كاينابريس – إحسان الفقيه(*)
تدثرت الحركة الصهيونية منذ نشأتها برداء اليهودية لدفع اليهود إلى الاستيطان في فلسطين تحت شعار أرض المعاد، على الرغم من أن أساطين الصهيونية كانوا علمانيين إلحاديين.
وإلى اليوم لا يتخلى الكيان الصهيوني عن هذا الرداء، لأن التخلي عنه بمثابة تهديد وجودي لهذه الدولة اللقيطة، ولذا لم تنفك عرى ثنائية السياسة والدين داخل دولة الاحتلال.
إضافة إلى ذلك، فإن الاحتلال الصهيوني يتخذ من الدين ورقة تهديد لكل من يتصدى لسياساته تحت مظلة معاداة السامية، وليس أدل على ذلك من خطاب نتنياهو العدائي للحراك الطلابي داخل الجامعات الأمريكية تنديدا بالمجازر التي يرتكبها الاحتلال بحق قطاع غزة، حيث استخدم هذه الورقة مجددا، واتهم الطلاب بمعاداة السامية.
ولطالما جاهدت الأقلام لتعزيز فكرة الفصل بين الصهيونية واليهودية، لكن الضوضاء الصهيونية عالية قامت بالتشويش على هذه الفكرة، فمعركتنا كأمة عربية وإسلامية مع الكيان ليس باعتبار الديانة اليهودية، وإلا فهناك في معظم البلدان العربية أقليات يهودية تعيش في سلام مع بقية مكونات المجتمعات، ولم يحاسبها أحد بما يرتكبه الكيان الإسرائيلي من جرائم، إنما معركتنا مع هؤلاء المحتلين الذين اغتصبوا الأرض وقمعوا أهلها.
لكن الحرب على غزة، قد كفت الجميع شأن البيان، وخلعت عن الصهيونية رداءها اليهودي على مرأى ومسمع من العالم أجمع.
ظهر الحراك الجاد لشرائح اليهود المتدينين التي تندد بالجرائم الإسرائيلية وتتبرأ منها، فمن صميم معتقدات هذه الفئة أنه لا يجوز وفقا للشريعة اليهودية أن تقوم لليهود دولة تجمعهم، لأنهم قد كُتب عليها الشتات في الأرض، وأي محاولة لتجميعهم في دولة واحدة بالقوة إنما هو معارضة للإرادة الإلهية.
ومن الجماعات التي تمثل هذه التوجه، حركة ناطوري كارتا، وهي حركة دينية يهودية مناهضة للصهيونية، نشأت في فلسطين المحتلة وعارضت قيام دولة صهيونية، ويقدر عدد عناصرها بعشرات الآلاف، أكثرهم يعيش في نيويورك.
كذلك، الجرائم الإسرائيلية التي يشاهدها كل بيت في العالم، دحضت المظلوميات الإسرائيلية التي تروج لأن العرب يضطهدون الشعب اليهودي. هذه المظلوميات قد انطلت على شعوب العالم في السابق قبل ثورة تكنولوجيا الإعلام وتحول العالم إلى قرية صغيرة بتعبير المنظّر الإعلامي الكندي مارشال ماكلوهان، خلافًا لما عليه العالم اليوم، فالجماهير صارت ترى بوضوح من هو الجزار ومن هو الضحية.
لم يعد الإعلام الصهيوني القائم على الدعايات المزيفة والإشاعات والتنميط، قادرا على تجاوز وعي الشعوب، ولم يعد خطابه الديماغوجي – الذي يصور الصراع على أنه عداء العرب والمسلمين لليهود- ذا تأثير في العالم الذي كشف حجم وحشية هذا الكيان الذي لا يعرف سوى النهب والسلب والقتل والتدمير. لقد أصبحت الصهيونية عارية من اليهودية، وتلك فرصة تاريخية لنا لتعزيز فكرة الفصل بين الصهيونية واليهودية التي استغل الصهاينة الدمج بينهما، وهذا من شأنه أن يزيد من عزلة هذا الكيان المحتل عالميًا، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
(*) كاتبة أردنية، باحثة في التاريخ والعقائد.