كاينابريس – متابعات
يواصل ما اتفق اصطلاحا على تسميتهم “الذباب الإلكتروني”، و”اللجان الإلكترونية”، وأتباع “الوحدة 8200” الاستخبارية العسكرية الإسرائيلية، التي تقود الحرب الإلكترونية، حربهم الكلامية على منصات التواصل وبعض الفضائيات العربية ووسائل الإعلام بهدف “شيطنة المقاومة” وتحميلها مسؤولية ما يجري في غزة، والتي امتدت لدى بعضهم وتوسعت إلى “شيطنة الفلسطيني” نفسه ومحاصرته بـ”حرب عنصرية مقيتة”.
الأمر ليس مكلفا ولا يحتاج إلى مجهود خارق، فقط تنشئ حسابات وهمية تقوم بنشر خبر كاذب، أو اجتزاء تصريح أو فيديو، أو تعيد نشر تغريدة قديمة، أو فيديو لا علاقة له بما يجري في غزة، أو تهاجم قيادة بلد ما ورموزه الوطنية والسياسية وحتى الفنية، ثم تشعل حرب “داحس والغبراء”، فيشارك فيها أشخاص وهميون أو بأسمائهم المعروفة ويختلط الحابل بالنابل.
وحروب الكلام هذه تضرب النسيج الاجتماعي في لبنان وسورية والأردن والعراق وفلسطين واليمن، وفي الخليج ومصر، وفي أي مكان يشكل خطرا على الرواية والسردية الصهيونية لما يجري في غزة وفي فلسطين المحتلة بشكل عام.
يقول الكاتب والصحافي الأردني باسل رفايعة: “لا أعرف إنجازا إسرائيليا بارزا في حرب الصورة منذ السابع من أكتوبر، كما لم تحقق المؤسسة الصهيونية إصابة دعائية ناجحة حتى الآن، ربما يفسر ذلك سعيها إلى تأليب العرب على الفلسطينيين، وشيطنتهم بقسوة، عبر استدعاء التعصب الوطني، وصناعة التهديدات”.
ويضيف رفايعة، المقيم حاليا في الولايات المتحدة الأمريكية، في حديث لوكالة قدس برس: “شتمت فتاة ما يحيى السنوار، ومعها عشرات من المشجعين على منصة X، شتموه بمفردات ونعوت قبيحة، وهذه موضة منذ شهور، تتصهين بها حسابات مصطنعة ووهمية بالمحاور والمفردات واللهجة ذاتها الموجهة ضد المقاومة، والشعب الفلسطيني، خصوصا في اللجوء والشتات”.
المحتوى يضج وينضح بكل ما هو عنصري ويشارك به أحيانا أشخاص معروفون وسياسيون.
وعن مدى تأثير هذه الحسابات الوهمية يجيب رفايعة، وهو عضو رابطة الكتاب ونقابة الصحفيين الأردنيين واتحاد الصحفيين العرب: “الناس هنا، في الأردن، لا يأبهون لضجيج الإنترنت كله، ولا يسعون أصلا لرواج أي محتوى عن وقوفهم الطبيعي مع غزة، وإن نشروه على المنصات الاجتماعية يظهر الحياء والشعور بالتقصير”.
وجزء كبير من الحسابات الوهمية هي صنيعة “الوحدة 8200” وهي إحدى وحدات مديرية الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية وأكبرها، تأسست منتصف القرن الماضي من قبل جهاز “أمان”، الاستخباري الصهيوني، وتهدف إلى التنصت وفك التشفير بهدف إيصال المعلومات والتحذيرات للقيادة المركزية وهيئة الأركان. وعلى الرغم من كل التقنيات التي تستخدمها الوحدة، إلا أنها فشلت بالتنبؤ بعملية “طوفان الأقصى” في السابع من أكتوبر الماضي.
تقول الناشطة رولا القواسمي على منصة إكس: “تدخلت الوحدة 8200 الصهيونية لتفرقة الوحدة العربية، وتهدف إلى زرع النزاعات بين أبناء الأمة الإسلامية وتفرقة الشعوب، أردني، فلسطيني، خليجي، ليبي، عراقي، سوري، إلخ، وبذلك تبعدهم عن الهدف الأساسي والحدث الرئيسي في قلب الوطن العربي مأساة فلسطين”.
وتقود “الوحدة 8200” نشاطا على مواقع التواصل الاجتماعي، وتستهدف قادة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وجهازها العسكري كتائب عز الدين القسام، من خلال مجموعة من الحسابات العربية التي تديرها، فتركز على إثارة مشاعر الكره ضد المقاومة، وتكرر الرواية ذاتها عن استهداف “حماس” للمدنيين و”الانتهاكات التي تعرضت لها دولة الاحتلال على يد الفلسطينيين”.
وتشير تقارير إعلامية إلى أن مجموعة من هذه الحسابات المكلفة بإثارة الفتنة تخضع لإدارة المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي إيدي كوهين.
وأشار أبو عبيدة، الناطق العسكري باسم كتائب عز الدين القسام، مع بدء عملية طوفان الأقصى، في كلمة صوتية مسجلة، إلى أن عددا من المجاهدين “تمكنوا من الانسحاب بسلام من قاعدة أورين، التي تضم وحدة الاستخبارات 8200، بعد استكمال مهمتهم هناك وتكبيدهم قوات العدو خسائر كبيرة”.
وأحد الأشكال التي تتخذها هذه الوحدة على منصات التواصل هو ما بات يعرف بـ”الذباب الإلكتروني”، ويطلق عليهم صفات أخرى.
ويؤكد خبير في الأمن السيبراني فضل عدم ذكر اسمه، بأن “الذباب الإلكتروني أو اللجان الإلكترونية، أحد أهم أسلحة الحرب الإلكترونية الحديثة على مواقع التواصل الاجتماعي، لا تحتاج إلى تكاليف مالية كبيرة وترسانة فتاكة من الأسلحة، بل مجرد حواسيب وروبوتات مبرمجة وفيروسات تكفي لإلحاق أضرار وتأجيج صراعات”.
ويعرف الذباب الإلكتروني بأنه عبارة عن حسابات وهمية مبرمجة وموجهة باتجاه معين، وبطرق ممنهجة تدار عن طريق برمجيات ومواقع تقوم بكتابة التعليقات والإعجاب وإعادة التغريد تلقائيا بهدف الدفاع عن وجهة نظر معينة، أو الهجوم على وجهة نظر مخالفة، ضد أشخاص أو دول بهدف التأثير على الرأي العام.
وبحسب خبراء وإعلاميين فإن تحديد الحسابات الوهمية له عدة طرق ووسائل عدة وسائل من بينها: عدم وجود مؤشرات الهوية الإلكترونية الواقعية وعدم إدراج المعلومات الشخصية الحقيقية في الحسابات مثل الصورة الحقيقية على البروفايل لذلك يكتبون بأسماء مستعارة واستخدام أسماء مرتبطة برموز وطنية وشخصيات واجتماعية.
وغالبيتها حسابات حديثة النشأة بفارق زمني قصير بين حساب وآخر، لا تحظى بعدد كبير من المتابعين. ومن بينها أيضا سرعة النشر والتغريد، بحيث تبث منشورات كثيرة في وقت واحد. وتقوم بتكرار محتوى موضوع معين في منصات اجتماعية مختلفة وعبر حسابات مختلفة مستخدمة نفس اللغة والصور والتعبيرات وكأنها نسخة مكررة.
ولا تقصر عملية “الشيطنة” هذه على الصهاينة وإنما هناك حملات على منصات التواصل تقودها حكومات عربية وأجهزة استخبارات تهدف إلى الطعن بالمقاومة وبالإنسان الفلسطيني، وتقوم بوظائف أخرى لبث الخلافات الطائفية والدينية والعرقية في الوطن العربي لإبقائه في حالة نزاع داخلي أبدي، لكنها في غالبها حسابات مستفزة ومكشوفة وغير مؤثرة رغم ما تحدثه من ضرر وقتي.