كاينابريس – إحسان الفقيه(*)
يقول المثل العربي السائر: «كلٌّ يبكي على ليلاه»، لكن نستطيع أن نضيف إليه كذلك «كلٌّ يفرح لليلاه»، وشتان بين ليلى وليلى، ففي الوقت الذي تقيم بعض الجماهير الأفراح ابتهاجا بفوز إحدى الفرق في مباراة للكرة، أو الرقص فرحا في مهرجان غنائي، هناك جمهور ذو طابع خاص، يقيم أفراحا تتناسب مع اهتماماته وقضاياه العظام.
عمّت مظاهر البهجة والفرحة في المدن الفلسطينية، بعد إعلان كتائب القسام، أسر عدد من جنود الاحتلال، خلال عملية جرت في مخيم جباليا في شمال غزة عصر السبت. مآذن المساجد صدحت بالتكبيرات، وأعيد عبر مكبرات الصوت خطاب «أبو عبيدة» الناطق باسم كتائب القسام، الذي أعلن فيه عن العملية، وخرج الناس بالسيارات بعد إعلان نبأ الكمين، يجوبون أرجاء المدن ابتهاجا بهذا النصر.
تضمن خطاب «أبو عبيدة» الحديث عن تمكّن عناصر المقاومة من الإيقاع بالقوة الإسرائيلية، في كمين داخل النفق وعند مدخله، وتمكنوا من الاشتباك مع أفرادها من المسافة صفر، كما هاجمت عناصر المقاومة قوة الإسناد الإسرائيلية بعبوات ناسفة، مؤكدا أن عناصر القسام أوقعوا جميع أفراد القوة بين قتيل وجريح وأسير، واستولوا على العتاد العسكري لها، ثم بثت القسام تسجيلا مصورا بعد كلمة «أبو عبيدة»، يظهر فيه سحب جندي إسرائيلي داخل أحد أنفاق جباليا في إطار العملية ذاتها. العملية نالت اهتمام الأوساط السياسية والإعلامية في جميع دول العالم، أكثر من أي عملية قامت بها المقاومة من بعد السابع من أكتوبر، وبالفعل هذه العملية ذات أهمية بالغة تستحق أن تسلط عليها الأضواء، وذلك للأسباب التالية:
أولا: العملية تعزيز للقول بفشل حكومة نتنياهو، فهي تتعلق بأسرى جدد، ومن المعلوم أن تحرير الأسرى الإسرائيليين هو أبرز الأهداف المعلنة التي يسعى جيش الاحتلال لتحقيقها، الذي لم يستطيع تحرير أسير واحد، إلا بموافقة حماس وفقا للمفاوضات، وليس ذلك فحسب، بل إن الفشل بعينه أن يتم أسر قوة جاءت لتحرير أسراها.
ثانيا: وقوع أسرى جدد من جنود الاحتلال بقبضة المقاومة، يعني خلق فرص إضافية لها في أي عملية تبادل أسرى مقبلة، خاصة أن الأسرى من الجيش، وهذا يعني أن العدد المقابل لهم في من الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية خلال الصفقات المقبلة، سوف يكون كبيرا كما هو معلوم، وصفقة الجندي شاليط ما زالت ماثلة، إذ تم الإفراج عن 1027 أسيرا مقابل الإفراج عنه.
ثالثا: مما لا شك فيه أن الشارع الإسرائيلي الثائر ضد حكومة نتنياهو، بسبب قضية الأسرى، سوف يزداد غليانا، وهذا من شأنه أن يمثل مزيدا من الضغط على الحكومة التي أظهرت تعسفها في المقترحات الأخيرة المتعلقة بالأسرى، إضافة إلى أنه سوف يزيد من ضغط المعارضة، التي ترمي إلى إقالة حكومة نتنياهو.
رابعا: تأتي أهمية هذه العملية، أنها حدثت في جباليا الواقعة في محافظة الشمال، وهي مناطق لطالما زعم الاحتلال أنه قضى على المقاومة فيها وقام بالسيطرة عليها، وهذا بلا شك يزيد من رصيد الإخفاق ويزيد من كسر هيبة جيش الاحتلال الذي يفترض أنه الأقوى في المنطقة.
خامسا: العملية سوف تغير من شكل أية مفاوضات محتملة حول وقف إطلاق النار، وبعض الخبراء يرجحون أن هذه العملية دفعت حكومة نتنياهو إلى إعلانها في اليوم نفسه، باستعدادها للذهاب مجددا باتجاه المفاوضات واستعدادها للانسحاب من معبر رفح.
سادسا: في الوقت الذي أعلنت القسام عن الكمين ووقوع الأسرى ووثقت أحد مشاهد الأسر، خرج الاحتلال مباشرة لينفي وقوع أي من جنوده في أسر المقاومة، فدعم الحدث الصورة الذهنية التي ارتسمت منذ اندلاع طوفان الأقصى، من أن إعلام المقاومة دائما يتخذ وضعية الهجوم، مقابل وضعية الدفاع التي يتخذها الإعلام الإسرائيلي، مع الوضع في الاعتبار أن إعلام القسام يراعي الدقة والمصداقية ولم يستطع أحد التشكيك في ذلك، بينما إعلام الاحتلال سقط عدة مرات في وحل التضليل والتزييف والتدليس.
سابعا: جاءت العملية لتزيد من الضغوط على حكومة نتنياهو بعد أن أصدرت محكمة العدل الدولية، أمرا بوقف إطلاق النار في رفح، وبعد إصدار الجنائية الدولية مذكرات اعتقال ضد مسؤولين إسرائيليين.
ثامنا: العملية تثبت أن الأنفاق ما زالت تحتفظ بقدرتها خلافا لما يزعمه الاحتلال الذي يتغنى باكتشاف بعض الأنفاق، مع العلم أن بعض الأنفاق هجومية لها مهمة محددة ثم تستغني عنها المقاومة، كالنفق الذي اكتشفه الاحتلال في معبر بيت حانون، الذي استخدمته المقاومة في بداية طوفان الأقصى.
تاسعا: عملية بهذا القدر من الجرأة والشجاعة التي ظهر بها مقاتلو القسام، وبهذه النتائج المذهلة المتمثلة في وقوع أسرى جدد من الاحتلال، يدحض مزاعم الجيش الإسرائيلي في تقويض قوة المقاومة، فهو رد عملي على أن المقاومة متماسكة، وتضرب في التوقيت وبالشكل الذي تريده، وهذا من شأنه أيضا أن يشعل حماسة المقاومين في المدن الفلسطينية الأخرى، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
(*) كاتبة أردنية، باحثة في التاريخ والعقائد.