محمود عبّاس.. جنرال الجنرالات

وائل قنديلمنذ 6 ساعات
وائل قنديل

هل ثمة فروق كبيرة بين مسار خطة الجنرالات في غزّة ومسار خطة محمود عبّاس في الضفة الغربية وغزّة معاً؟… تجيبنا أحداث مخيم جنين، التي تخوض فيها قوات أمن عبّاس قتالاً ضارياً ضدّ فصائل المقاومة، فتقول إن ما يدور في جنين ومخيّمها لا يختلف من حيث الفكرة والتطبيق عما يدور في غزّة، شمالها وجنوبها، حيث الهدف يكاد يكون واحداً، استئصال المقاومة هنا وهناك، كما أن الشعار المرفوع لا يختلف مضموناً ومنطوقاً في الحالتَين، إذ تحارب سلطة عبّاس المقاومة تحت شعار”حماية وطن”، كما تبيد قوات الاحتلال الصهيوني غزّة بزعم “تأمين حدود الوطن أيضاً”، والقضاء على أيّ أخطار تهدّده حاضراً ومستقبلاً.

اللافت أن اشتعال عباس وسلطته الأمنية الباسلة بالحماسة للقضاء على أيّ مظهر من مظاهر مقاومة الاحتلال في الضفة، يتزامن مع تصاعد منسوب التفاؤل بالاقتراب من صفقة توقف القتال في غزّة، وتقود إلى البدء في إعادة تأهيل القطاع للعودة إلى الحياة، من خلال عملية تمضي في الاتجاهَين: الأول إدارة القطاع سياسياً وأمنياً، والثاني إعادة الإعمار، وهي الصفقة التي تحاصر بنيامين نتنياهو بالضغوط من إدارة بايدن، قبل الرحيل عن البيت الأبيض، والداخل الإسرائيلي، والوسطاء، بحيث بدا مجرم الحرب الصهيوني للمرّة الأولى مضطرّاً لإبداء بعض المرونة والاستعداد .

 في كلّ مرة، كان نتنياهو يطلق الرصاص على أيّ محاولة لوقف العدوان في غزّة، حتى صار العنوان الثابت في كلّ جولة “نتنياهو أفشل الصفقة”. أمّا في هذه المرّة فقد حدث تبادل أدوار، ليتولى محمود عبّاس مهمّة إفشال الصفقة، التي بدأ التفاوض بشأنها في القاهرة، من خلال ما تسمّى “المبادرة المصرية”، التي رفعت سقف التفاؤل، ووافقت عليها فصائل المقاومة ممثلة في “حماس”، على الرغم من الملاحظات حولها. وفي ذلك استضافت القاهرة مباحثات بين المقاومة (حركتي حماس والجهاد)، وسلطة عبّاس، بشأن إدارة غزّة فيما بعد العدوان الصهيوني، فلم يكن من عبّاس إلا أن تصرّف على طريقة نتنياهو كي ينسف ما بُني، وبحسب تقرير”العربي الجديد”، فقد “فاجأ رئيس السلطة الفلسطينية محمود عبّاس المسؤولين في مصر، بموقف متشدّد إزاء المبادرة المقدّمة من القاهرة لتشكيل لجنة الإسناد المجتمعي لإدارة قطاع غزّة، ضمن المساعي الرامية إلى التوصّل إلى إنهاء الحرب في القطاع”. وعلم “العربي الجديد” أنه رغم إعلان حركة حماس موافقتها الرسمية على المبادرة المصرية بكامل تفاصيلها، رغم الملاحظات السابقة عليها، إلّا أن عبّاس أبدى رفضاً قاطعاً لتشكيل اللجنة، على الرغم أيضاً من إبداء وفد حركة فتح موافقته المبدئية خلال جولة المفاوضات التي احتضنتها القاهرة أخيراً، بحضور المسؤولين بجهاز المخابرات العامة المصرية.

في التفاصيل، أرجع عبّاس رفضه التصديق على الاتفاق، والدعوة إلى انعقاد اجتماع الفصائل الفلسطينية في القاهرة للتوافق حول تشكيل اللجنة، إلى اعتراضه على وجود أيّ دور لحركة حماس في الإشراف على إدارة القطاع، مؤكّداً أن دورها من المفترض أن ينتهي بعد ما حدث من تدمير للقطاع، وفقاً لما تقول مصادر مصرية، إن عبّاس نقله إلى مسؤولين في القاهرة.

هنا، لا يمكن الفصل بين هذا الموقف الاستراتيجي لمحمود عبّاس من حركة حماس، الرافض وجودها سياسياً أو إدارياً، والحرب على المقاومة التي تشنّها قوات أمن السلطة ضدّ فصائل المقاومة في جنين، وتخوضها من دون هوادة، وبروح استئصالية واضحة، تشي بأنها في صراع وجود معها، وهي الفلسفة ذاتها التي يخوض بها جنرالات الاحتلال حربهم ضدّ المقاومة في غزّة. وفي هذه النقطة تحديداً، تتجلّى عقيدة “التنسيق الأمني”، التي يعتنقها محمود عبّاس ورجاله، ويستمدّون بقاءهم منها، وهو الأمر الذي جعل قادة العدو يرون في السلطة الفلسطينية جزءاً من منظومة تأمين إسرائيل.

في أغسطس/ آب الماضي ومع اجتياح قوات الاحتلال الصهيوني مدن الضفة الغربية ومخيّماتها للقضاء على فصائل المقاومة، كنا نتساءل بسذاجة: أين دور قوات السلطة الفلسطينية في الدفاع عن الشعب الفلسطيني؟ وكانت الأحداث تجيب ببلاغة بأن المواطن الفلسطيني يستفيق مجدّداً على واقعٍ شديد القسوة يقول، إن هؤلاء الخمسة وأربعين ألفاً من الرجال المسلّحين، الذين يسمّون قوات أمن السلطة الفلسطينية، يمثّلون قوة إضافية للاحتلال، إذا كان هؤلاء أنفسهم يطاردون المقاومين، والإبلاغ عنهم، وقمع المتعاطفين معهم، بل والطعن في شرف أمهاتهم، كما أن هذا الواقع الكريه هو حصاد 21 عاماً من “أوسلو”، التي أخرجت السلطة الفلسطينية من حسابات القدرة النضالية ضدّ الاحتلال.

هذه المرّة، يبدو محمود عبّاس متفوّقاً على نتنياهو في العداء للمقاومة، والإصرار على الذهاب في معركة الإبادة مدى الحياة.


وائل قنديل | صحافي وكاتب مصري
اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

عاجل