
على بعد أسبوعين من زيارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إلى الشرق الأوسط، تدور في غير دولة عربية عمليات استهداف لكلِّ ما يمثّل تيار الإسلام السياسي، سواء أكانت قوى سياسية منتظمة في حالة سياسية مستقرّة ومشاركة في السلطة بدرجة أو بأخرى، كما في الأردن ولبنان، أم حركات مقاومة وطنية مسلّحة ضدّ الاحتلال، كما يحرّض الآن محمود عبّاس ضدّ المقاومة الفلسطينية، وكما يشتعل الخطاب السياسي العربي الرسمي، في معظمه، محمّلًا المقاومة المسؤولية عن مأساة غزّة.
الانصهار الكامل في أيديولوجية اليمين الصهيوني المتطرّف والعداء المطلق للإسلام السياسي كانا في صلب الحملة الانتخابية لدونالد ترامب، في رئاسته الأولى 2017- 2021، وعبّر عنها في ذلك الوقت مستشاره للشؤون الاستراتيجية ستيف بانون، راسم السياسة الخارجية للولايات المتحدة، الذي وصفه المعلّق الإسرائيلي شيمي شاليف بأنه مع ترامب “يأخذان بتوصيات نتنياهو عن الإسلام المتطرّف” ويتشاركان في رؤية ما يعتبرانها “قوى الإسلام السياسي الظلامية” بوصفها الخطر الأكبر على الحضارة الغربية.
في السياق نفسه، نشرت صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية مقالًا بعنوان “ترامب سينقذ العالم من الإسلام المتطرّف”، قالت كاتبته ميمي بير إنّ الرئيس الأميركي يدرك أنّ ما حدث في غزّة لم يكن إبادة جماعية من إسرائيل، بل إبادة ارتكبتها حماس ضدّ شعبها”.
في رئاسة ترامب الثانية، هناك أكثر من ستيف بانون شراسة في التبنّي التام للرؤية الصهيونية والعداء العميق لحركات الإسلام السياسي، التي تمارس فعل مقاومة للاحتلال منها، والتي تنخرط في عمل سياسي قانوني في بلادها، لذا ليس من قبيل المصادفة أن يُشطب الإسلام السياسي من المشهد السياسي والاجتماعي في الأردن، بالتزامن مع اعتقال الإدارة السورية الجديدة، التي تحاول أن تثبت لواشنطن أنها “معتدلة ونصف”، ممثلي سرايا القدس، الفصيل الفلسطيني المقاوم، وكذلك مع تصاعد الخطاب السياسي والإعلامي ضدّ حزب الله في لبنان، وأيضاً مع حملة التحريض البذيئة لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عبّاس ضدّ المقاومة الوطنية الإسلامية في غزّة.
لا يمكن تجاهل تزامن كلّ هذه الانتفاضات الرسمية ضدّ محور المقاومة وحواضنه في عواصم عربية مع قرب وصول ترامب، الذي لا يمرّ يوم إلا ويعلن فيه التطابق التام مع أهداف نتنياهو وحرب الإبادة التي يشنّها على الشعب الفلسطيني في غزّة، وكذلك رؤيته إلى الإسلام السياسي باعتباره العقبة أمام حلمه الأكبر، وهو التوصّل إلى التطبيع السعودي الإسرائيلي الكامل، الذي ينظر إليه بوصفه التدشين الحقيقي لشرق أوسط تُهيمن عليه إسرائيل.
هذا العداء الشديد للإسلام السياسي يقابله اندفاع أشد نحو التطبيع مع اليهودية السياسية المتطرّفة، التي تجسّدها الحكومة الإسرائيلية الحالية التي تضم مجموعة من غلاة اليمين الصهيوني، في مقدّمتهم بنيامين نتانياهو، مؤسّس نظريةٍ مضمونها أنّ إقصاء القوى السياسية الإسلامية والاندماج في علاقات تطبيع مع الاحتلال الصهيوني هما الضمانة الأولى لاستقرار عروش الحكم العربية، إذ كان هذا المجرم، بنص حكم الجنائية الدولية، صاحب براءة اختراع “محور الاعتدال العربي”، حين تحدّث قبل 11 عاماً عن حلف إقليمي جديد يجمع إسرائيل ودولاً عربية سنية تحت مسمّى “معسكر الاعتدال” في اللحظة نفسها التي أعلن فيها تدشين النضال من أجل سنّ قانون “يهودية إسرائيل” في مايو/ أيار 2014، وهو ما تحقّق بالفعل بعد أربع سنوات فقط، حين أقرّ الكنيست قانوناً ينصّ على يهودية دولة الاحتلال، الذي نصّ على أنّ “إسرائيل هي الوطن التاريخي للشعب اليهودي وأن حق تقرير المصير فيها يخص الشعب اليهودي فقط”.
والحال كذلك، لو حسبت حجم التقارب بين المعتدلين العرب والمتطرفين الصهاينة على كلّ المستويات السياسية والتجارية والاقتصادية، لوجدت ازدهاراً في التعاون الاقتصادي (تدفقات الغاز الطبيعي من الاحتلال إلى مصر والأردن) وانتعاشاً في التقارب السياسي (قمة النقب برئاسة إسرائيل حضرتها دول مصر والأردن والمغرب والبحرين) ومناورات عسكرية مشتركة بحضور مصر والإمارات وقطر… ذلك كله قابله تصاعد حدّة الاستهداف لكلّ ما ينتمي إلى إسلام سياسي يقاوم أو يساعد على المقاومة، لتكون المعادلة المطروحة باختصار هي معادلة ترامب واليمين الصهيوني: استئصال مشروع الإسلام السياسي، مقابل دمج المشروع الصهيوني.