يروي الكاتب التونسي المقيم في فرنسا حاتم نفطي أنه خلال زيارة له لبعض الأصدقاء وكانت وقتها إحدى القنوات الفرنسية في تغطية خاصة لعملية تخليص أربعة من المحتجزين الإسرائيليين في غزة، وطوال خمس عشرة دقيقة من هذه التغطية، لم تكن هناك ولا كلمة واحدة تشير بأي شكل من الأشكال للخسائر المدنية الفظيعة في صفوف الفلسطينيين خلال هذه العملية. وخلص الكاتب إلى أنه ومنذ السابع من أكتوبر كان الخطاب الغربي المهيمن في الغرب بسيطا ويتمثل في ما يلي: الفلسطينيون، وبشكل عام غير الغربيين، لا كرامة لهم تضاهي كرامة الغربيين.
عقلية كاملة لم تقف عند الإعلام، سواء الفرنسي أو غيره، وإنما باتت سمة ثابتة لدى أغلب الساسة الغربيين، فقد كان من أوائل المرحّبين بتخليص الرهائن الإسرائيليين الرئيسان الأمريكي جو بايدن والفرنسي إيمانويل ماكرون لكن كليهما لم ينبس ببنت شفة عن زهاء 300 شهيد فلسطيني وزهاء 700 جريح، معظمهم من النساء والأطفال، كحصيلة للعملية الإسرائيلية. اكتفى بايدن، في تصريحاته بباريس، بالتعهّد «بعدم التوقف عن العمل حتى يعود جميع الرهائن إلى ديارهم والتوصل إلى وقف لإطلاق النار» فيما تقدم ماكرون بالتهنئة للرهائن المحررين مكتفيا بالمطالبة بوقف إطلاق النار وحل دائم للقضية الفلسطينية.
وحتى عندما أصدر البيت الأبيض بيانا، فإنه تجاهل تماما سقوط هذا العدد من الفلسطينيين، مكتفيا بالإشارة إلى أن «ماكرون وبايدن يعربان مجددا عن قلقهما البالغ إزاء الأزمة الإنسانية الأليمة في غزة». هنا أيضا، ولا كلمة واحدة عن الضحايا الفلسطينيين في هذه «العملية البطولية» كما يراها الإسرائيليون.
وزير الخارجية الأمريكية قال إنه «يرحب بإنقاذ الرهائن بعد ثمانية أشهر من الأشهر ولن نهدأ قبل استعادة جميع الرهائن» مكررا القول إن «الخطة التي قدمها الرئيس بايدن ستساعد جميع سكان غزة والرهائن المتبقين وعائلاتهم من خلال وقف فوري لإطلاق النار يمكن أن يؤدي إلى إطلاق سراح جميع الرهائن وزيادة المساعدات الإنسانية وإعادة إعمار غزة ووضع حد دائم للحرب».
عقلية كاملة لم تقف عند الإعلام، سواء الفرنسي أو غيره، وإنما باتت سمة ثابتة لدى أغلب الساسة الغربيين، فقد كان من أوائل المرحّبين بتخليص الرهائن الإسرائيليين الرئيسان الأمريكي جو بايدن والفرنسي إيمانويل ماكرون
رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك هو الآخر قال إن «الجميع يشعر بارتياح كبير لاستعادة الرهائن بعد معاناة لا يمكن تصورها» متعهدا «بمواصلة السعي نحو إنهاء القتال وضمان السلامة والأمن للجميع» فيما اعتبر وزير خارجيته ديفيد كاميرون أن «أنباء إنقاذ الرهائن الأربعة ستكون بمثابة ارتياح كبير لعائلاتهم» وأن «أفكاري أيضًا مع عائلات أولئك الذين ما زالوا أسرى، وجميع الأرواح البريئة المتضررة من النزاع» وكلاهما خلت تصريحاتهما من أي إشارة، ولو عابرة وسريعة، إلى من سقطوا من الفلسطينيين في عملية النصيرات.
مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، وهو من تطوّرت مواقفه كثيرا منذ بداية الحرب نحو حد أدنى من إنصاف الضحايا، قال «نشارك عائلات الرهائن الأربعة الارتياح وندعو إلى الإفراج عن جميع الرهائن» دون كلمة هو الآخر عن ضحايا تلك العملية من الفلسطينيين.
المستشار الألماني أولاف شولتس اعتبر استعادة الرهائن الأربعة «بادرة أمل مهمة لا سيما لبقية عائلات الرهائن» مضيفا أنه «يجب على حماس إطلاق سراح جميع الرهائن ويجب أن تنتهي الحرب».. وأيضا لا كلمة واحدة عن الخسائر الفلسطينية الرهيبة.
قد يكون الاستثناء الوحيد الذي شذ عن كل ما سبق هو ما صرحت به المقررة الأممية لحقوق الإنسان في فلسطين فرانشيسكا ألبانيز حين قالت إنه كان من الممكن أن تستعيد إسرائيل جميع أسراها أحياء وسالمين منذ 8 أشهر، لكنها رفضت ذلك وأن العملية ما كان ينبغي أن تأتي على حساب قتل وإصابة هذا العدد الكبير من الفلسطينيين.
إنه مستغرب هذا التجاهل للأرواح الفلسطينية من مسؤولين غربيين كبار، لكنه عادي جدا حين يأتي من الإسرائيليين فقد نقلت «نيويورك تايمز» عن مسؤولين عسكريين أنه» لم يتم تنفيذ العديد من مهام الإنقاذ المقترحة (في السابق) بسبب الخوف من مقتل الرهائن أو القوات خلال تنفيذ العملية» بمعنى أن التكلفة البشرية الفلسطينية لا قيمة لها أصلا ولا تؤخذ في الحسبان، فيما نقلت «وول ستريت جورنال» عن مسؤولين عسكريين إسرائيليين كذلك أن «الخوف الأكبر خلال العملية (الأخيرة في النصيرات) كان يتمثل في أن يقتل الحراس من حماس الرهائن الأربعة بمجرد اكتشاف القوات وهي تقترب». كان ذلك خوفهم الوحيد لكنهم لم يهتموا أبدا بقتل وجرح مئات الفلسطينيين لمجرد التغطية لتحرير أربعة، مما يعني أن كل واحد منهم كلّف 150 فلسطينيا بين قتيل وجريح… وهو بالمناسبة المعدّل اليومي للشهداء منذ 7 أكتوبر.
حتى المحلل السياسي بجريدة «هارتس» جاكي خوري لم يستطع أن يتجاهل هذه المفارقة المستفزة وذلك حين كتب أن رسام الكاريكاتور الفلسطيني علاء اللقطة أجاد التعبير عندما رسم العالم يجلس على أريكة، وهو يشاهد على شاشة التلفزيون المخطوفين الأربعة مبتسمين، وخلفه، بعيداً عن أنظار العالم، أم فلسطينية تبكي أمام جثامين أولادها، من دون أن يعبأ بها هذا العالم.
(*) كاتب وإعلامي تونسي