د. محمد نور: اتفاق دايتون أنهى الحرب ولم يجلب السلام والاستقرار للبوسنة

كاينابريس1 يناير 2024
د. محمد نور: اتفاق دايتون أنهى الحرب ولم يجلب السلام والاستقرار للبوسنة

كاينابريس – متابعات

أكد الدكتور محمد نور، الإعلامي المصري المتخصص في شؤون البلقان، أن هناك أجواء من عدم الاستقرار السياسي وغياب الوحدة والاضطرابات تسود البوسنة والهرسك منذ توقيع اتفاق دايتون، الذي وإن كان قد أنهى الحرب بين الفرقاء البوسنيين، إلا أنه لم يجلب السلام أو الاستقرار السياسي أو يؤسس لدولة قوية وموحدة في البوسنة.



وقال نور في حوار له مع «جريدة الأمة الإليكترونية» ان الانشقاقات الذي يشهدها حزب جبهة العمل الديمقراطية الذي يقوده باكر علي عزت بيجوفيتش يعود إلى هيمنة بيجوفيتش الابن وزوجته التامة على الحزب بشكل دفع الحزب ثمنه من انشقاقات وخلافات وخسارة بيجوفيتش وحزبه لمقعده في المجلس الرئاسي البوسني.

وشدد على أن غياب الاستقرار السياسي والخلافات المتصاعدة بين اعراق البوسنة قد لعب دورا في تعثر مفاوضات انضمام البوسنة والهرسك للاتحاد الأوروبي، بالمقارنة بالوتيرة التي تتم بموجبها المفاوضات مع ألبانيا والجبل الأسود، مؤكدا أن لا توجد رغبة أوروبية في ضم البوسنة للاتحاد باعتباره ناديا مسيحيا في المقام الأول فضلا عن عدو وجود مصلحة قوية في ضم البوسنة للاتحاد في التوقيت الحالي قد تتغير إذ تكرر مثلا السيناريو الأوكراني في المنطقة..

واعتبر أن تهديدات زعيم صرب البوسنة دوديك بانفصال جمهورية صربيسكا عن الوطن الأم تنم عن نوع من الابتزاز السياسي للشركاء المسلمين والكروات فيما يتعلق باستحقاقات سياسية معينة فضلا عن تحقيق مكاسب سياسية وانتخابية نتيجة محاولات دغدغة مشاعر القوميين الصرب.

الحوار مع الإعلامي المتخصص في شؤون البلقان د. محمد نور تطرق لقضايا عديدها نعرضها بالتفصيل في السطور التالية:

• منذ العام 1995 دعا اتفاق دايتون الي نسيان الماضي والاعتراف بالأخطاء وإعادة حقوق الضحايا. وصولا للمصالحة. هل وجدت أثرا لذلك على الارض مع اقتراب الاتفاق من عامه الثلاثين؟

•• اتفاق دايتون كان نهاية مرحلة وبداية مرحلة جديدة فهذا الاتفاق لم ينه الحرب، بل كان مرتبطا بظروف خاصة، اتفق خلالها أطراف الصراع على إنهاء الحرب وفق الرؤية الأمريكية.

ومن ثم فاتفاق ديوان لم يشكل رؤية مثالية لنهاية الحرب باعتبار أن هذه الصيغة لم تسهم في تأسيس دولة قوية أو متسالمة أو هناك اندماجا بين مكوناتها العرقية بشكل كرس العديد من الملاحظات علي هذا الاتفاق الذي وصم الأوضاع في البوسنة بعد ما يقترب من توقيع الاتفاق بعدم الاستقرار سواء في الكيان المسلم الكرواتي أو ما يطلق عليها جمهورية صربيا.

بل على العكس وجود الكيانات الثلاث أفرز تضخما في الكيان الإداري للدولة ولك ان تعلم أن هناك مثلا أكثر من٢٤٠ وزيرا في البوسنة و٣مجالس نيابية و١٠مقاطعات في دولة صغيرة، أوضاع عجيبة لا تتحمل ذلك في بلد صغير وعدد سكانه لا يتجاوز3ملايين ونصف نسمة.

ورغم انه وبشكل رسمي الجميع يعيش في دولة واحدة وعلم واحدة وعملة واحدة ولكن هناك أوضاعا شديدة الغرابة، وتنم عن أن تحقيق السلام والاستقرار في هذا البلد لا زال بعيدا منها علي سبيل المثال، وجود جهازين للشرطة ونظامين مختلفين   في الدولة، ومن هنا يجب للتأكيد ان اتفاق دايتون وان انهي الحرب الا انه لم يسهم في قيادة البوسنة الاستقرار والسلام ووجود كيان قوي للدولة.

اتفاق ديتون بحضور بيجوفيتش وتودجمان وميلوسوفيتش وبدا وزير الخارجية الامريكي الاسبق كريستوفر



• في الانتخابات البوسنية العامة منذ أشهر خسر حزب جبهة العمل الإسلامي الوريث الشرعي للرئيس الراحل علي عزت بيجوفيتش لصالح الحزب الديمقراطي الاجتماعي فيما علت أسهم الأحزاب القومية.. فما أسباب هذه الخسارة وتأثيرها على حظوظ البوشناق في المشهد السياسي؟

•• فيما يتعلق بأوضاع مسلمي البوسنة البوشنياق فحزب جبهة العمل الديمقراطي «وريث الرئيس الراحل علي عزت بيجوفيتش خسر الانتخابات أمام الحزب الديمقراطي الاجتماعي في الانتخابات البوسنية العامة منذ أشهر وكذلك ارتفعت أسهم الأحزاب القومية في وسط صرب وكروات البوسنة».

أما عن أسباب هذه الخسارة وتأثيرها على حظوظ البوشناق في المشهد السياسي الإسلامي بعد خسارة الحزب الذي أساسه الزعيم الراحل علي عزت بيجوفيتش فيعود إلى معاناة هذا الحزب من الانشقاقات عبر انفصال مجموعة من الشباب اعتراضا على سيطرة باكر علي عزت بيجوقيتش وزوجته علي الحزب.

وهذا الانشقاق كان هدفه كسر احتكار بيجوفيتش للحزب، وقد أسهمت هذه الانشقاقات في خسارة حزب باكر بيجوفيتش لمقعده في مجلس الرئاسة لصالح عضو مسلم اخر، وهو دينيس بيسيروفيتش نائب رئيس الحزب الديمقراطي الاجتماعي، فقد حل مسلم بوشناقي مكان أخر في المجلس الرئاسي، دون أن يحمل الأمر أي خسارة للمسلمين في المشهد السياسي.

البوسنة والاتحاد الأوروبي

• منذ مدة طويلة وجه الاتحاد الدعوة لجمهورية البوسنة والهرسك لبدء المفاوضات هل حققت هذه المفاوضات اي نوع من التقدم ام تراه متأثرة سلبيا بالخلافات العرقية بين المسلمين والكروات والصرب التي ساهم في شل أركان الدولة الفتية؟

•• مسألة انضمام البوسنة والهرسك الاتحاد الأوروبي، لم تحقق نجاحا خلال الأعوام الماضية بسبب الأوضاع غير المستقرة داخل البوسنة وغياب القرار السياسي الموحد وعدم وجود ميل داخل الاتحاد الأوروبي لضم البوسنة باعتباره ناديا مسيحيا في المقام الأول.

ويضاف لذلك أن انضمام البوسنة بوضعها الحالي لا يشكل مصلحة أوروبية بالمقارنة بدول مجاورة لها، مثل الجبل الأسود وألبانيا واللذين حققتا نجاحات وتقدما في المفاوضات، وهو ما لم يحدث في البوسنة بسبب الفشل السياسي والإداري والفساد الذي يضرب أجهزة الدولة المترهلة في البوسنة والهرسك.

مع هذا الوضع المعقد لا اعتقد ان مفاوضات انضمام البوسنة والهرسك للاتحاد الأوروبي، ستحقق تقدما الا إذ أ شهدت المنطقة تطورات مفاجئة على غرار تكرار السيناريو الأوكراني في البلقان.

الصراعات العرقية في البوسنة

• كثيرا ما هدد زعيم رب البوسنة دوديك بانفصال جمهورية صربيسكا عن البوسنة هل هذا الخيار واردا او يحظى بالقبول في وسط الصرب، أمما تراه مجرد مزايدة سياسية الابتزاز المسلمين والكروات فيما يتعلق بقانون الملكية؟

•• تهديدات زعيم صرب البوسنة دويك بانفصال الكيان الصربي المعروف بجمهورية صرليسكا عن البوسنة ،مزيج من الابتزاز السياسي لباقي ألفرقاء من مسلمين وكروات لتقديم تنازلات سياسية أو لدغدغة عاطفة القوميين الصربي رغبة في تحقيق الانتخابية مكاسب انتخابية ،ناهيك عن أن حديث دويك عن الانفصال بين مكونات الكيان البوسني أمر واقع سواء من الناحية السياسية أو الثقافية أو الاجتماعية فضلا عن معاناة الشعب البوسني من الإرهاق بسبب الخلافات السياسية والعرقية وعدم الثقة في النخبة السياسية وهيمنة قيادات فاشلة علي المشهد السياسي

ومع هذا فلا أعتقد أن هناك رغبة من القوميات الثلاث في الانفصال فيما تتصاعد نزعة مغادرة مواطني البوسنة إلي بلدان الاتحاد الأوروبي،

ولك أن تتخيل أن حوالي نصف مليون بوسني قد غادروا البوسنة خلال السنوات الماضية، أي أن نصف القوي العاملة قد ترك البلاد التي لا يتجاوز عدد السكان بها أكثر من 3 ملايين نسمة، مما يشكل ضربة قاضية واستنزافا لاقتصاد البلاد المتداعي اصلا.

واقع العمل الدعوي الإسلامي

• ما تقييمك لواقع العمل الدعوي الإسلامي في جمهورية البوسنة وهل نحج في تحقيق نجاحات حافظت على هوية البوشنياق الاسلامية بعد نصف قرن من الشيوعية وما أبرز النجاحات التي حققها وكذلك التحديات؟

•• الواقع الدعوي الإسلامي في البوسنة متميز للغاية، بسبب الوضع التنظيمي القوي للمشيخة الإسلامية في البوسنة والهرسك حتى منذ الفتح العثماني حيث تتمتع المشيخة باستقلالية تامة

وهي الاستقلالية التي استمرت في عصر الاحتلال النمساوي ومرورا بالعهد اليوغوسلافي، حيث تمتعت بالسيطرة التامة على أوقافها، حتى أنها استطاعت إعادة السيطرة على الأوقاف التي تم الاستيلاء عليها ابان حرب البوسنة.

ومن أفضل الأدوار التي توفر المشيخة الإسلامية في البوسنة، أنها تساعد في تمتع الدعاة بنوع من الاستقرار المادي الذي يكفل له الاستقلال، ويتيح له القيام بدوره علي أفضل صوره وبل ويحظى الأئمة باحترام شديد في المجتمع البوسني.

• ما مدى نجاح جهود المشيخة الإسلامية في الحفاظ على هوية المسلمين البوشنياق؟

•• العمل الدعوي استطاع الحفاظ على الهوية الإسلامية لشعب البوسنة وهو ما يظهر بشكل واضح خلال المواسم والأعياد ومن خلال جمع الزكاة ومسابقات حفظ القرآن ورغم الحفاظ على الهوية الإسلامية والدور الذي تمارسه المشيخة إلا أن هذا لا ينفي وجود تحديات علي رأسها الغزو الثقافي التي تعاني منه اغلب الدول الإسلامية والتي باستقرار سياسي واقتصادي وعلى رأسها تركيا مثلا.

وهي تطورات تكشف أي مدي الوضع الدعوي والتعليمي الإسلامي في البوسنة مستقر حتى بالمقارنة مع دول الجوار، وفي مقدمتها ألبانيا وهو ما ظهر بقوة في تصدي المشيخة الإسلامية لكل الأفكار الواردة من الخارج، حتى انها نجحت في تحجيم دور دعاة درسوا في المملكة العربية السعودية، وحاولوا نشر أفكار بعينها.

ومع هذا ورغم الدور الإيجابي المشيخة الإسلامية الا أنها تعاني من مشاكل بيروقراطية نتيجة النظام المؤسسي القوي والقديم

وإجمالا، العمل الدعوي الإسلامي في البوسنة يمر بمرحلة ممتازة وهو ما يظهر في نظام حفظ القرآن الكريم، وهو نظام ممتاز متوارث يطلق عليه الصفارة، وهو نظام يبدأ من الصفر، ويمكن صاحبه من قراءة القرآن بصورة ممتازة خلال شهرين.

مدرسة الغازي حسرو بيه

• الحفاظ على هوية مسلمي البوسنة لا يتوقف فقط علي المشيخة بل أن هناك دورا بارزا للمدارس الإسلامية كذلك؟

•• بالفعل هناك دور متميز للمدارس الإسلامية التي حافظت لعقود طويلة على الهوية الإسلامية حتى خلال العهد اليوغوسلافي وفي مقدمتها مدرسة الغازي خسرو بيه في سراييفو التي لم تتعطل يوما عن أداء دورها رغم الحرب والدمار ناهيك عن ان هناك العشرات من المدارس التي دمرت أو تحولت خلال العهد اليوغوسلافي لاسطبلات خيل ومخازن جري تجديدها وإعادتها للخدمة.

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

عاجل | فلسطين