المجالات الثمانية للخسارة الاستراتيجية لإسرائيل وأمريكا في حرب غزة

أحمد رمضان24 ديسمبر 2023
أحمد رمضان

كاينابريس – أحمد رمضان(*)

بعد 77 يوماً من حرب نتنياهو وبايدن على غزة، يبدو المشهد السياسي والاستراتيجي كالآتي:

1. المجال العسكري: هناك 5 حروب تجري في آن معاً ضمن معركة كبرى، حاز الاحتلال أخسَّها أخلاقياً وإنسانياً، وهي القصف بقصد التدمير والقتل والتهجير، لكنه خسر معركة 7 أكتوبر، والمعركة البرية بما مُني من خسائر، ومواجهات الضفة، وحرب الجوار والبحر الأحمر، وأهم بُعدٍ لذلك، أن العمود الفِقري لجيشه (ألوية النخبة) تحطَّم وكُسر ويحتاج ترميمه ما لا يقل عن 5 سنوات، وأصبحت سُمعة سلاحه في الحضيض، مما يعني فقدان مليارات الدولارات، كما انحدرت سُمعة أمريكا بعد فشل مساعداتها العسكرية الضخمة في تغيير المعادلة، وتورطها في قتل مدنيين بأسلحة فتاكة.

2. المجال الأمني: انهارت سردية أمنية بُنيت على مدى 70 عاماً، ومعها قصصٌ خيالية عن اختراقات وقدرة على الوصول لأي مكان، بينما أظهرت معركة غزة أن المقاومة بنَتْ جيشاً بكل عتاده وقدراته وكفاءته على بعد 50 دقيقة فقط من تل أبيب، وكان بوسعه اجتياحها لو أراد، عدا عن الإخفاق الذريع في الوصول إلى أي أسير واستعادته حيَّاً، رغم عدد الأسرى الكبير في مساحة ضيِّقة، وانخراط 120 ألف جندي إسرائيلي في المعركة، وستكون لذلك تداعيات كبيرة لجهة فقدان الثقة في أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، وعددها 13 جهازاً ووحدة أمنية، ويُسجل تفوقٌ للمقاومة في أكثر من مجال، من ناحية اختراقها الاحتلال ومنظومته، وإخفائها المعلومات عنه بشكل مثير للإعجاب.

3. المجال السياسي: تفككت الرواية التي قدمها الاحتلال للعالم، وبدا معزولاً في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وانسحبت الدول واحدة إثر أخرى من دعم العدوان، ورغم ضغوط واشنطن إلا أن غالبية الدول بدت منتقدة ومستاءة وناقمة من الاحتلال وجرائمه، ووصل الشرخ إلى العمق الأوروبي الذي انبرت منه إسبانيا ومعها بلجيكا للمطالبة بالاعتراف بدولة فلسطين، ورفضِ الإقرار بما تبثه إسرائيل من روايات بدت هشَّة ومفككة، ومن عُزلة تعاني منها جعلتها متوترة ونزقة في مواجهة أغلب دول العالم.

4. المجال الدبلوماسي: لم يسبق لإسرائيل أن عانت من ضعفٍ في أدائها الدبلوماسي، كما هي عليه منذ عدوانها على غزة، فمعظم دبلوماسييها إما تم سحبهم خوفاً عليهم، أو هم يعيشون في عُزلة وانكفاء بسبب المقاطعة وغضب الرأي العام في الدول التي يوجدون فيها، وتَعجز إسرائيل عن إحصاء خسائرها دبلوماسياً، حيث تضطر أحياناً لتهديد شخصيات عبر مراكز نفوذ تابعة لها، بهدف ثني النخبة السياسية والفكرية والثقافية من تبني الرواية الفلسطينية والاصطفاف مع غزة، وهو ما يعني أن ترميم الخسائر في هذا المجال قد يحتاج عقداً من الزمن.

5. المجال الاقتصادي: يتحاشى نتنياهو الإقرار بحجم الخسائر التي لحقت بكيانه نتيجة الحرب، وخاصة بعد تصاعد التوتر في البحر الأحمر، ويقدرها البعض بنحو 100 مليار دولار مع نهاية هذا العام، مما سيفرض على دولة الاحتلال متاعب كبيرة، مع صعوبة تعويض ذلك من دول حليفة تعاني هي الأخرى من مصاعب اقتصادية، وقد يضطر نتنياهو لتسريح نحو 100 ألف مجند احتياطي للحدِّ من الخسائر، لكن استمرار الحرب وقصفَ المقاومة لتل أبيب سيبقي الاقتصاد الإسرائيلي تحت ضغط كبير، لا يمكن معالجته بإجراءات جزئية.

6. المجال القانوني: سيكون الأكثر رعباً وإزعاجاً لكل من إسرائيل وإدارة بايدن، حيث يشارك نحو 6 آلاف محام من أنحاء العالم في رفع دعاوى جماعية أمام المحكمة الجنائية الدولية، وسيُلاحق هؤلاء مسؤولين إسرائيليين وأمريكيين بتهم الإبادة الجماعية وارتكابِ جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وستكون المواجهة طويلة ومخيفة للسياسيين والعسكريين المتورطين في العدوان، وهي إحدى أهم الأوراق بيد المقاومة والقوى الفلسطينية، ويجري العمل عليها الآن بشكل مكثف.

7. المجال الإعلامي والتعبوي: تشكَّلت لأول مرة جبهة عالمية في وسائل التواصل الاجتماعي من ناشطين ومؤثرين نجحوا في هزيمة كبريات وسائل الإعلام، وبناء سردية صُلبة لصالح غزة والمقاومة، وأصبحت الكوفية والعلم وصور أطفال غزة أيقونات عالمية، وأصبح الوقوف مع المحتل حالة شاذة تُرعبُ صاحبها وتخيفه من ردة فعل الناس في أي مكان يرتاده، واستمرار المظاهرات في أنحاء العالم للشهر الثالث دليلٌ على انتفاضة الرأي العام ضد نخبة سياسية غربية متواطئة مع الاحتلال.

8. مجال القوى الناعمة: كسبت غزة قلوب هيئات ومؤسسات وفنانين ورياضيين وكتاب ونشطاء، ويسجل هنا بكثير من الاعتزاز دور المرأة في كل مكان، حيث تفوقت بأدائها وموقفها الإنساني ومثابرتها وتحديها لكل الضغوط، وذلك من المكاسب الهامة للمقاومة، ويتوقع أن يدفع ذلك ضمن المدى المتوسط لتغييرات مهمة في خارطة النفوذ السياسي في عدد من الدول الفاعلة في الصراع.


(*) كاتب سوري، مدير مركز لندن لاستراتيجيات الإعلام.

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

عاجل