زيارة بايدن إلى أفريقيا.. السياقات والمؤشرات

د. حكيم نجم الدين

أوفى الرئيس الأميركي جو بايدن بالوعد الذي قطعه في عام 2022 في ختام قمة قادة الولايات المتحدة وأفريقيا بزيارة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وذلك بوصوله دولة أنغولا يوم الاثنين (الموافق 2 ديسمبر/ كانون الأول)، بعد وقفة قصيرة للتزود بالوقود في دولة الرأس الأخضر (كابو فيردي)، ليصبح بذلك أول رئيس أميركي يزور المنطقة منذ عقد من الزمن، وأول رئيس أميركي يزور أنغولا.

وفي حين أن هذه الزيارة لم تلقَ اهتمامًا كبيرًا في الداخل الأفريقي؛ فقد كانت لهذه الزيارة سياقاتها من حيث سياسة واشنطن تجاه أفريقيا ودوافعها الاقتصادية وأبعادها الجيوسياسية.

في سياق سياسة واشنطن تجاه أفريقيا

كانت السياسة الأميركية تجاه أفريقيا في السنوات الأخيرة غير متّسقة لكون القارة أقل أولويات واشنطن منذ أن خفضت مشاركتها في أفريقيا ما بعد الاستعمار. ورغم إعلان الإدارات الأميركية الأخيرة عن إستراتيجيات أفريقية فخمة وتغيير نهجها الدبلوماسي، فإن بعض هذه الإستراتيجيات غير منفذة، والدبلوماسية الأميركية غالبًا ما اعتمدت نهج “تعزيز الديمقراطية”، وفرض مواقف وأيديولوجيات أميركية على الحكومات الأفريقية مع الضغط على ضرورة الاختيار بين واشنطن ومنافسيها من القوى الدولية الأخرى.

وقد كانت نتيجة ما سبق أن أصبحت الولايات المتحدة في وضع غير مؤاتٍ في البيئة الأفريقية، كما هو واضح من مواقف دول أفريقيا من الأزمة الروسية الأوكرانية، والانتقادات الأفريقية للغرب إبان كوفيد-19، والمواقف من مبادرات مجموعة البريكس، والتصويتات المختلفة ضد المصالح الأميركية في الأمم المتحدة.

وفي محاولة لتغيير الوضع بذل الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، جهودًا متعددة، بما في ذلك أداء ثماني رحلات إلى أفريقيا (والتي كان آخرها في عام 2015 عندما زار كينيا وإثيوبيا). ولكن هذه الجهود لم ترقَ إلى مستوى إستراتيجيات منافسي واشنطن، وخاصة الصين، بينما أضعفت إدارة دونالد ترامب تلك المكاسب الأميركية القليلة المحققة بتجاهله أأفريقيا.

وقد حاول الرئيس بايدن استعادة الزخم، حيث أدى مسؤولون أميركيون كبار بين عامي 2021 و2024 زيارات مختلفة إلى القارة، بمن في ذلك “أنتوني بلينكن” وزير خارجية الولايات المتحدة الذي حاول خلال زياراته المتعددة طمأنة المسؤولين الأفارقة بأن إدارة “بايدن” ستنظر إلى أفريقيا كشريك متساوٍ، على النقيض من الإدارات الأميركية السابقة. ونظّمت إدارة بايدن في الفترة من 13 إلى 15 ديسمبر/ كانون الأول 2022 قمة جمعتها مع زعماء 49 دولة أفريقية، بالإضافة إلى رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي.

وهناك رحلة أخرى في مارس/ آذار 2023 من قبل نائبة الرئيس “كامالا هاريس” إلى غانا وتنزانيا وزامبيا، والتي أعلنت خلالها عن حشد أكثر من 8 مليارات دولار من الاستثمارات من القطاعين؛ العام والخاص في الإدماج الرقمي، وتمكين المرأة والأمن المناخي والغذائي في جميع أنحاء القارة. إضافة إلى الرحلات الأخرى التي شملت أعضاء في مجلس الوزراء ورؤساء الإدارات والوكالات الحكومية الأميركية إلى أكثر من 20 دولة أفريقية على مدار عام 2023.

وعليه، فإن الفجوة الكبيرة بين زيارة أوباما الأخيرة، ورحلة بايدن إلى أنغولا لم تكن مؤشرًا فقط على حالة العلاقات الأميركية الأفريقية؛ بل هي تناقض التصريحات الرسمية الأميركية حول أهمية أفريقيا، وخاصة أن بايدن نفسه الذي كرّرت إدارته في تصريحاتها المختلفة أنها “مهتمة” بمستقبل أفريقيا، لم يزر أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى إلا في نهاية رئاسته وبعد تأخيرات متعددة.

زيارة بايدن وتراجع الاهتمامات الأفريقية بالعلاقات مع واشنطن

لم تحظَ زيارة بايدن برخوة أو نشوة داخل أفريقيا، حيث يلاحظ بين الزعماء الأفارقة أن هناك شعورًا بالتنافر بين خطاب واشنطن وأفعالها، وهو عزّز تحركاتهم إلى تنويع علاقاتهم مع حلفاء دوليين جدد، ويوحي بأن زيارة بايدن أقل أهمية في السياق العام والأوسع للقارة الأفريقية.

ورغم أن واشنطن تدفع إلى حصول أفريقيا على مقعد دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وهي خطوة راهنت عليها إدارة بايدن كثيرًا لترويض زعماء دول أفريقيا، فإن الخطوة أثارت غضب الذين رأوا أن منح قارة أفريقيا مقعدًا دائمًا دون حق النقض يشبه إبعادهم إلى فئة الدرجة الثانية، أو تقييد القارة بأكملها لتصبح دولها مجرد متفرج أثناء قرارات مجلس الأمن التي تؤثر على حياة شعوبها.

ويضاف إلى ما سبق أن اهتمام واشنطن المفاجئ بأفريقيا في السنوات الأخيرة نابع من ممارسات مختلفة لدول القارة البالغ عددها 54 دولة لقلب الموازين لصالح حلفائها في الأمم المتحدة والشؤون العالمية المختلفة والمنافسات الجيوسياسية بين القوى العالمية.

إضافة إلى الفوائد الاقتصادية التي يكسبها منافسو واشنطن في أفريقيا، وخاصة المعادن الحيوية، مثل: النحاس والكوبالت والليثيوم، والتي أصبحت مطلوبة بشدة على المستوى الدولي؛ لدورها الحيوي في إنشاء تكنولوجيا الطاقة الخضراء وأجهزة التشغيل. ولذلك، ركزت إدارة بايدن جهودها منذ ديسمبر/ كانون الأول 2022 على دول أفريقية قليلة قادرة على توفير احتياجاتها لهذه الموارد.

جزيرة الرأس الأخضر: شريك واشنطن غير الملحوظ

إن توقف “بايدن” القصير في الرأس الأخضر (للتزود بالوقود) قبل مواصلة رحلته إلى أنغولا، يسلط الضوء على أهمية هذه الدولة الجزرية بالنسبة للولايات المتحدة؛ إذ كانت البلاد إحدى الدولتين الأفريقيتين الوحيدتين (الدولة الأخرى هي ساو تومي وبرينسيبي) اللتين أدانتا روسيا في أزمتها مع أوكرانيا في الجمعية العامة للأمم المتحدة. وهذا التحرّك دعم الموقف الأميركي ضد روسيا في أفريقيا، وأكسب الرأس الأخضر ثناءً من واشنطن مع زيارة من أنتوني بلينكن في يناير/ كانون الثاني من هذا العام.

ومن الناحية الإستراتيجية؛ تقع دولة الرأس الأخضر في منتصف شمال الأطلسي، وعند مفترق طرق يربط بين القارات الثلاث الكبرى – أميركا وأفريقيا وأوروبا-، وهي أيضًا محور عبور بين أميركا الجنوبية وأوروبا الوسطى. إضافة إلى وقوعها على بعد حوالي 350 ميلًا من ساحل غرب أفريقيا، مما يمنحها ميزة خاصة في القارة، بما في ذلك علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة في مجالات تشمل التعاون الدفاعي وبرنامج تدريب مشترك؛ لتبادل الخبرات، مع نشر قاعدة بحرية استكشافية أميركية في البلاد.

أنغولا والمصالح الاقتصادية الأميركية

إن إصرار بايدن على زيارة أنغولا قبل أسابيع فقط من تسليمه الرئاسة الأميركية لدونالد ترامب، يمثل ذروة التقارب بين الدولتين، وخاصة أن أنغولا واحدة من الدول الأفريقية القليلة التي تسفر جهود إدارة بايدن وزيارات مسؤوليها عن نتائج كبيرة.

وكانت البلاد بحلول القرن التاسع عشر أكبر مصدر للعبيد في الأميركتَين، ولها تاريخ مشحون بالصراع مع الولايات المتحدة عندما كانت الدولتان على جانبين متعارضين من الحرب الباردة، حيث لم تفتح أنغولا والولايات المتحدة سفارتَيهما ولم تتبادلا المبعوثين إلا في عام 1993.

ويضاف إلى ما سبق، أن جعل بايدن مشروع توسيع “ممر لوبيتو” محور زيارته وحضور قمة في ميناء لوبيتو الأنغولي مع زعماء أنغولا والكونغو الديمقراطية وزامبيا –وهي دول استهدفتها واشنطن مؤخرًا-؛ كل ذلك يؤشر على أن واشنطن مستعدة لجعل أنغولا بوابةً لعودتها الإستراتيجية في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، ولاعبًا رئيسيًا في مساعي تحقيق محاور طموحاتها ومصالحها الاقتصادية.

ومن المزايا التي تحظى بها أنغولا، أنها واقعة في جنوب غرب أفريقيا، وهي واحدة من الممرات البحرية الرئيسية التي تربط وسط وجنوب أفريقيا، مما يضعها في موقع إستراتيجي يسمح بوصول حلفائها الغربيين إلى مواقع تعدين مهمة في وسط أفريقيا وشرقها وجنوبها.

بل وتعدّ أنغولا ثاني أكبر منتج للنفط في أفريقيا، ويعتمد اقتصادها على تعدين النفط والألماس، كما تمتلك احتياطيات كبيرة من خام الحديد في جنوب غربها، إلى جانب الكميات التجارية من المعادن الأخرى، مثل: النحاس والمنغنيز والذهب والفوسفات واليورانيوم والفلسبار والبلاتين، مع توقع وجود احتياطيات كبيرة من المعادن النادرة، مثل: الكوبالت والليثيوم في المناطق الكبيرة غير المستكشفة في البلاد.

وتستثمر الشركات الأميركية في قطاع النفط والغاز الأنغولي، إلى جانب مشاريع أخرى أُعلِن عنها أثناء زيارة بايدن والتي تشمل صوامع الحبوب والبنية التحتية اللوجيستية. وتتاجر أنغولا أيضًا مع الولايات المتحدة الأميركية منذ عام 2004 تحت المبادرة الأميركية المعروفة باسم: “قانون النمو والفرص في أفريقيا”.

وتعد البلاد رابع أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، حيث بلغ إجمالي التجارة الثنائية بينهما حوالي 1.77 مليار دولار في عام 2023.

ومما يعطي أنغولا ميزة أكبر كونها مستقرة سياسيًا منذ نهاية الحرب الأهلية في عام 2002، كما تشهد البلاد بعض التحسينات تحت إدارة جواو لورنسو، منذ أن تولى رئاسة البلاد في 26 سبتمبر/ أيلول 2017، حيث عملت على تنفيذ برنامج إصلاح اقتصادي؛ لزيادة الاستقرار الاقتصادي الكلي، وتعزيز حوكمة القطاع العام، وجذب مستويات أعلى من الاستثمار الأجنبي المباشر.

وتعزز مكانة أنغولا الإقليمية وساطاتها، بما في ذلك مبادراتها لتهدئة الوضع المتوتر بين الكونغو الديمقراطية ورواندا، وإنهاء الصراع في شمال كيفو.

وهذا الدور قد يكون مفيدًا لتحركات واشنطن في المنطقة، وخاصة أن الشركات الأميركية تتنافس على الوصول إلى الموارد المعدنية الحيوية في الكونغو الديمقراطية المجاورة.

ومع ذلك، فإن التأثير الإقليمي الكبير الذي تتوقعه الولايات المتحدة من جلب أنغولا إلى صفّها قد يواجه تحديات مختلفة، وذلك بسبب الانقسام بين النخبة السياسية الحاكمة في البلاد، حيث توجد معسكرات متعددة، بمن في ذلك الأنغوليون من أصل برتغالي، والجنرالات قدامى المحاربين، وضباط الأمن من أجهزة الاستخبارات وغيرهم، والموظفون المدنيون المناهضون للإمبريالية والمتدربون في كوبا.

توسيع “ممر لوبيتو” والمشاركة الأميركية الجديدة

يمثّل مشروع “ممرّ لوبيتو” الطموح نموذجًا للمشاركة الأميركية الجديدة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.

ويعضد هذا التطورات المتسارعة المرتبطة بالمشروع؛ حيث وقعت واشنطن في أكتوبر/ تشرين الأول 2023 مذكرة تفاهم مع حكومات أنغولا والكونغو الديمقراطية وزامبيا والمفوضية الأوروبية، إلى جانب بنك التنمية الأفريقي، ومؤسسة التمويل الأفريقية، وذلك لتطوير وتوسيع الممر.

وتبع ذلك أيضًا زيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى أنغولا في يناير/ كانون الثاني الماضي، كما احتفلت الولايات المتحدة وأنغولا في 20 مايو/ أيار 2024 بتوقيع الاتفاقيات النهائية لتمويل ثلاثة مشاريع بنية تحتية رئيسية في الممر تحت مبادرة ” الشراكة من أجل البنية التحتية والاستثمار العالمي”، (PGI)، والتي يبلغ مجموعها أكثر من 1.3 مليار دولار للطاقة النظيفة والاتصال اللاسلكي والبنية التحتية للنقل.

وقد بُني “ممر لوبيتو” في الأصل من قبل الحكومات الاستعمارية لنقل المواد الخام من المنطقة إلى المحيط الأطلسي. وتسعى جهود التطوير الأميركي إلى أن يربط الممر الدولتين ذات الموارد الإستراتيجية –وهما زامبيا والكونغو الديمقراطية– بميناء لوبيتو الأنغولي عبر السكك الحديدية، وذلك لتجاوز الازدحام على طريق النحاس والكوبالت. وهناك خطة أيضًا لتوسيع الممر ليشمل تنزانيا، مما يجعل المشروع الخطوة الأولى لإنشاء خط سكة حديدية جديد عابر للقارات يربط بين المحيطين؛ الأطلسي والهندي.

في سياق المنافسة الأميركية الصينية

تؤشر زيارة بايدن إلى أنغولا إلى أن واشنطن توجّه تحركاتها في أفريقيا جنوب الصحراء؛ بهدف مزاحمة الصين، بدءًا من المناطق المعدنية الإستراتيجية التي تهيمن بكين عليها، مرورًا بتوفير بدائل للاستثمار الصيني التي يقول الغرب إنها تُدْخِل الدول الأفريقية تحت شبكة “الديون الساحقة لأجيال قادمة”. وتتضح هذه الصورة في أن ديون أنغولا للصين تبلغ 17 مليار دولار، أي ما يقرب من 40% من إجمالي ديون البلاد.

وباعتبار أن الرئيس الأنغولي لورنسو صرّح في لواندا، أثناء لقائه بنظيره الأميركي الزائر بادين، بأن ما تريده أنغولا من واشنطن هو جذب الاستثمار الأجنبي، وتحسين العلاقات الدفاعية والأمنية؛ فإن أنغولا قد تكون أيضًا ضمن خطة واشنطن العسكرية والتي أثيرت منذ شهور لتأمين وجود إستراتيجي دائم في خليج غينيا –محور التنافس الجيوسياسي العالمي- وجنوب المحيط الأطلسي، وذلك لأن أنغولا واقعة على الحافة الجنوبية لخليج غينيا التي تعد مدخلًا كبيرًا للمحيط الأطلسي قبالة الساحل الغربي لأفريقيا.

على أن زيارة واحدة من بايدن في آخر رئاسته، وسياسة خارجية غير مصممة وَفق المصالح الاقتصادية الأميركية؛ قد لا تكون كافية لاستدراك واشنطن الصين في القارة ومنافستها على النفوذ الاقتصادي، وذلك لأن الصين أكبر شريك تجاري للقارة، حيث خصصت ما يقرب من 2 تريليون دولار للاستثمارات ومشاريع البناء منذ عام 2005، وتهيمن على رواسب هائلة من المعادن النادرة الأساسية لتصنيع المركبات الكهربائية، وتقنيات الدفاع الحديثة قبل الولايات المتحدة الأميركية.

ويتوقع دخول اتفاقية التعريفة الجمركية الصفرية التي تمنحها الصين للدول الأقل نموًا في أفريقيا، حيز التنفيذ في ديسمبر/ كانون الأول 2024.

وتكشف العلاقات الاقتصادية بين أنغولا والصين أن واشنطن ستحتاج إلى مبادرات متنوعة هائلة وسياسات منسقة لعدة سنوات قبل التفوق على الصين؛ إذ استثمرت الشركات الصينية أكثر من 12 مليار دولار في أنغولا على مدى العقد الماضي لبناء القنوات والسكك الحديدية والبنية الأساسية الأخرى كجزء من “مبادرة الحزام والطريق”.

وللتصدي لهذا طرحت إدارة بايدن في يونيو/ حزيران 2021 مبادرة “إعادة بناء عالم أفضل” كبديل لمبادرة “الحزام والطريق” الصينية. ولكن بايدن واجه صعوبات في تنفيذ الأجندة المحلية لمبادرته، فأعاد تسميتها إلى “الشراكة من أجل البنية الأساسية والاستثمار العالميين”، والتي من بين مشاريعها الرائدة توسيع “ممر لوبيتو”.

ويبدو في تحركات الولايات المتحدة المختلفة وتصريحات بعض مسؤولي إدارة بايدن، أن واشنطن بدأت ترى أن معالجة الفجوة في علاقاتها مع أفريقيا تتطلب مقاربة جديدة وفهمًا سليمًا للقضايا التي تهم الأفارقة.

وقد أكّد الرئيس الأنغولي لورنسو على هذا في تصريحه مع بايدن في لواندا، حيث أثار الحاجة إلى تجاوز علاقات الحرب الباردة (عندما كان الدعم الأميركي موجهًا لأحد الفصائل المسلحة في الحرب الأهلية الأنغولية، والتي كانت أيضًا بمثابة الصراع بالوكالة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي).

وهناك إشارات بأن أنغولا أيضًا غير مستعدة للاعتماد بشكل كامل على الولايات المتحدة لتحقيق طموحاتها الاقتصادية ومبادراتها التنموية؛ إذ في مارس/ آذار من هذا العام أدى الرئيس الأنغولي لورنسو زيارة رسمية إلى الصين نتج عنها رفع مستوى العلاقات بين البلدين إلى “شراكة تعاونية إستراتيجية شاملة”.

وفي عامي 2018 و2023 أدى وزير الخارجية الروسي “سيرغي لافروف” زيارتين إلى أنغولا، أشاد في إحداها بـ”الموقف المتوازن” لأنغولا في الشؤون الدولية، متعهدًا بالتزام روسيا بتنمية البلاد في جميع المجالات.

خاتمة

إن زيارة بايدن تؤشر إلى أنه يحاول جعل أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى جزءًا من إرثه الرئاسي، كما أن تركيز الجهود على أنغولا وتوسيع “ممر لوبيتو” قد يساعدان واشنطن على الشعور بالرضا والتقدم فيما يتعلق بمصالحها الاقتصادية في القارة، وخاصة بعد تراجع وجودها في منطقة الساحل.

ومع ذلك، فإن زيارة واحدة فقط قد لا تكفي لترك “بصمة أفريقية” قوية. كما أن عودة دونالد ترامب كرئيس للولايات المتحدة في يناير/ كانون الثاني 2025 قد لا تُرجِع مكاسب واشنطن تحت إدارة بايدن، وذلك لاحتمال أن تكون إدارته غير راغبة في مواصلة جهود بايدن بالنظر إلى اهتمام ترامب غير المواتي بأفريقيا في ولايته الأولى، وتصريحاته المعادية للقارة.


د. حكيم نجم الدين | كاتب وباحث نيجيري
اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

عاجل