كاينابريس – متابعات
أعلنت الجزائر مؤخراً عن افتتاح مصنع ومركز كبير لتجميع السيارات في وهران، غربي البلاد، لشركة فيات الإيطالية التابعة لمجموعة “ستيلانتيس” (Stellantis Group) متعددة الجنسيات، بطاقة إنتاج أولية تبلغ 50 ألف سيارة في السنة. وقد تم بناء المصنع في فترة قياسية لا تتجاوز فترة سنة واحدة، بناء على اتفاق بين المجموعة ووزارة الصناعة الجزائرية، يقضي باستثمار 200 مليون يورو.
وحسب تقرير نشرته “دويتشه فيله” الألمانية تصل الطاقة الإنتاجية للمصنع إلى 90 ألف سيارة في مرحلة أولى، ومن أهدافه تغطية السوق الداخلية، بحكم أن الشركة استوردت قبل الافتتاح 75 ألف سيارة فيات لطرحها في السوق الجزائرية. وشرعت الجزائر مؤخراً في استيراد السيارات الجديدة، كما رخصت باستيراد السيارات المستعملة، وتعد شراكتها مع “ستيلانتيس” الأولى من نوعها في عهد الرئيس عبد المجيد تبون.
لكن الهدف الأكبر هو دعم خطط الجزائر بأن تصل النسبة المحلية من صناعة السيارات إلى 35 في المئة، بدل التجميع فقط، حسب ما أكده المدير التنفيذي لمجموعة “ستيلانتيس” كارلوس تافاريز. كما وعد وزير الصناعة الجزائري علي عون أن يشكل المصنع نقطة انطلاق لـ”صناعة سيارات حقيقية في الجزائر”.
مشاكل كبيرة في القطاع
يعاني قطاع السيارات في الجزائر من مشاكل كبيرة، أهمها غلاء أسعار السيارات، بسبب تقليص وتيرة استيراد السيارات، ومنع استيراد السيارات المستعملة، ومحاولة السلطات التركيز على تغطية السوق الداخلية بالسيارات التي يتم تجميعها في المصانع المحلية لشركات عالمية، وهي الشركات التي حصلت على امتيازات ضريبية كبيرة، وعلى أراض مجانية.
بدأت التجربة مع شركة “رينو” الفرنسية عام 2012 ثم شملت هيونداي الكورية، وفولكسفاغن الألمانية. لكن هذه المصانع لم تدعم الصناعة الجزائرية المحلية ولم تتطور المساهمة الجزائرية في التصنيع، وبقيت جلّ الأجزاء تأتي من الخارج، ويبقى دور المصانع هو التركيب فقط.
كما رصدت السلطات اختلالات مالية كبيرة وحوكم مسؤولون في قضايا فساد على علاقة بهذه المصانع في إطار الحراك الذي عرفته البلاد، ما أدى إلى إغلاق جلّها ووقف الشراكات مع المنتجين الأجانب وطرد العمال، لتنتهي التجربة بإخفاق كبير، دون أن تنعكس على تطوير الخبرات المحلية.
ويرى الخبير الاقتصادي الجزائري عبد الرحمن عية، أستاذ الاقتصاد في جامعة ابن خلدون أن سبب الإخفاق الرئيسي في مصانع السيارات هي طريقة اختيار المستثمرين المحليين. ويقول لـDW عربية: “لم يكن هناك برنامج عمل واضح، وجل هؤلاء كانوا الوجه المالي للنظام السابق، بالتالي لم يكونوا ملزمين بالكفاءة والتنافسية”. ويتابع أن “الشركات الأجنبية حاولت بذل مجهود في تحسين العمل، لكن لمّا عرفت الطريقة التي يتم بها تدبير القطاع في الجزائر، توقفت عن ذلك”.
تنافس مع جار من أهم مصدري السيارات لأوروبا
بجوار الجزائر، يوجد المغرب الذي خطا بشكل كبير في مجال صناعة السيارات، خصوصا الشراكة مع مجموعة رينو الفرنسية التي صنعت في المغرب 350 ألف سيارة في عام 2022، فيما تشير أرقام أخرى إلى أن الرقم الإجمالي للصناعة يصل إلى 400 ألف سيارة في المملكة، يتم تصدير النسبة الأكبر منها إلى حوالي 70 دولة على رأسها دول الاتحاد الأوروبي.
وبحسب أحدث بيانات مركز الإحصاء الأوروبي “يوروستات” أصبح المغرب أحد أهم المصدرين للسيارات إلى الاتحاد بكمية زادت على 329 ألف سيارة خلال العام الماضي 2022، ومقارنة مع عام 2021 بلغت الزيادة في صادرات السيارات نسبة أكثر من 21 بالمائة.
وحسب تصريحات وزير الصناعة المغربي رياض مزور، فقد حقق قطاع صناعة السيارات عام 2022 مبيعات بقيمة 10 مليارات يورو، وذكر الوزير أن 70 في المئة من السيارات موجهة إلى الخارج.
وهناك توقعات بارتفاع أكبر في عدد السيارات المنتجة، بحكم أن مجموعة “ستيلانتيس” أعلنت أنها سترفع حصة إنتاجها في المملكة لـ400 ألف سيارة سنويا في السنوات المقبلة، خصوصا ماركتي بيجو وسيتروين.
كما تشهد نسبة الإنتاج المحلي المغربي للأجزاء ارتفاعا مطردا وبلغت حسب آخر التقارير 69 بالمئة، وفق معطيات رسمية، وبات القطاع يشكل حوالي 16 في المئة من الناتج المحلي.
وتعرف علاقة البلدين الكثير من التنافس، وزادت حدتها بعد قطع الجزائر علاقاتها مع المغرب لخلافات سياسية مستمرة منذ عقود، لكنها تعمقت مؤخرا. ومن أكبر أوجه التنافس مجال التسلح، وكذلك البحث عن تطوير التحالفات الخارجية، ومنها العلاقات الاقتصادية. وترغب الجزائر في تغيير صورتها وتشجيع وجهتها كبلد جاذب للاستثمار الاجنبي، ومؤخراً سنّت قانونا لهذا الغرض.
تقدم مغربي وتجربة جزائرية لم تكتمل
“الجزائر بدأت للتو في المجال، ولا أعتقد أنها ستكون قادر ة على منافسة المغرب على المدى القصير”، يقول الخبير الاقتصادي المغربي زكرياء كارتي لـDW عربية، مضيفاً أن “صناعة السيارات لا تتطلب فقط المصانع، ولكن كذلك انخراط موّردي القطع الذين يرافقون استثمار الشركات الكبرى، والمغرب حاليا يشهد 250 موردا لهذه القطع”.
ويضيف كارتي: “هناك مناخ إيجابي في المغرب لهذه الصناعة، ومن ذلك تكوين الكفاءات البشرية في المجال وتعزيز شبكة الموانئ وتحقيق رقم اندماج محلي كبير (التصنيع المحلي) يمكن أن يصل لـ80 في المئة، كما الصناعة تطوّرت في البلد منذ عقود، وإن سرّعتها مجموعة رينو”، مبرزا أن كل هذه العوامل تجعل من الصعب إجراء مقارنة في الفترة الحالية بين المغرب والجزائر.
لكن عبد الرحمن عية يرى أن الجزائر لا تحتاج للنظر في تجارب أخرى، بحكم أن لها تجربتها الخاصة في صناعة السيارات، ويوضح: “تجربة شركة ‘صوناكوم’ التي كانت تصنع السيارات والشاحنات بجودة عالية في السبعينيات، لدرجة أن المحرك كان يُصنع في قسنطينة، كانت رائدة”.
لكن التجربة لم تكتمل، إذ يوضح: “بعد انهيار أسعار البترول وتدخل صندوق النقد الدولي لجدولة الديون، تم إغلاق المؤسسات التي لا تحقق أرباحا كبيرة، ومنها هذه الشركة، بحكم أنه كان لها طابع اجتماعي بالأساس رغم نجاعة عملها”.
وتحاول الجزائر تنويع الاقتصاد بدل الاعتماد المطلق على قطاع المحروقات، ولم تكن صادراتها تتجاوز خارج النفط والغاز سوى 2 أو 3 بالمئة في سنوات مضت، وترغب برفع النسبة مستقبلاً إلى 22 في المئة، خصوصا في قطاعات كالإسمنت والحديد والمنتجات الزراعية، لكنها كذلك تحاول الاستفادة من موقعها الجغرافي القريب من أوروبا لتشجيع صناعة السيارات.