بالعقل لا بالعضلات!

أدهم شرقاوي20 فبراير 2025
أدهم شرقاوي

يروي «إيسوب»، فيسلوفُ الإغريق الشهير، وقاصُّها البارع، في كتابه «خُرافات»، أنَّ الريح والنوم تنازعا في أيهما أقوى!

ثم اتفقا أن المُنتصر هو مَن يستطيعُ أن ينتزعَ الرغيف من يدِ هذا الصبيِّ المُتسوِّل!

حاولت الريحُ أولاً، فكانت تهبُّ بجنون وغطرسة، وتحملُ الصبيَّ، وتُلقيه أرضاً علَّه يترك الرغيف، ولكن الصغير كانَ جائعاً إلى درجةِ أنه حضنَ الرغيف إلى صدره، وقررَ أن كسر عظامه أهون عليه من تركِ الرغيف! وبعد محاولاتٍ عديدةٍ ويائسةٍ، قررتْ الريح أن تتوقف، لا جَدوى من المحاولة!

عند ذلك حانَ وقت النوم ليجرِّب قوته، فتقدَّمَ من الصبيِّ بهدوء، وأخذَ يمسحُ على رأسه بحنان، وما هي إلا دقيقة حتى كان يغطُّ في نومٍ عميقٍ وقد أفلتَ الرغيف من يده!

عندها أخذَ النومُ الرغيف، ورفعه عالياً، وقالَ للريح: أينا أقوى؟!

أدارتْ الريح ظهرها معترفةً بالهزيمة، ومضتْ في سبيلها!

كثيرٌ من مشاكلِ الحياةِ تحتاجُ إلى عقلٍ لا إلى عضلات، وستتعلمُ الكثير إذا لاحظتَ أن العاصفة تستطيع تحطيم سفينة ولكنها لا تستطيع فكَّ عقدة في حبل!

الهدوءُ والاتزانُ يحلان المشكلاتِ بأقلِّ الأضرار، أما العُنف فلو حلَّ المشكلة فإنه سيُؤدي إلى كسرِ أحدِ أطرافِ النزاع، والشخص الذي يبحث دوماً عن كسبِ المواقفِ بدل كسب الناس سيعيشُ نهاية المطاف وحده، ويموتُ وحده!

الهدوءُ والاتزانُ إن لم يحلا المشكلة فعلى الأقلِ لن يؤدِّيا إلى تفاقمها، أما العنف فإن حلَّها فقد كسرَ خاطراً، وإن لم يحلها فاقَمَها!

كانَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم في بيتِ أمنا عائشة، وطبختْ إحدى زوجاته طعاماً واشتهتْ أن تُطعمه منه، فأرسلتْ خادماً له بصحفةٍ إليه.

ولما طرقَ الخادمُ البابَ، وقامتْ عائشة لتفتح، والنبي صلى الله عليه وسلم عندها مع بعض أصحابه، رأتْ المشهد فلم تتمالكْ نفسها من الغيرة، فضربتْ يد الخادم، فوقعتْ الصحفة، وانكسرتْ!

يا له من موقفٍ مُحْرِجٍ لزوج، ويا لمشكلة ستقعُ لو أن الزوج كان واحداً منا، ولكن النبيَّ صلى الله عليه وسلم أخذَ يجمعُ فلق الصحفة، ثم يجعلُ فيها الطعام الذي انسكبَ على الأرضِ ويقولُ لأصحابه: غارتْ أمكم، غارتْ أمكم!

وهكذا وأدَ المشكلة في مهدها!

الهدوءُ والاتزانُ سرُّ اللعبةِ فكونوا هادئين..


أدهم شرقاوي | كاتب فلسطيني
اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

عاجل