طوفان الأقصى.. هل كان ذا جدوى وهو بهذه الكلفة؟

د. نايف بن نهارمنذ 5 ساعات
د. نايف بن نهار

لا يمكن الحكم على تجربة بأنها ناجحة أو فاشلة إلا إذا اتفقنا على المعيار الذي نحكم به، فمثلاً قد تجد شخصًا يبتذل نفسه ويسترخصها كي يصل إلى منصب فإذا وصل رأى نفسه ناجحا، لأن معيار النجاح عنده هو الوصول بحد ذاته. وهناك شخص يرى ذلك فشلاً؛ لأن معيار النجاح عنده هو الحفاظ على كرامته، هكذا نجد اختلاف المعايير يؤدي إلى اختلاف الأحكام.

طبق الأمر نفسه على طوفان الأقصى، الحكم عليه يعتمد على المعيار الذي تحكم به، والذين ينتقدون الطوفان اليوم يحكمون عليه بمعيار الكلفة، فبما أن الكلفة عالية فهي بنظرهم عملية خاطئة. لكن معيار الكُلفة ليس صحيحًا دائمًا، بدليل أن الجميع اليوم سعيد بانتصار الثورة السورية رغم أن كلفتها أكبر من كلفة غزة بأضعاف مضاعفة، والجميع يفخر بالثورة الجزائرية التي كانت كلفتها أكبر بكثير من كلفة غزة، والجميع يعد الاتحاد السوفيتي منتصرًا حين طرد النازيين مع أن الاتحاد السوفيتي خسر عشرين مليون إنسان!

ثم لو كنا سنحكم بمعيار الكُلفة فهذا يعني أن إسرائيل لو احتلت أي بلد عربي فالواجب ألا يقاومها أحد، لأن مقاومتها سيكون لها كُلفة كبيرة على أرواح الناس، وهكذا نجد أن معيار الكلفة يقودنا إلى خيار وحيد أمام إسرائيل، وهو خيار الاستسلام.

ثم لماذا نتحدث عن كلفة الحرب ولا نتحدث عن كلفة السلام؟ الضفة الغربية خسرت أكثر من أربعين بالمئة من مساحتها بسبب السلام، و800 ألف محتل صهيوني استوطن الضفة بسبب السلام، فلماذا تهمنا كُلفة الحرب ونتهرب من الحديث عن كلفة السلام؟

هل الكلام السابق يعني أن الكلفة ليست مهمة؟ لا شك أنها مهمة وجوهرية، لكن يجب أن نضيف لها معيارًا آخر، وهو معيار الجدوى، فالكلفة إذا لم تكن لها جدوى مناسبة فإنها مجرد طيش وعبث.

فهل كان الطوفان مجديًا في مشروع استنزاف الكيان الصهيوني؟

حول هذا السؤال ينبغي أن يكون نقاشنا جميعًا، وشخصيًا أرى أنها كانت ذات جدوى عالية فعلاً، ويمكن أن نذكر عشرات الأسباب التي تثبت هذه الجدوى، وقد اعترف الصهاينة أنفسهم بكثير منها، لكن الجدوى المركزية في اعتقادي هو أن الطوفان وضع إسرائيل على مسار الانحدار بشكل عملي، فأن تضرب المقاومة عمق الأمن الإسرائيلي بما يؤدي إلى أكبر هجرة في تاريخ إسرائيل، ثم تحشد إسرائيل كل قوتها وبدعم مطلق من القوى الغربية لمدة سنة ونصف، ثم بعد ذلك كله تخرج المقاومة صامدة ومتماسكة وكأن الحرب كانت يومًا أو بعض يوم، هذا كله لهو أكبر ضربة حقيقية لإرادة البقاء للمجتمع الصهيوني، وأكبر ضربة لإرادة القتال للمؤسسة العسكرية، وحين تضرب إرادة البقاء وإرادة القتال معًا فأنت عمليًا تكون قد وضعت إسرائيل على مسار التدحرج من القمة.


د. نايف بن نهار | كاتب وأكاديمي، مدير مركز ابن خلدون للعلوم الاجتماعية والإنسانية في جامعة قطر.
اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

عاجل