المفاضلة بين صلاة التراويح في البيت والمسجد

د. قاسم اكحيلات

ذهب بعض العلماء إلى أن صلاة التراويح في البيت أفضل منها في المسجد، فـ«عن مجاهد، قال: جاء رجل إلى ابن عمر قال: أصلي خلف الإمام في رمضان؟ قال: أتقرأ القرآن؟ قال: نعم، قال: أفتنصت ‌كأنك ‌حمار؟ صل في بيتك». [مصنف عبد الرزاق (5/ 13 ط. التأصيل الثانية)].

«وعن نافع رحمه الله: كان ابن عمر رضي الله عنه يصلي العشاء في المسجد في رمضان ثم ينصرف، ونصلي نحن القيام، فإذا انصرفنا ‌أتيته ‌فأيقظته فقضى وضوءه وتسحيره ثم يدخل المسجد فكان فيه حتى يصبح». [مختصر قيام الليل وقيام رمضان وكتاب الوتر (ص. 231)].

وعن مجاهد رحمه الله: «إذا كان مع الرجل عشر ‌سور ‌فليرددها ولا يقوم في رمضان خلف الإمام». [مختصر قيام الليل وقيام رمضان وكتاب الوتر (ص. 232)].

وفي المدونة: «وسألت مالكا عن قيام الرجل في رمضان، أمع الناس ‌أحب ‌إليك ‌أم ‌في ‌بيته؟ فقال: إن كان يقوى في بيته فهو أحب إلي وليس كل الناس يقوى على ذلك، وقد كان ابن هرمز ينصرف فيقوم بأهله، وكان ربيعة وعدد غير واحد من علمائهم ينصرف ولا يقوم مع الناس، قال مالك: وأنا أفعل مثل ذلك». [المدونة (1/ 287)].

وسبب قولهم هذا ما ورد عن ‌زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: «احتجر رسول الله صلى الله عليه وسلم حجيرة مخصفة أو حصيرا، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فيها، فتتبع إليه رجال وجاؤوا يصلون بصلاته، ثم جاؤوا ليلة فحضروا وأبطأ رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم، فلم يخرج إليهم فرفعوا أصواتهم وحصبوا الباب، فخرج إليهم مغضبا، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما زال بكم صنيعكم حتى ‌ظننت ‌أنه ‌سيكتب ‌عليكم، فعليكم بالصلاة في بيوتكم، فإن خير صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة». [صحيح البخاري (8/ 28 ط. السلطانية)].

ولكن قال قوم من العلماء إن صلاته في المسجد أفضل، لقول النبي صلى الله عليه وسلم :«إن الرجل إذا قام مع الإمام ‌حتى ‌ينصرف، ‌حسب له قيام ليلة». [مسند أحمد (35/ 331 ط. الرسالة)].

ومن تأمل المقارنة يجد في كل حالة ما لا يوجد في الأخرى:
فمن صلى في بيته:
– يحصل أصل السنة بالصلاة أوله وأوسطه وآخره، والأفضل بعد نصف الليل.
– يحصل أصل السنة بأي مقدار كان من الليل يكون فيه صلاة، الأفضل قيام داود من نصف الليل إلى أن يبقى سدسه، وذلك سدساه الرابع والخامس، والمراد بالليل الليل الشرعي.
– يحصل أصل السنة بالصلاة قبل النوم أو بعده، والأفضل قيام داود.
– يحصل أصل السنة بالصلاة في المسجد، والبيت أفضل.

أما من صلى في المسجد فيحصل:
– سماع كثير من القرآن.
– وربما كان أخشع لقلبه.
– تحصيل فضل قيام ليلة لمن قام مع الإمام.

ولعل الأظهر أن هذا يرجع لكل إنسان وأحواله، قال ابن عبد البر: «فالأفضل عندي حينئذ حيث تصح ‌للمصلي ‌نيته ‌وخشوعه وإخباته وتدبر ما يتلوه في صلاته، فحيث كان ذلك مع قيام سنة عمر فهو أفضل إن شاء الله، وبالله التوفيق». [التمهيد- ابن عبد البر (5/ 420 ت. بشار)].


د. قاسم اكحيلات | ‏أستاذ علوم الحديث‏ لدى ‏الجامعة الإسلامية بمينيسوتا، فرع المغرب.
اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

عاجل