياضية لدى صندوق رعاية الأطفال الألماني، كلاوديا نويمان: «لم نعد نعيش في تلك الأوقات التي كان فيها الآباء يربون أطفالهم بمنتهى السهولة، وإذا جاز التعبير، يكونون خمسة أو ستة أطفال في وقت واحد. أما اليوم، فغالبا ما يكون هناك لدى الآباء طفل واحد، يعشقونه ويرغبون في أن يفعلوا كل شيء من أجله».

وتوضح نويمان أن هذا التطور له جانب إيجابي لأنه يعطي للطفولة قيمة خاصة، ولكن في بعض الأحيان «يزيد الأمر عن حده أكثر مما ينبغي»، على حد تعبيرها.

وهكذا نرى الآباء في ساحات لعب الأطفال لا يسمحون لأطفالهم باللعب بين الشجيرات خوفا من أن تلدغهم حشرة ما، أو يهرعون بمجرد أن يصل الطفل إلى ارتفاع كبير على إطار التسلق، وهو ما تراه نويمان تصرفا خاطئا، وتوضح قائلة: «يجب على الآباء أن يسمحوا لأطفالهم بالشعور بأنهم قادرون على التصرف. يتعين عليهم أن يراقبوهم في البداية بالتأكيد، ولكن لا يتعين عليهم أن يقفوا إلى جانبهم للأبد ليكونوا بمثابة شبكة أمان لهم».

كما تتساءل خبيرة اللعب والتمارين الرياضية قائلة: «ماذا لو أصيبوا؟ تعرض الأطفال للصدمات أو الكدمات أو نزيف أنفهم أو خدش ركبتيهم هي كلها أمور تعد جزء من طفولتهم».
وتؤكد نويمان أخيرا أن الأطفال يجب أن يتعلموا بالطريقة الصعبة مدى الارتفاع الذي يمكنهم الصعود إليه ومدى سرعتهم في الركض وكيفية التدحرج لتجنب السقوط، مؤكدة أن الطفل «لا يتعلم معنى السقوط إلا إذا سقط».

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

عاجل