نقاش علمي هادئ حول خروج الصحابيات للعمل

د. حامد الإدريسي

كاينابريس – د. حامد الإدريسي(*)

ادعت إحدى المغردات أن المسلمة تقتدي بالصحابيات في خروجهن للعمل، وذكرت بعض الحالات فكان هذا الرد:

قد أحالت الأخت على شبه لا بد من بيانها، فأقول وبالله التوفيق:

‏أولا: الاقتداء بالصحابيات هو الاقتداء بالحالة العامة التي كن عليها رضي الله عنهن، وهو الاقتداء بفاطمة رضي الله عنها، ورقية وأم كلثوم، وأمهات المؤمنين اللواتي ما علمنا لهن مجالس علم ومواعظ، ولا خطبا ألقينها على المنابر، فكيف تزعمين أن عائشة رضي الله عنها كانت خطيبة؟

ثانيا: لو كان كما قلت، لأقامت عائشة رضي الله عنها حلقة في مسجد رسول الله ﷺ وما بينها وبينه إلا جدار، ولجلست إلى الناس تحدثهم وتخطب فيهم، فمن أين أتيت بأنها كانت خطيبة؟

ثالثا: خديجة رضي الله عنها لم تكن تاجرة، ولا مارست التجارة قط، فلا هي باعت ولا هي اشترت، ولا هي سافرت مع التجار في رحلة الشتاء والصيف، ولا هي نصبت خيمة في سوق عكاظ، حاشاها رضي الله عنها، بل كان لها مال ورثته من زوجها فكانت تعطيه لغلامها يتاجر لها فيه مع من تثق فيه من التجار.

رابعا: نُسيبة رضي الله عنها لم تكن محاربة، ولم تكن تقصد المعركة، وإنما خرجت مع زوجها وأبنائها لتسقي وتضمد، فلما دهمها الكفار قاتلت، وما كان رسول الله ﷺ يغزو بالنساء وهو القائل: “لا يتحدث الناس أن محمدا يغزو بالنساء”، وما كان ليحمّل المرأة الضعيفة مسؤولية الجهاد والقتال، ولذلك نص الفقهاء على أن المرأة ليست من أهل القتال، قال تعالى: {وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان}، فالنساء والولدان من المستضعفين الذين نقاتل لأجلهم ولا نقاتل بهم.

خامسا: ليلى العدوية أو الشفاء، لم تكن وزيرة ولا خطر هذا على بال أحد من المسلمين، حتى الذين نسبوا ذلك إلى الشفاء إنما نسبوا لها أنها كانت تحتسب في السوق، أي تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وأين هذا من الوزارة، ولو كان أحد مستوزرا امرأة لاستوزر رسول الله ﷺ في حياته، ولبعث من بين عماله عاملة من النساء، كي يقتدي به الناس، ولذلك قال ابن العربي: “وروي أن عمر ولى امرأة السوق”، ثم قال: “ولم يصح فلا تلتفتوا إليه، إنما هو من دسائس المبتدعة في الحديث”.

سادسا: أما رفيدة فما درست طبا ولا كانت طبيبة، وإنما مرّضت صحابيا في مسجد رسول الله ﷺ للحاجة إلى ذلك، ثم انتهت هذه الحاجة، واختفى هذا المشهد من خارطة الإسلام، فلم نجد في الأطباء إلا رجالا كابن سينا وابن الهيثم وابن البيطار وغيرهم، فأين الطبيبات في تاريخ الإسلام؟

سابعا: أما بانية الجامعات ومؤسسة الأكاديميات وصاحبة النظريات، فهي امرأة ورثت مالا عن زوجها، فتبرعت به لبناء مسجد، ثم تحلق الناس في هذا المسجد لطلب العلم، فتحولت هذه المرأة فجأة عند صاحبتنا إلى بانية الجامعات، وكأنها الوزير نظام الملك الذي أسس نهضة علمية في العالم الإسلامي كله، بالله عليكم على من يضحك هؤلاء.

ثامنا: إن النماذج التي ذكرتها هذه المرأة هي جل ما وجد في عصر الصحابة، في مقابل الآلاف من النساء المؤمنات القارات في بيوتهن، وعلى رأسهن بنات رسول الله ﷺ اللواتي لا نعرف لهن في السيرة دورا في تنظيم أو اجتماع أو دعوة، وعلى رأسهن أمهات المؤمنين اللواتي قال لهن رسول الله ﷺ بعد الحج: “هذه وظهور الحصر”، أي وملازمة البيوت، فما خرجن ولا رُئين بعد رسول الله ﷺ إلا لماما، فكيف نترك الآلاف المؤلفة ونقتدي بخمس أو عشر؟

تاسعا: إن أكبر إهانة للمرأة أن نتكلف لها هذه الدعوى، ونزعم أنها كانت تقوم بما يقوم به الرجل، ثم نجد أثرها في التاريخ الإسلامي لا يتعدى هذه الأسماء المعدودة على رؤوس الأصابع، بل لا نجد للمرأة أي مؤلف في علم من العلوم الإسلامية كالتفسير والفقه والحديث، ولا العلمية كالطب والفلك والفلسفة والرياضيات، وها هي المكتبة أمامك، إيتنا بمؤلفات في العلوم لنساء قبل قرن النكسة هذا، بل ها هي علوم اليونان والإغريق والرومان، أين وجدت فيلسوفة من النساء؟

السبب أنها لم تشغل نفسها بما خلق له الرجل، بل شغلت نفسها بصناعة الرجل ذاته، فالرجل صنع الحضارة وهي صنعت الرجل، وهو شغل لو تعلمين شاغل.

إن المرأة خلقت لتكون سكنا للرجل كما قال تعالى: {وجعل منها زوجها ليسكن إليها} فمتى ما حققت السكن استحقت الجنة “من ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة”، ولذلك تقول سيدة النساء فاطمة رضي الله عنها: “خير للمرأة أن لا ترى الرجال ولا يراها الرجال”، وأنت تريدينها قاضية وخطيبة وتاجرة!

فردت أن هذا كلام الشيخ القرضاوي، وذكرت شبها أخرى، فكتبت ما يلي:

ما دمت أحلت على الشيخ القرضاوي فقد أنهيت النقاش وكأنك تقولين أنا مجرد ناقلة والموضوع بينكم، وهذا في حد ذاته كاف، لكني أحب أن أنبه على خطورة الأفكار التي تتحرك داخل منظومتك الفكرية:

المرأة تظل محبوسة: المرأة المتفرغة لبيتها وأبنائها ليست محبوسة بل هي تتنزه وتتسوق وتسافر معززة مكرمة، أما المحبوسة حقيقة فهي المطالبة بالتبصيم كل يوم، هذا حبسها المادي، أما حبسها المعنوي فهو حين تجد نفسها بلا زوج ولا أسرة، فتبقى حبيسة مسماها الوظيفي الذي لا يملأ فراغ نفسها.

هدي الرسول ﷺ وخلفائه: هنا تسلل واضح، فالأدلة التي ذكرتها كانت في عهد النبي ﷺ، بل في أول الأمر قبل نزول آية الحجاب، أما الخلفاء فها هو عمر يعين ستة للشورى وعائشة موجودة، فلماذا لم يشرك العنصر النسوي؟ وها هم الخلفاء يعينون العمال والقضاة والمحتسبين وجابي الزكاة، هل كانت فيهم امرأة؟ وها هي الجلسات تعقد في المسجد النبوي لتعليم الشريعة وتوزيع ميراث النبي ﷺ هل كانت فيهن شيخة تجلس للتعليم؟ وكيف يكون هذا هدي الرسول ﷺ، وهو القائل لمن طلبت منه الصلاة خلفه: “صلاتك في بيتك خير من صلاتك معي”! فإن قلت هذا هدي الشيخ القرضاوي صدقناك، أما أن تقولي هدي الرسول ﷺ وخلفاؤه فسبحانك ربي هذا بهتان عظيم.

وجود المرأة في المجتمع: نحن مع وجود المرأة في المجتمع ولسنا مع وجودها في الشارع، فالمرأة في المجتمع تقوم بدورها العظيم، ولولاها لما رأينا القاضي والطبيب والمهندس والجندي ورئيس البلد، فالذي لا يراها في المجتمع لأنه يبحث عنها بعيني رجل، وطبعا لن يجدها!

المؤمن القوي: القوة هنا تختلف بين الرجل والمرأة فقوة المرأة في ضعفها ونعومتها، أما إذا تقوت المرأة بما يتقوى به الرجال فإنها تترجل، وهذا ما حصل للكثيرات، ولذلك حذر عمر بن الخطاب من الخراجات الولاجات، أي الموجودات في المجتمع على حد تعبيرك.

الحق في الحوار: إذا كنت تقصدين مع المحارم فهذا صحيح، أما الحوار مع الرجال، فالعلماء حرموا على الرجل أن يشمت المرأة الشابة إن عطست خوف الفتنة، فكيف تريدين الدخول في حوارات مع الشباب؟

لا نخضع للبشر: إن كنت تقصدين الزوج فالخضوع للزوج فضيلة وهو من الخضوع لله عز وجل، وهذه الفكرة التي برزت في هذا النقاش وإن كانت بعيدة عن موضوعنا ما هي إلا محرك حقيقي للمرأة اليوم، فهي ترفض الخضوع للزوج لكن تخضع للمدير، وكل هذا النقاش حتى لا نقول لها اخضعي للزوج.

عموما: لا عتب عليك، فما تقولينه هنا هو ما شحن الإعلام به المجتمعات الإسلامية على مدى خمسين عاما. نسأل الله صلاح الحال.


(*) كاتب ومستشار أسري

اترك تعليقا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

التعليقات تعليق واحد
  • Fatima
    Fatima 19 أبريل 2024 - 10:22

    بارك الله فيك و زادك بسطتا في العلم لما ينفع به الأمه الإسلامية يا رب،

عاجل | فلسطين